العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

بعض موسيقانا خطر على الصحة

قلت‭ ‬في‭ ‬مقال‭ ‬قبل‭ ‬أيام‭ ‬إنه‭ ‬على‭ ‬ذمة‭ ‬اختبار‭ ‬الذكاء IQ فإنني‭ ‬من‭ ‬فلتات‭ ‬الزمان،‭ ‬وكتبت‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬مقالا‭ ‬قلت‭ ‬فيه‭ ‬انني‭ ‬استمعت‭ ‬مصادفة‭ ‬لمعزوفات‭ ‬للموسيقار‭ ‬موزارت‭ ‬وعشقت‭ ‬موسيقاه،‭ ‬ثم‭ ‬أصيب‭ ‬رأسي‭ ‬بالاستسقاء‭ ‬عندما‭ ‬سمعت‭ ‬ان‭ ‬موسيقى‭ ‬موزارت‭ ‬تزيد‭ ‬معدل‭ ‬الذكاء،‭ ‬وقرأت‭ ‬مؤخرا‭ ‬نتيجة‭ ‬بحث‭ ‬لعلماء‭ ‬أمريكيين‭ ‬جاء‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬موسيقى‭ ‬شتراوس‭ ‬الهادئة‭ ‬تسبب‭ ‬لمستمعيها‭ ‬اضطرابات‭ ‬في‭ ‬وظائف‭ ‬القلب‭.‬

هذه‭ ‬كارثة‭ ‬يا‭ ‬جماهير‭ ‬أمتنا‭ ‬الباسلة‭. ‬ميلوديات‭ ‬عبقري‭ ‬الموسيقى‭ ‬شتراوس‭ ‬تسبب‭ ‬أمراض‭ ‬القلب،‭ ‬فماذا‭ ‬تكون‭ ‬عاقبة‭ ‬الاستماع‭ ‬لجماعتنا؟‭ ‬البواسير؟‭ ‬الثعلبة؟‭ ‬إسقاط‭ ‬الأجنة؟‭ ‬أليس‭ ‬من‭ ‬الواجب‭ ‬على‭ ‬اتحاد‭ ‬الأطباء‭ ‬العرب‭ ‬دراسة‭ ‬تأثير‭ ‬‮«‬غثاء‮»‬‭ ‬شعبولا‭ ‬على‭ ‬الجهازين‭ ‬الهضمي‭ ‬والتناسلي؟‭ ‬أليس‭ ‬من‭ ‬واجب‭ ‬الجامعة‭ ‬العربية‭ ‬سحب‭ ‬‮«‬الجنسية‮»‬‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬الذي‭ ‬تغزل‭ ‬بـ«حمار»؟‭ ‬يعني‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬تغزل‭ ‬بحمارة‭ (‬أتان‭) ‬لقلنا‭ ‬‮«‬معليش‭ ‬فهو‭ ‬ثور‭ ‬يحب‭ ‬حمارة‭ ‬ولايقين‭ ‬على‭ ‬بعض،‭ ‬ولكنه‭ ‬يتغزل‭ ‬جهرا‭ ‬ونهارا‭ ‬بحمار‭ ‬‮«‬مذكر‮»‬،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أنه‭ ‬يستعر‭ ‬من‭ ‬الانتماء‭ ‬إلينا،‭ ‬وأن‭ ‬بناتنا‭ ‬لا‭ ‬يملأن‭ ‬عينه‭.‬

الغناء‭ ‬عندنا‭ ‬منافسة‭ ‬في‭ ‬الولولة،‭ ‬وليس‭ ‬هناك‭ ‬مغنٍ‭ ‬عربي‭ ‬واحد‭ ‬يؤدي‭ ‬أغنية‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يستنجد‭ ‬بالليل‭: ‬يا‭ ‬ليل‭. ‬يا‭ ‬ليلي‭ ‬ياآآآ‭ ‬لييييلي،‭ ‬وكلما‭ ‬مطّ‭ ‬وجرجر‭ ‬وأكثر‭ ‬من‭ ‬الولولة‭ ‬استحسن‭ ‬الجمهور‭ ‬أداءه،‭ ‬ولم‭ ‬يفكر‭ ‬واحد‭ ‬منهم‭ ‬في‭ ‬استبدال‭ ‬‮«‬يا‭ ‬ليلي‮»‬‭ ‬بشيء‭ ‬مثل‭: ‬يا‭ ‬نهاري،‭ ‬أو‭ ‬يا‭ ‬ظهري،‭ ‬أو‭ ‬يا‭ ‬مغربي‭. ‬لكن‭ ‬كيف‭ ‬يحدث‭ ‬ذلك‭ ‬ونحن‭ ‬نشبّه‭ ‬المطرب‭ ‬الجيد‭ ‬بزرياب‭ ‬والموصلي،‭ ‬ومازال‭ ‬الجاحظ‭ ‬المثل‭ ‬الأعلى‭ ‬في‭ ‬النثر،‭ ‬والله‭ ‬لو‭ ‬قال‭ ‬أحدهم‭ ‬إنني‭ ‬اكتب‭ ‬مثل‭ ‬الجاحظ‭ ‬لضربته‭ ‬في‭ ‬أم‭ ‬بطنه‭ ‬حتى‭ ‬تجحظ‭ ‬عيناه‭.‬

عندنا‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬تلعب‭ ‬‮«‬الواسطة‮»‬‭ ‬دورها‭ ‬في‭ ‬إيصال‭ ‬أشخاص‭ ‬عارين‭ ‬من‭ ‬الموهبة‭ ‬إلى‭ ‬الميكروفون‭. ‬فمن‭ ‬يتوقون‭ ‬إلى‭ ‬النجومية،‭ ‬ممن‭ ‬لا‭ ‬يملكون‭ ‬حساً‭ ‬فنياً،‭ ‬يختصرون‭ ‬المشوار‭ ‬بالتقدم‭ ‬إلى‭ ‬الإذاعة‭ ‬أو‭ ‬التلفزيون‭ ‬بنشيد‭ ‬‮«‬وطني‮»‬‭: ‬يا‭ ‬ريس‭.. ‬يا‭ ‬قائد‭.. ‬يا‭ ‬ملهم‭.. ‬يا‭ ‬بتاع‭ ‬كله‭.. ‬إلخ،‭ ‬ولا‭ ‬يملك‭ ‬مدير‭ ‬الإذاعة‭ ‬أو‭ ‬التلفزيون‭ ‬إلا‭ ‬إجازة‭ ‬ذلك‭ ‬‮«‬النشيد‮»‬‭ ‬ثم‭ ‬قطع‭ ‬الإرسال‭ ‬بعبارة‭: ‬بعد‭ ‬قليل‭ ‬سنوافيكم‭ ‬بأمر‭ ‬مهم‭. ‬وبعد‭ ‬تكرار‭ ‬هذه‭ ‬العبارة‭ ‬خمس‭ ‬مرات‭ ‬يطل‭ ‬المذيع‭ ‬مجدداً‭ ‬ليقول‭: ‬سيداتي،‭ ‬آنساتي‭ ‬سادتي‭.. ‬جاءنا‭ ‬الآن‭ ‬ما‭ ‬يلي‭: ‬طاخ‭ ‬طراخ‭.. ‬يا‭ ‬وطن‭.. ‬يا‭ ‬زعيم‭.. ‬يا‭ ‬لطيف،‭ ‬وهكذا‭ ‬يدخل‭ ‬ذلك‭ ‬المغني‭ ‬التاريخ،‭ ‬كما‭ ‬دخله‭ ‬الزعيم‭ ‬صاحب‭ ‬البيان‭ ‬رقم‭ (‬1‭). ‬بالمناسبة،‭ ‬لماذا‭ ‬يصر‭ ‬المذيعون‭ ‬العرب‭ ‬على‭ ‬تقديم‭ ‬السيدات‭ ‬والآنسات‭ ‬علينا‭: ‬سيداتي،‭ ‬آنساتي،‭ ‬ثم‭ ‬نأتي‭ ‬نحن‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬‮«‬سادتي‮»‬‭. ‬هذا‭ ‬محض‭ ‬نفاق‭ ‬ورياء،‭ ‬فالرجال‭ ‬دائماً‭ ‬في‭ ‬‮«‬المقدمة‮»‬‭. ‬وفي‭ ‬السوق‭ ‬وإذا‭ ‬تواضع‭ ‬الواحد‭ ‬منا‭ ‬واصطحب‭ ‬معه‭ ‬حرمه‭ ‬في‭ ‬جولة‭ ‬فعلى‭ ‬‮«‬الحرمة‮»‬‭ ‬أن‭ ‬تمشي‭ ‬وراء‭ ‬‮«‬البعل‮»‬‭. (‬لو‭ ‬تجرأ‭ ‬أحدنا‭ ‬وقال‭ ‬لزوجته‭ ‬‮«‬يا‭ ‬بعلتي‮»‬،‭ ‬لفقد‭ ‬أسنانه‭ ‬الأمامية،‭ ‬فلماذا‭ ‬نرضى‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الواحد‭ ‬منا‭ ‬‮«‬بعلا‮»‬،‭ ‬وأن‭ ‬يقال‭: ‬السيدة‭ ‬فلانة،‭ ‬وبعلها؟‭). ‬المهم‭ ‬نحن‭ ‬دائماً‭ ‬في‭ ‬الطليعة،‭ ‬في‭ ‬السوق،‭ ‬وعلى‭ ‬مائدة‭ ‬الطعام‭ (‬لنا‭ ‬الطيبات‭ ‬ولهن‭ ‬الفتات‭).‬

موسيقى‭ ‬شتراوس‭ ‬تسبب‭ ‬مرض‭ ‬القلب،‭ ‬فماذا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ينتج‭ ‬عن‭ ‬الاستماع‭ ‬المتواصل‭ ‬للمارشات‭ ‬العسكرية،‭ ‬وأناشيد‭ ‬الفداء‭ ‬والبطولة‭ ‬والتحرير،‭ ‬أنا‭ ‬شخصياً‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬جميع‭ ‬أناشيدنا‭ ‬الوطنية‭ ‬من‭ ‬كلمات‭ ‬وألحان‭ ‬تجار‭ ‬المخدرات‭ ‬فتأثيرها‭ ‬عجيب،‭ ‬تسمع‭ ‬النشيد‭ ‬الواحد‭ ‬فيسري‭ ‬في‭ ‬جسدك‭ ‬خدر‭ ‬لذيذ‭ ‬وتبدأ‭ ‬في‭ ‬الهلوسة‭ ‬واجترار‭ ‬أحلام‭ ‬اليقظة‭: ‬الحمد‭ ‬لله‭ ‬جميع‭ ‬قضايانا‭ ‬محلولة‭ ‬ومحلحلة،‭ ‬والرفاهية‭ ‬تحققت‭. ‬أما‭ ‬إذا‭ ‬سمعت‭ ‬عدة‭ ‬أناشيد‭ ‬دفعة‭ ‬واحدة‭ ‬فقد‭ ‬تراودك‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تخون‭ ‬وطنك،‭ ‬فمن‭ ‬الثابت‭ ‬تماماً‭ ‬أن‭ ‬المواطن‭ ‬العربي‭ ‬لا‭ ‬يسب‭ ‬بلاده‭ ‬إلا‭ ‬عندما‭ ‬يستمع‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬الأناشيد،‭ ‬فإذا‭ ‬هرب‭ ‬منها‭ ‬إلى‭ ‬الغناء‭ ‬العاطفي‭ ‬وجده‭ ‬كله‭: ‬يا‭ ‬ليلي‭.. ‬يا‭ ‬عيني‭.. ‬يا‭ ‬دانة،‭ ‬وكل‭ ‬هذا‭ ‬شكوى‭ ‬مستترة،‭ ‬حتى‭ ‬الغزل‭ ‬عندنا‭ ‬‮«‬بطيني‮»‬‭. ‬أي‭ ‬يتعلق‭ ‬بالبطن،‭ ‬فأجزاء‭ ‬جسم‭ ‬المحبوبة‭ ‬برتقال،‭ ‬أو‭ ‬تفاح،‭ ‬أو‭ ‬كرز،‭ ‬أو‭ ‬فراولة،‭ ‬ويصل‭ ‬فساد‭ ‬الذوق‭ ‬عند‭ ‬البعض‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬يشبهون‭ ‬فيها‭ ‬الحبيبة‭ ‬بالليمونة،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬المغني‭ ‬يقول‭ ‬بشكل‭ ‬أو‭ ‬آخر‭ ‬إن‭ ‬حبيبته‭ ‬تسبب‭ ‬الحموضة،‭ ‬وربما‭ ‬القرحة‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا