عامٌ بعد عامٍ، تمرُّ علينا ذكرى عظيمةٌ، نُزيِّنُ فيها طرقاتنا، وشوارعنا الضيَّقة منها والواسعة، بيوتنا ومداخل أبينتنا، مدارسنا ومكاتب عملنا، احتفالاً بولادة سيِّد البشر، خيرُ نبيِّ ورسولٍ أرسله الله، وأفضل من خلق وأعظمهم قدراً، ما أجملها من مناسبةٍ، وما أعظمها من نعمةٍ، منَّها الله علينا ببعثته، فهو رحمةٌ مُهداةٌ، ونورٌ يُهتدى به، وبسُنَّته يُقتدى، بها المفازةُ، والرقيُّ، والسموُّ في العُلا، كيف لا وقد قال الله سبحانه وتعالى: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) سورة الأحزاب آية 21.
فالقاعدة واضحةٌ أيُّها النَّاس، من كان يرجو الله بإيمانه به، ويُصدِّق بالبعث والحياة بعد الممات، للحساب بما قمنا به من أعمال في هذه الدنيا، فليكن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لنا قدوةٌ، نقتدي به بأخلاقه، نقتدي به برحمته، نقتدي به بحبِّه لأهله، وأصحابه، وجيرانه، نقتدي به برحمته للكبير، وحنانه على الصغير، وعطفه على اليتيم، ومُساندته للفقير، ودعمه للمسكين، وتبسُّمه للقريب منه والبعيد، نقتدي به بكرمه. فلتكن ولادته صلّى الله عليه وسلّم فينا، في تصرُّفاتنا، في أعمالنا، في سلوكيّاتنا، في قلوبنا، في جوارحنا، فلنفش السلام فيما بيننا، ولنطعم الطعام على حُبِّه، وليسلّم الصغير منَّا على الكبير، وليرض كلٌ واحدٍ منّا أبويه، ولنصل أرحامنا، وليحسن المرء منَّا تعامله زوجه، فالزوجة تُكرم زوجها، والزوج يحسن معاشرتها بإكرامها واحترامها، ولنسأل عن جيراننا وأحوالهم، وليمشي المُستطيع منَّا في حاجة أخيه، وليتعاون المجتمع مع بعضه البعض، ويتَّحد معاً حُباً بالخير، وما فيه من المصلحة العامّة لا المصلحة الخاصّة، فتقديمها المصلحة العامّة على الخاصَّة شرطٌ أساسيٌّ من شروط الاستقرار والنجاح والخروج من أزمتنا وكبوتنا، فلنكن كالجسد الواحد، إن اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالحمّى والسهر.
هذه تعاليم محمد صلّى الله عليه وسلًّم، فلنعمل بها، بذكرى مولده الشَّريف المُعطَّر نحتفل ونفرح، وليكتمل النموذج الحقيقيُّ للاحتفال، لا بُدَّ من إحياء مولده ليس فقط في مُدننا، بل في قلوبنا وسلوكنا، فلا تكن ذكرى عابرة نحتفل بها في يومٍ واحدٍ من كلَّ عامٍ وكفى.
* الأمين العام السابق لاتحاد المحامين العرب
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك