ترجَّل عن المشهد الأكاديمي والنقدي والإبداعي والفكري الأستاذ الدكتور إبراهيم عبدالله غلوم، وبرحيله يفقد المشهد النقدي العربي واحدا من أهم النقاد العرب المؤثرين في مجال النظرية النقدية. يُعد الأكاديميُّ والناقدُ البحرينيُّ الأستاذ الدكتور إبراهيم عبدالله غلوم أستاذ النقد الأدبيّ الحديث بجامعة البحرين واحدًا من أهمِ الأسماءِ النقديةِ على مستوى المشهدِ النقديِّ العربيِّ تنظيرًا منهجيًا وإضافاتٍ إبداعيةً نقديةً رصينةً. لقد تشكَّل خطابه النقدي والإبداعي عبر مراحلَ متعدّدةٍ من التكوينِ التأسيسي الأول في السبعينيات وصولاً إلى محايثة النظرياتِ النقديةِ الحديثةِ منذ ثمانينيات القرن الماضي في كتبه الأولى: «القصة القصيرة في الخليج العربي» (1980)، و«ظواهر التجربة المسرحية في البحرين» (1980)، و«المسرح والتغيّر الاجتماعي في سوسيولوجيا التجربة المسرحية في الخليج العربي» (1986)، و«الثقافة وإشكالية التواصل الثقافي في مجتمعات الخليج العربي» (1989). لقد كان هاجس تأصيل البدايات الإبداعيّة الخليجيّة وتوثيقها، وإخضاعها إلى مقاربات سوسيولوجيّة عن النظريات النقدية الغربيّة هو الهاجس الكبير الذي شكَّل وعي أ. د. إبراهيم غلوم في هذه المرحلة من مساره النقدي. كما مثَّلت النصوص الإبداعيّة المسرحية ونصوص القصة القصيرة في البحرين والكويت مجالاً تطبيقيًا نقديًا له في كتابيه اللذين هما في الأصل أطروحتان أكاديميتان الأول رسالة ماجستير، والآخر أطروحة دكتوراه: «القصة القصيرة في الخليج العربي» (1980)، و«المسرح والتغيّر الاجتماعي في سوسيولوجيا التجربة المسرحية في الخليج العربي» (1986).
لقد استمرَّ هاجس تأصيل البدايات الإبداعيّة والنقدية الأولى عند أ. د. إبراهيم غلوم في كتابيه «مسرح إبراهيم العريّض، دراسة وتوثيق» (1996)، و«عبدالله الزايد وتأسيس الخطاب الأدبيّ الحديث» (1996)؛ وهما الكتابان اللذان تناول فيهما البواكير الإبداعية البحرينيّة الحديثة ممّثلة في الشاعر إبراهيم العريّض والأديب عبدالله الزائد مؤسِّس الصحافة البحرينيّة في تأسيسه الخطاب الأدبي البحريني الحديث. وسيمثل كتاب «المرجعية والانزياح: دراسة لبدايات النقد الأدبيّ في الخليج العربي حول تجربة الشاعر عبدالرحمن المعاودة» (1996) مسارًا نقديًا مغايرًا وثَّق فيه د. غلوم السجالات النقدية الخاصة بتجربة عبدالرحمن المعاودة مع رباعيات الخيَّام. ويمثل كتابه «الخاصية المنفردة في الخطاب المسرحي، دراسة نقدية» (1997) الانشغال بالبحث عن عناصر الحساسية المنفردة في الخطاب المسرحي. وفي كتابه «عالم روائي في القصة القصيرة، دراسات نقدية» (2007) برز سؤال الأنساق وسؤال التجنيس الأدبي في السَّرديات؛ إذ لا توجد أجناس معزولة وإنَّما توجد صيغ وتقنيات متنوعة لعوالم قصصية لا ترتضي بالنهايات المطلقة. ويمثِّل كتابه «المسافة وإنتاج الوعي النقدي، أحمد المناعي والوعي بالحركة الأدبيّة الجديدة في البحرين» (2010) اجتراحًا نقديًا لمصطلح نقدي جديد هو «المسافة النقدية». إنَّ «المسافة النقدية» تعني أنَّ تجربة الناقد تمنح إمكانيات كبيرة لتأويلها وفهمها بعمق أكثر ممّا يتوقعها هو، أو يتوقعها الزمن المؤسّس لها، وهذه واحدة من كشوف فلسفة الخطابات المؤولة، فكثيرًا ما يطمس زمنٌ ما نصوصًا وتجارب دون أن يعني ذلك نقصها الفادح، وعدم امتلاكها روح الحدث وعمق التأسيس في الوعي.
وتمثّل الخطابات الموازية مكونًا رئيسًا من مكونات الخطاب النقدي لدى الناقد البحريني الأستاذ الدكتور إبراهيم غلوم، ويتضح هذا المكوِّن النقدي في كتابيه «المسرح الموازي في سوسيولوجيا البدايات المسرحية والوعي القومي في الخليج العربي» (2013)، و«مسرح القضية الأصلية، البنية الفكرية في مسرح الدكتور سلطان بن محمد القاسمي» (2015). «إنَّ الوعي العميق بالخطابات الموازية في علاقتها بالإبداع الأدبي هو امتداد نقدي طبيعي لبحث د. غلوم عن التقابلات البنيوية بين الفنون الدرامية (المسرح، القصة القصيرة، القصيدة، الرواية) وحركة التغيّر الاجتماعي والسياسي في مجتمعات الخليج العربي. ويشكّل سؤال النسق والبنية إشكالية البحث في الخطابات الموازية لمسرح سلطان القاسمي؛ فالقضية الأصلية وبنية السؤال واحدة في حين أنَّ النصوص مترامية، متعدَّدة بين مسرح، وتاريخ، ورواية، وسيرة ذاتية».
يتوفَّر الأستاذ الدكتور إبراهيم غلوم على وعي عميق بأهمية الثقافة الشعبيّة وضرورة إخضاعها للدرس الأكاديمي المنهجي؛ ولذلك فهو يُعد مؤسِّسًا لمقرر «الأدب الشعبي» (الفولكلور)، وجعله مقررًا في برنامج البكالوريوس في اللغة العربيّة وآدابها. إنَّ جامعة البحرين تاريخيًا هي من أوائل الجامعات الخليجيّة تنبهًا ووعيًا إلى أهمية الثقافة الشعبيّة وعلاقتها بالهُوية الثقافيّة. يقول أ. د. غلوم في هذا السياق: «إنَّ غياب هذا الحقل أو غياب اختصاص واحد من هذا الحقل يُعد نقصًا فادحًا وخطيرًا في المعرفة الجامعية فقمتُ بإدخال هذا الحقل حتّى يسد الفجوة الكبيرة التي كانت موجودة في مجال العلوم الإنسانيّة. فالهدف الاستراتيجي الأول الذي دفعني إلى تدريس هذا المقرر هو محاولة استكمال المعرفة الإنسانيّة المطروحة داخل الجامعة فلا يجوز إغفال حقل الدراسات الشعبيّة لأنَّ ذلك يعتبر نقصًا. وقد قمتُ كذلك بإدخال هذا المقرر ضمن المقررات الاختيارية في علم الأنثروبولوجيا».
{ رئيسة قسم اللغة العربيّة والدراسات الإسلاميّة
أستاذة السرديات والنقد الأدبي الحديث المشارك
كلية الآداب- جامعة البحرين.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك