زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
وناس فوق وناس تحت؟ (1)
كتبت قبل نحو عام سلسلة من المقالات هنا في أخبار الخليج عن الأقليات التي تتعرض للاستفزاز في العالم العربي، وعنيت بذلك الاستفزاز السياسي والاجتماعي واللغوي، وأتناول اليوم أمرا يخص فئة تمثل الأغلبية في الدول الواقعة خارج منطقة الخليج والجزيرة العربية، وهي فئة الفقراء -ولو نسبيا -الذين يتعرضون للاستفزاز ولو غير المتعمد، خاصة عندما تكون هناك أقلية تعيش في العلالي، وتمارس البذخ والبطر، بينما الغالبية تكابد وتجاهد من أجل اللقمة وملابس تكفل ستر العورة وسقوف وجدران تقي من الآثار المباشرة للحر والقر.
في إحدى ضواحي عاصمة عربية، دخل مدرس السجن بعد ضبطه وهو يسرق خروفاً من زريبة تخص أحد الجزارين، وكان مربي الأجيال المناط به تعليم الصغار وغرس الفضائل فيهم قد تعرض إلى ضغوط لا طاقة له بها من زوجته وحماته لشراء خروف لعيد الأضحى، وكان راتبه لا يكاد يغطي ضروريات الحياة من سكن وطعام بسيط، فهو مدرس تربية رياضية، وليس له دخل إضافي من الدروس الخصوصية مثل غالبية المدرسين، وهددته زوجته بالهجر ما لم يرفع رأسها وسط أهل الحي ويأتي بخروف بمناسبة العيد، وكانت تعرف أن زوجها قليل الحيلة، ولكن كل ما عناها من الأمر، هو أن يسمع الجيران مأمأة (صوت) الخروف، قبل حلول العيد ثم يرونه وهو يتعرض للذبح ليعرفوا أنها «بنت عز».
عيد الفداء مناسبة دينية يستذكر فيها المسلم كريم الخصال ويتجنب كريه الفعال، ويتذكر المعاني النبيلة للتضحية، وأن التضحية قد تكون أحيانا بالمظهر الاجتماعي إذا كانت ستعصم الشخص من الوقوع في الإثم، وتلك الزوجة كانت مستعدة للتضحية بقوت العائلة عدة أشهر لتتفشخر بالخروف، ولم يكن يعنيها أن التضحية بكبش ليس فرضا على المسلم، فكل ما كان يهمها هي وأمها أن يعرف الجيران أنهم «فوق».
ولم يجد المدرس المسكين من يقرضه قيمة الخروف، لأن من يعرفونه كانوا يدركون أنه سيعجز عن رد الدين في المستقبل المنظور (منين يا حسرة وهو غلبان.. حتة مدرس ألعاب؟) فلجأ إلى سرقة خروف الأضحية، و«ضحى» بتعاليم دينه وحريته وسمعته ومنصبه، بعد أن قبضوا عليه متلبساً، وعامله القضاء ك «حرامي»، وأصبح له سجل جنائي ملوث لن يسمح له بالحصول على وظيفة مستقبلا، وبالتأكيد فإن زوجة ناقصة العقل ترغم زوجها على فعل «المستحيل» من أجل خروف، لن تصبر عليه وهو في السجن ولو لشهر واحد!
تخيل مشاعر أفراد أسرة فقيرة، لا يعرفون لبس الجديد في العيد، وهم يقرأون في الصحف «شكاوى» من انعدام مقاعد في الرحلات الجوية لمختلف شركات الطيران «لأن العديد من العائلات توجهت إلى أوروبا وجنوب شرق آسيا لقضاء العطلة؟»
كنت ذات مساء، في وليمة ضمت شخصيات من عدد من البلدان العربية، ودار الحديث عن ذكريات الدراسة الجامعية وما فوق الجامعية في الدول الغربية، وكان في معظمه عن الضنك والبهدلة لتوفير متطلبات المواصلات والسكن والطعام، وتحدث كثيرون عن وظائف بسيطة التحقوا بها لضمان دخل مادي إضافي، وحكى أحدهم كيف أن أحد أثرياء بلاده زارهم في عاصمة أوروبية، ودعاه وبعض زملائه الطلاب إلى العشاء، كان من الأثرياء المنفوشين كالطاووس، ويحلو له التباهي بالإنفاق «دون خشية إملاق»!! وسأل الثري الطلبة المساكين أي نوع من المشروب يفضلون فصمتوا، وتولى الثري بنفسه طلب نوعية مشروب معينة، وكان من يروي لنا الحكاية «لا يشرب»، ومال عليه أحد مرافقي الثري وقال له إن قيمة الزجاجة الواحدة من ذلك النوع من النبيذ 1500 دولار.
طلب الرجل ثماني زجاجات دفعة واحدة، وجلس صاحبنا يحسبها 8 في 1500 تساوي.. عندك صفرين و8 في 5 يساوي أربعين.. لا حول ولا قوة إلا بالله، 12 ألف دولار؟ انتهز صاحبنا فرصة غفلة الثري ومن معه وسرق زجاجة ووضعها في حقيبة يده البائسة، وحكى لي كيف أنه نجح في تهريب زجاجة نبيذ، ثم سار بها في زقاق مهجور، و«طااااخ»، فجرها على الرصيف، وشعر بالانتشاء (ولحسن حظه لم يكن هناك شرطي في مكان قريب وإلا لجلب عليه صوت انكسار زجاجة الخمر الويلات).
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك