القصاب (تلميذ الراحل العزيز)
فقدت الساحة الأدبية العربية يوم أمس علما من أعلامها الكبار، وقامة من القامات السامقة في النقد العربي الحديث، وهو المرحوم فقيدنا الغالي أستاذنا الدكتور إبراهيم عبدالله غلوم الذي أثرى المكتبة العربية الأدبية والإبداعية والفكرية والثقافية بعدد كبير من المؤلفات والمصنفات والدراسات العلمية الأكاديمية الرصينة التي لا غنى لأي باحث عنها، وتعد من أهم المصادر والمراجع العربية التي تناولت القضايا الأدبية والفكرية بعمق الفكر واتساع الدراية وغزر الثقافة.
داخل أسوار الجامعة
لقد كان أحد أهم أساتذة الأدب العربي في جامعة البحرين العتيدة، فقد كان أستاذا أكاديميا رزينا بما للمعنى من كلمة، يتميز بالهدوء التام، والتفكير العميق في محاضراته، ويحرص كل الحرص على طرح المادة بأسلوب علمي راق، يجذب فيه طلبته بما يقدم من قضايا أدبية مختلفة، ولذا تخرج على يديه عدد كبير من الطلبة الجامعيين، وتتلمذ على يديه اليوم نخبة من النخب الشبابية في الثقافة والنقد الذين قرأوا فكره، ودرسوا منهجه النقدي، واستمزجوا طرحه العلمي والأدبي، وكان كثيرا ما يفخر بهم، ويعتز بمجهوداتهم العلمية، حيث نهلوا من نبع محاضراته وبحوثه ودراساته الغنية التي رسمت لهم دروبا في مختلف تخصصاتهم الأدبية.
وثمة ما يميز فقيدنا الراحل في جهده الأكاديمي وبعيدا عن محاضراته لمختلف المراحل الجامعية، وهو الجهد الكبير الذي كان حريصا عليه في تطوير كلية الآداب، وما أجرى عليها من تغييرات تتناسب والدراسات الأدبية الحديثة، واقتراح المقررات والمساقات الأكاديمية التي تأخذ بيد طالب الآداب إلى عوالم أوسع وساحات أكاديمية أرحب، بجانب شغفه الكبير واهتمامه الراسخ في تطوير الدوريات الأكاديمية المحكمة التي تصدرها جامعة البحرين، حيث كان وفي شدة ظرفه الصحي يحرص كل الحرص على الحضور إلى الجامعة من أجل متابعة إصدارها.
شغف القراءة وعشق الكتابة
منذ أن صدمت بخبر رحيله، لم تفارقني صورته ممسكا بمكبرته التي تعينه على قراءة الكتب والدراسات، غير مكترث بصعوبة ذلك، إذ كان يمارس الكتابة بالطريقة نفسها، حيث كان يمسك المكبرة بيد، ويكتب بالأخرى، وبهذه الطريقة أنجز الكثير من مقالاته ودراساته ومنها دراسته الغزيرة (مسرح القضية الأصلية: البنية الفكرية في مسرح الدكتور سلكان بن محمد القاسمي)، حيث ازداد ضعف بصره بسبب مضاعفات داء السكر، إلا أن ذلك لم ينل من عزيمته، ولم تثن من شغفه وولعه بالقراءة والكتابة ومتابعاته الإدارية والعلمية المختلفة، فقد كان باحثا وكاتبا ومؤلفا وإداريا في أقسى الظروف.
مفكر وناقد استثنائي
أغنى الراحل المكتبة العربية بمجموعة مهمة من المؤلفات القيمة في الفكر، والثقافة، والسرد، ومعشوقه المسرح، فقد كان ذا حس نقدي رهيف ودقيق، ينطلق من مناهج نقدية متينة، وفي دراسته المشهورة جدا (المسرح والتغير الاجتماعي في الخليج العربي) دليل صارخ على عمق الدراسة وجدية البحث - على الرغم من قِدمها نسبيا (1986) - إذ لا يمكن لأي باحث في المسرح الخليجي اليوم وغدا إلا ويرجع إليها، ودعا المرحوم العزيز مرات بإعادة قراءة هذا المؤلف ومدارسته، حيث ما زال فيه الكثير من القضايا التي لم تحسم حتى اليوم، وهكذا في بقية مؤلفاته ودراساته ومقالاته التخصصية.
اللجنة الدائمة للفرق المسرحية الأهلية في دول مجلس التعاون
يعد المرحوم هو تاريخ اللجنة وأيقونتها، التي أسسها مع زملائه، وجاهد كثيرا، وكابد، وعانى من أجل أن تكون مملكة البحرين مقرا دائما لها، على الرغم مما واجه من تحديات عصيبة، ولكن بحنكته وبعد نظره استطاع أن يبحر بهذه اللجنة إلى بر الأمان من خلال إقامة مهرجان المسرح الخليجي لثلاث عشرة دورة متتالية ناجحة مبهرة، كان الراحل يوجهنا دائما بتوخي الدقة في العمل والاستعداد الكامل، والترتيب المثالي لتنفيذ برامج المهرجان على أكمل وجه، حيث كان يضحي بصحته، وجهده، وبأوقاته من أجل المهرجان الخليجي غير عابئ بما تعترضه من عقبات وصعوبات شخصية وموضوعية، فكان همه الأول والأخير أن تستمر السفينة في إبحارها، وهو من رافقها مذ كانت قاربا صغيرا، واليوم أصبحت على ما هي عليه بفضل الله ثم بصيرته وإخلاصه في العمل المسرحي، حيث أشرقت تباشير استئناف المهرجان؛ لتبحر السفينة من جديد؛ لترسو في مدينة الرياض، ولكن من دون ربانها الكبير وفقيدنا العزيز رحمه الله تعالى الذي سيبقى اسمه خالدا فيها.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك