أعتقد أن أفضل ما يمكن مشاهدته خلال الاحتفال بمرور نصف قرن، على حرب أكتوبر المجيدة، هو فيلم «جولدا» الذي يمكنك أن ترى فيه -لأول مرة- آثار الهزيمة المُرة على وجه قادة إسرائيل آنذاك، جولدا مائير رئيسة الوزراء وموشي ديان وزير الدفاع والجنرالات ديفيد اليعازر وارئيل شارون وغيرهم.
في هذا الفيلم الذي امتدت أحداثه على مدى مائة دقيقة، ترى دموع جولدا مائير وهي في غرفة العمليات، خاصة وهي تسمع صرخات جنودها في النقاط الحصينة بخط بارليف وصوت طلقات المصريين يغطي على هذه الصرخات اللاسلكية.
تسمع عن القتلى والأسرى بالآلاف، وعن سقوط عشرات الطائرات الفانتوم والسكاي هوك وتدمير مئات الدبابات، وعن الهزيمة المروعة للإسرائيليين في معركة المزرعة الصينية.. وهي روايات سمعناها كثيرا من قادة الحرب في مصر عشرات المرات، لكننا نسمعها لأول مرة على لسان الإسرائيليين.
كما يروي الفيلم دور هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الشهير آنذاك، الذي تحرك من واقع انتمائه اليهودي أولا، مؤكدا أن دوره هو حماية إسرائيل، وهو دور تجسده جملة في الحوار بين جولدا وكيسنجر ... حيث يقول لها الأخير: لا تنسي أنني وزير خارجية أمريكا أولا وثانيا.. ثم انني يهودي ثالثا، فترد عليه بخبث: لا تنسى أننا نقرأ من اليمين إلى اليسار.
وكذلك يسرد الفيلم أحداثه بطريقة الفلاش باك، حيث تبدأ وقائع الحرب وتنتهي، بجلسة التحقيق التي قادها الرئيس الإسرائيلي آنذاك مع جولدا عام 1974 عن إخفاقاتها هي والقادة في هذه الحرب.
نجحت الممثلة البريطانية هيلين ميرين، في تجسيد شخصية جولدا مائير التي لقبت بالمرأة الحديدية، في لحظات قوتها وضعفها وبكائها، وكذلك لحظات خضوعها للعلاج الكيماوي من مرض سرطان الغدد الليمفاوية، وكانت أفضل عناصر فيلم تميز بأنه رخيص انتاجيا، تم تصويره في أماكن محدودة وبخدع سينمائية محدودة لمشاهد المعارك، وبممثلين محدودي القدرات خاصة الممثل الذي جسد دور موشي ديان.. الذي قدم مشهدا ضعيفا للغاية وهو يستقل طائرة هليكوبتر لاستعراض الوضع فوق الجولان.
ومن الطبيعي عندما يروي «العدو» قصة هزيمته، فلا بد أن يحاول تجميلها بقدر المستطاع، خاصة محاولة التقليل من دور البطل المصري أشرف مروان، الذي عمل مع المخابرات المصرية وشارك في خطة الخداع الاستراتيجي لإسرائيل، ومحاولة تصوير الفيلم بأنهم كانوا يدركون أنه عميل مزدوج، وكذلك محاولة تحويل ما حدث في مفاوضات الكيلو 101 على أنها اعتراف بإسرائيل كدولة وليس ككيان صهيوني.. وبدا أنهم حققوا هدفهم عندما نطق السادات كلمة إسرائيل، وهي مغالطة تاريخية فقد كان جمال عبدالناصر يقولها قبل سنوات من الحرب: سنضرب إسرائيل ومن هم وراء إسرائيل.
كما حاول الفيلم تأكيد صورة «ماما جولدا» كما كان الاسرائيليون ينادونها، كإنسانة مرهفة المشاعر خاصة وهي تبلغ سكرتيرتها نبأ مقتل ابنها في الحرب، وكذلك وهي تبكي جنودها الذين تناديهم بـ«أطفالي»، ويصورهم الفيلم كعصافير بريئة قتلها أعداء إسرائيل.
لا أحد يتوقع أن يمنحك عدوك قلادة ذهبية لأنك انتصرت عليه وأذقته ذل الهزيمة، ولكن هذا الفيلم جسد لنا كيف كان وقع انتصاراتنا عليه في هذه الحرب المجيدة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك