تصوير: محمد سرحان
تستغرق النحاتة البحرينية عائشة حافظ في البياض، لتنتقل إلى عالم أكثر سلاما وارتباطا بالحب والتسامح، بعيدا عن كل ما يشوه البياض.
التصاق النحاتة بالمجال الفني لم يكن عبثيا، فهي نشأت ضمن عائلة محبة للفن والثقافة، واكتسبت تلك الموهبة الفنية من أخيها، فظلت تمارسها في حياتها اليومية بالانغماس في تشكيل مجسمات الرمل الطفولية، ومنها انطلقت لتشكل كائناتها البيضاء المسالمة. تقول عائشة: «بدأت بتشكيل مجسمات بدائية على رمال الشواطئ، لأنتقل إلى تشكيل منحوتات مكونة من عناصر بيئية مثل الأخشاب».
ومن الخشب إلى الحجر الجيري، مرحلة الانتقال إلى اللون البيض، لتنحصر عائشة في عالم البياض ولم تخرج منه حتى الآن، تأثرا بوالدتها التي كانت لا تلبس إلا الأبيض، ثوب الململ التقليدي المحلي، حتى في المناسبات الخاصة. وهو ذاته اللون الذي انتقل إلى ملابس عائشة أيضا ورسخ في ذاكرتها الفنية.
تتنوع كائنات عائشة البيضاء ما بين البيضة والطيور الصغيرة إلى حمامة السلام والكرسي الحاضن وحتى القارب المنقذ. فالبيضة هي رمز بداية الخلق والحياة الجديدة المسالمة الخارجة إلى المستقبل. والطيور الصغيرة ترمز إلى الطائر الفينيقي الأسطوري. أما الكرسي فهو الوطن الحاضن لحمامات السلام. أما القارب فيعود إلى سفينة نوح المنقذة للبشرية.
وسط كل تلك الرمزيات، تخترق المرأة منحوتات عائشة أيضا لتبرز عبر وجوهها التي لا تنتهي رمزية الكونية واستمرارية الخلق. المرأة ضمن كائنات عائشة تتناسل وتحلق في الخيال.
وتبين عائشة: «تحمل النساء إحساس صاحباتها وحكاياتهن ومشاعرهن. فكل وجه من الوجوه يحمل تعبيرات تدريجية لقيم الحق والجمال والخير في كفاح لنيل المرأة كامل إنسانيتها على مر العصور الماضية والمستقبل والحاضر».
وتضيف النحاتة: «كل وجه نسائي على مر العصور هو جنة في الجمال والخير والحق. الوجوه الجدارية بأشكالها وملامحها التعبيرية الشفافة إنسانية ملهمة ومتمردة ومقدمة بإصرارها وتفاؤلها وحزنها».
وتتابع بالقول: «قصص النساء في كل الأزمنة التاريخية هي مصدر إلهامي. المرأة باختلاف أجناسها وأشكالها وألوانها ومعتقداتها وماضيها وحاضرها ومستقبلها. كل النساء في كل الأزمنة متشابهات في جمالهن وإنسانيتهن ومطالبهن لحقوقهن».
تتنوع نساء عائشة، فقد تتحول أحيانا إلى ملكات منتصبات على عروشهن، يتقمصن اللون الأسود. فالأسود يحمل معاني الجمال أيضا لدى عائشة، فمن بينه تتسلل خيوط البياض في تلامس ما بين اللونين المتضادين اللذين يحملان نفس المعنى أيضا، السلام.
لكنهن، تلك النساء، قد تشكلهن عائشة أحيانا بلا ملامح مكتملة، لتتحول إلى كائنات مبهمة متناقضة، فالنقص هو اكتمالٌ أيضا بالنسبة إليها.
نساء عائشة أيضا قد يشبهن عائشة نفسها، يشبهن شعرها الكثيف السواد المتطاير وعينيها الواسعتين البارزتين وأنفها الطويل وروحها البسيطة بسلامها الداخلي.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك