في سيرتها ما يؤكد أنها امرأة خرجت من جرح وطنها فلسطين مولداً، ولم ينم جرحها بعيداً عن وجع وطنها ظلت تعزف قيثارتها شعراً لتتغنى بما هو باقٍ يحرك نبضها بوحي إيمانها بأسرتها التي ترى فيها المنشأ الآمن في تربية الأجيال.
ومن دولة الإمارات التي أحبتها بمثل حبها لوطنها فلسطين هزت بشجرة الزيتون لتتحدى كل العقبات وتنشد أجمل قصيدة في عيون تقرأ حزنها وفرحها وتحتضن نخلة الحب من الإمارات.
جمعت بين كتابة الشعر والعمل السلوكي الذي يبدأ بالأسرة وينتهي بمسؤولية كبرى ينطوي بداخلها أي الأسرة بناء المجتمع وتغذيته بالحب والسلام، إنها الشاعرة والتربوية النفسية همسة يونس التي رحبت بأخبار الخليج الثقافي أن يحاورها فكان هذا الحوار:
{ في البدء من همسة يونس عبر الاشتغال الأسري؟
- هي أم عايشت كل تحديات التربية مع خمسة أبناء، ومرت بكثير من الإحباطات والنجاحات كأم وزوجة صنعت منها شخصيتها اليوم. هي أم آمنت بأن الأسرة مسؤولية عظيمة وعالم مقدس من الحب والسلام والتضحية.
{ضمن مفهوم العلاقة الأسرية كيف لك أن تقربي القارئ من الثقافة بشكلها المتعارف عليه؟
- العلاقات الأسرية هي النموذج الأول لمفهوم العلاقات خارج إطار الأسرة الأولى، ومن هذا المنطلق أسعى من خلال عملي الإرشادي أن أساعد أفراد الأسرة على إعادة هيكلة علاقاتهم داخل الأسرة انطلاقاً من إعادة هيكلة علاقة الفرد بذاته. وتعد التكنولوجيا والشبكة العنكبوتية من أهم مصادر الثقافة والمعرفة في وقتنا الحالي وهذا ما يشكل تحدياً كبيراً للأسرة، إذ إن العلاقة بين أفراد الأسرة تتأثر سلباً أو إيجاباً وفقاً لنوعية المحتوى الذي يتعرضون له، وهنا يأتي دور العمل الإرشادي في زيادة الوعي لدى الأفراد لتعزيز مهاراتهم في انتقاء المحتوى واستثماره في تنمية الجانب الثقافي داخل الأسرة ما يسهم بشكل مباشر في الارتقاء بالوعي المجتمعي وسعيه للتطوير في كل المجالات.
* ضمن سيرتك العملية أنت مرشدة مجتمعية، هل للثقافة عامل حيوي تستندين عليه في رسالتك الإرشادية؟
- بالتأكيد، فثقافة المجتمع تنعكس بشكل خطير على أساليب التنشئة الوالدية التي يستخدمها الآباء والأمهات في تربية أبنائهم، لذلك فإنني أعتبر العملية الإرشادية في هذا الإطار عملية تبادلية تؤثر في كلا الطرفين. وكلما ارتفع مستوى الوعي الثقافي لدى الفرد ساهم بذلك في زيادة الوعي التربوي داخل الأسرة وبالتالي ينشأ مستوى عالٍ من الوعي الاجتماعي داخل المجتمع بما يكون له أكبر الأثر في الارتقاء بالسلوك المجتمعي، وهذا يزيد من فرص تراجع السلوك المنحرف داخل المجتمع ويعزز الاستقرار على جميع المستويات بدايةً من الفرد ثم العائلة فالمجتمع.
{ المجتمعات العربية تعاني الكثير من الآلام، فما أصعبها في نظرك، وما الحلول لتقويم وإذابة هذه الأوجاع؟
- لا يمكن أن أضع تقييماً للأصعب، إذ تختلف الصعوبات التي يعاني منها كل مجتمع عن الآخر وتتفاوت في حجم تأثيرها في الصحة النفسية للفرد والأسرة، وهذا ما يجذب اهتمامي بشكل عام، حجم الدعم النفسي الذي يتلقاه الأفراد في هذه المجتمعات بما يعزز مهاراتهم في حل المشكلات والتعامل السليم مع الضغوطات النفسية المترتبة على الظروف التي يمرون بها.
{ هل للأدب مثل الشعر والقصة والرواية دور ضمن أدواتك في معالجة الآخرين في المجتمع تأخذين به كرسائل تعالج مثالب السلوك في الأسرة؟
- إن العلاج بالقراءة والكتابة والتمثيل هي من أهم الفنيات التي أستخدمها في جلساتي الإرشادية، إذ إنها تساعد المسترشد على استعادة توازنه النفسي من خلال تعزيز قدرته على اكتشاف مواطن الخلل وأسباب المشكلة بالاستبصار الذاتي ومن ثم تحفيزه لإعادة صياغة أفكاره ومشاعره انطلاقاً من قناعات جديدة تساعده في البحث عن الحلول التي تناسبه.
{ ما أهم الكتب التي ترين أنها مهمة لكل بيت يبني أسرة؟
- من وجهة نظري أرى أن هناك مجموعة كبيرة من الكتب المهمة التي تسهم في رفع معدل الوعي لدى الوالدين وبالتالي تنمية مهاراتهم في تنشئة الأبناء بأساليب إيجابية تساعد على تعزيز الصحة النفسية لكل أفراد الأسرة، سواء كانت كتبا عربية أو مترجمة، منها كتاب (سيكولوجية التنشئة الاجتماعية) د. عبدالرحمن العيسوي، وكتاب (الذكاء العاطفي في التربية) د. إيناس فوزي، كذلك كتب القصص المجتمعية التي تحفز على الدعم الإيجابي والأفكار السليمة مثل كتابي (النافذة 18).
{ علم النفس ضمن رسائلك، فما الدور المناط بالثقافة في معالجة مثالب المجتمع ضمن مشروعك النفسي؟
- أرى أنني أقوم بدور مهم جداً من خلال عملي الإرشادي يسهم في تعزيز ثقافة العلاج النفسي وأهمية الصحة النفسية لدى الفرد والأسرة، والإرشاد المجتمعي في هذا المجال ساهم بشكل كبير في تعديل الفكرة السائدة حول كل ما يخص العلاج النفسي، وهذا من شأنه –على المدى البعيد – أن يساعد في خفض نسبة المشكلات الأسرية.
{ لو أعطي لك كتابا أدبيا ما الكتاب الذي يشدك لقراءته؟
- تشدني الكتب التي تقدم الأدب في قالب واقعي يلهمني في فهم الشخصيات من حولي سواء على الصعيد الشخصي أو على صعيد عملي الإرشادي، وهذا لا ينفي أنني أهتم جداً باختيار الكتاب الذي يستخدم كاتبه لغة ماتعة بعيدة عن السطحية، إضافة إلى الخيال المتزن الذي لا يفصل القارئ عن واقعه، ومنها روايات نجيب محفوظ وواسيني الأعرج وجلال برجس وتركي الحمد، كما أن في الشعر مساحة واسعة للخيال، لكن الطرح الفلسفي في كتابات بعض الشعراء تدفعني لمتابعتهم ومنهم جاسم الصحيح ونزار أبوناصر.
{ الأدب بين التصنيف المعرفي مادة حيوية تساعد المرء على معالجة نفسه عبر القراءة، فبماذا تنصحين من هم يعانون من السلوك المضطرب وهل سيكون للأدب دور فاعل؟
- يسهم الأدب في تعزيز خيال القارئ ما يشكل له فرصةً جيدة لرؤية العالم من منظور مختلف، فيتقمص شخصيات إيجابية تساعده على إعادة تنظيم أفكاره بما يعزز توافقه النفسي ليكون أكثر تصالحاً مع ذاته ويحفزه لتبني سلوكيات جديدة ومن ثم تتوفر للقارئ فرصة التقييم الذاتي لما كان عليه سلوكه في السابق وما أصبح عليه بعد الاستمرارية في قراءة الكتب الأدبية التي تناسب حالته، وهنا أرى أن دور المرشد أو المعالج النفسي مهم في جداً في مساعدة المسترشد على انتقاء الكتاب المناسب لتحقيق التغيير الإيجابي المطلوب.
{ يوجد في المكتبة العربية بعض من الكتب التثقيفية في علم النفس وتطوير الذات ككتاب نظرية الفستق وأيضا كتاب نبأ يقين أنهما من الكتب المهمة، فهل أنت معي بأهميتهما النافعة؟
- أعتقد أن الأمر نسبي في طريقة الاستفادة من أي كتاب مطروح في المكتبات، كل قارئ يبحث عن ضالته سيجدها هنا وهناك في كتب كثيرة، وهذا يرتبط بخبرات كل شخص وتجاربه وقناعاته التي بالتأكيد ستنعكس سلباً أو إيجاباً على حجم استفادته من أي كتاب يقرؤه.
{ يرى النقاد أن رواية الجريمة والعقاب للروائي الكبير فيودور دوستويفسكي من أهم الروايات التي تصب في الجانب النفسي، بحسب بعدك الثقافي هل تتفقين مع النقاد أم لك رؤية أخرى، وما هو المهم في الرواية؟
- أنا على قناعة كبيرة بأن نظرية التحليل النفسي لفرويد تعدّ مفسراً رئيسياً ومهماً جداً للسلوك الإنساني واضطراباته، وهو ما تطرحه (الجريمة والعقاب) من خلال شخصيات الرواية في إطار الصراع النفسي الذي تخوضه هذه الشخصيات في تعاملاتها مع الذات ومع الآخر. ومن وجهة نظري أن الرواية تقدم نموذجاً حقيقياً لشخصيات تعيش بيننا تعاني صراعاً مؤلماً ما بين قناعاتها الأخلاقية من جهة وما بين واقعها المؤلم من جهة أخرى، كما تبين حجم تأثير البيئة التي ينشأ فيها الفرد على تقديره لذاته وعلى مستوى صلابته النفسية في التعامل مع ضغوطات الحياة وإحباطاتها.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك