(رحل صديق العمر والحرف والسنوات الخصبة ليترك جدل محبيه في مدار إنجازاته الكثيرة، ويتركني لأن أتذكر).
أتذكر أن أهمَّ دراسة قرأتها له كانت في جريدة البيان الكويتية عام 1974م وكانت بعنوان الحياةُ الأدبية في قلب الجزيرة العربية، نشرتْ في خمس حلقات. وهذه الدراسة، قبل نشرها كانت منسوخة في دفتر مدرسي بخط يده، أهداني إياه بعد عدّة سنوات من رفقتي معه، كي أحتفظ به في أرشيف المكتبة، وكنت حين أصادفه، وأنا أتجول بين رفوف المكتبة، ألتقطه كتذكار ثمين، وأشرع في قراءة الدراسة، وكأني لم أرها من قبل . ويتكرر الأمر مراتٍ ومرات، من دون أن أملّ منها. فكنت كلما تراكمت عليها وحولها الكتب والأوراق، وصرت لا أهتدي إليها بسهولة، أنقلها إلى مكان آخر أوضحَ بروزا، وبقيتُ على هذا الحال سنين عديدة.
ولكن الدراسة ظلت عالقة بذهني لم أنسَها، علما بأن الدكتور إبراهيم نشر قبل تلك الدراسة وبعدها مقالاتٍ كثيرة، غابت عن بالي، لعلها تحولت في لا وعيي إلى ذكرى تستعصي على النسيان. أما الدراسة كمحتوى فقد لفتت نظري منذ قراءتي الأولى لها؛ لما لمستُ فيها من جهد بحثي جيد لتاريخ الحركة الأدبية في الجزيرة العربية، في العصور المتأخرة. وحقيقةً، إنني ما كنت مُلما بهذا الموضوع قبل ذاك. وشكلتْ الدراسة تلك دافعا لمتابعة كل ما يكتبه الدكتور إبراهيم غلوم. وتلك الدراسة عرفتني أيضا على ناقد منفتح الذهن، منظّم الفكر، متزن في آرائه النقدية وأفكاره. وكنا مع بداية حركتنا الأدبية في حاجة إلى نقاد من أمثال الدكتور إبراهيم غلوم، يتمتعون بالموهبة، ولديهم إمكانيات الكتابة النقدية الجيدة. والتحق بأسرة الأدب بعد تخرجه، وصار من أبرز أعضائها البارزين، ومن النقاد النشطين في الحركة الأدبية في البحرين. ومن ذكرياتنا التي لا تغيب عن البال إننا كنّا «أنا والدكتور علوي والدكتور إبراهيم «بعد حضورنا أي فعالية ثقافية، نعرّج على أحد المقاهي أو المطاعم القريبة، لنشرب شيئاً نرطّب به حلوقنا، أو نتناول عشاءً خفيفاً، وأحياناً نذهب إلى إكمال السهرة في مكتبة منزلي الجديد بشارع المعارض بالحورة، بعد أن نزحتً من قلالي في عام 1978م. وفي هذه اللقاءات الحميميّة، كان يحلو لنا الحديث الصريح والشفاف، لمناقشة ما حدث في تلك الندوات. كنا أيضا «أنا والدكتور إبراهيم وقاسم حداد» أعضاء في مسرح أوال، نوجد فيه أيام البروفات وأيام العروض كذلك، وتُعد من أجمل الأوقات وأمتعها عندنا ونشارك في اللجنة الثقافية التي كان من مهمتها: اختيار النصوص المسرحية، العربية والعالمية، ومراجعة النصوص المحلية واقتراحها للعرض، وتقييم العروض المسرحية، وكتابة التقارير عنها. وكان الدكتور إبراهيم أكثرنا اهتماما ومتابعة لنشاطات المسرح، وكذلك الكتابة عن المسرحيات التي تُعرض. وله دورٌ كبير في رعاية المسرح وإدارة لجانه وتنظيم مهرجاناته.
* أما عن وجوده على الساحة الثقافية، فهو صاحب الصولات والجولات، وسيّد المحافل الأدبية والفكرية؛ يشارك فيها بفعالية وبكثافة ملحوظة؛ فهو عضو مؤسس وفاعل في عدد كبير من المؤسسات الثقافية الأهلية والرسمية، والمسارح والأندية والمجالس. وترأس مجلس إدارتها عدة مرات ورئاسة تحرير مجلتها (كلمات عام 1983، وغيرها كثير.
* وإذا أحصينا كتاباته النقدية والأدبية في مجال الصحافة، ومساهماته فيها نجدها كثيرة ومتعددة: من أحاديث ومقابلات وتحقيقات صحفية، يدلي بها غالباً في مناسبات أدبية وثقافية، داخل البلاد وخارجها.
* نشاطه النقدي – الواسع والمتعدد – على الساحتين الأكاديمية والثقافية عامة، كان له الأثر العميق في إحداث وعي ثقافي لدى جيل كامل من المشتغلين بالفن والأدب، في البحرين، وفي بلدان منطقة الخليج العربي.
* وفي مجال المسرح، له الدورُ الأبرز والأوسع والأعمق؛ فقد ساهمت جهوده النقدية، النظرية منها والتطبيقية في إثراء الحركة المسرحية، وساعدت على خلق الوعي بماهية النقد الأدبي ودوره في تطوير العمل المسرحي ولم يتوان عن تشجيع الأعمال المسرحية الهادفة، والتصدي بالنقد التقويمي الحازم للأعمال السطحية والضعيفة.
* وفي مجال العمل الثقافي، يُعدُّ الدكتور إبراهيم غلوم من أبرز القادة فيه، وأكثرهم نشاطاً وعملاً ومبادرة؛ فقد أخذ على عاتقه عبء مسؤوليات كثيرة، تنوعت بين تحرير المجلات وإدارة المؤسسات الأدبية وترؤس اللجان المسرحية والثقافية؛ فكان فيها المخطط والمشرّع لأنظمتها وقوانينها، والمُعدّ لتقاريرها وتوصياتها، وأوّل من يسعى إلى تنفيذها ومتابعة مسيرتها، بجد واهتمام كبيرين.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك