ولد الحاج محمد أمين الحسيني في القدس عام 1897. والده الحاج طاهر. له تسعة أخوة، وتلقى علومه في القدس. التحق بالجامع الأزهر في القاهرة. أدى فريضة الحج مع أهله سنة 1913 وهو شاب، فأُطلق عليه لقب «الحاج» ولازمه هذا اللقب حتى وفاته.
أرسله والده إلى إسطنبول سنة 1915 للدراسة، ولكنه انتسب إلى الكلية العسكرية وتخرج فيها برتبة ضابط صف والتحق بالثورة العربيّة بقيادة الأمير فيصل قبيل انتهاء الحرب العالمية الأولى.
عند بدء الاحتلال البريطاني لفلسطين عُيّن سنة 1918 مرافقاً خاصاً للحاكم البريطاني العسكري، ولم يلبث أن استقال من منصبه احتجاجاً على سياسة بريطانيا المؤيدة للصهيونية ومارس التعليم في كلية المعارف في القدس.
انتخب رئيساً لـ«النادي العربي» في القدس، وهو أول تنظيم سياسي في فلسطين مناوئ لسياسة وعد بلفور. حكمت السلطات البريطانية سنة 1920 عليه بالسجن غيابياً لتزعمه مظاهرات تلك السنة. هرب الى الكرك ومنها إلى دمشق خلال العهد الفيصلي.
عاد إلى القدس سنة 1920 بعد أن نال اسقاط السلطات البريطانية الحكم الغيابي ضده، وفاز بمنصب الإفتاء في مايو سنة 1921 خلفاً لأخيه الأكبر كامل بعد وفاة الأخير. وفي يناير 1922 عيّن رئيسا لـ«المجلس الإسلامي الأعلى» فور تأسيسه، فشغل الحاج أمين هذين المنصبين المهمين -إلى حين مغادرته فلسطين مكرهاً سنة 1937- بهمة ونشاط عظيمين، فضلاً عن قيادته الحركة الوطنيّة، فغدا أبرز زعماء البلد العرب وأوسعهم نفوذاً من دون أن ينجو من معارضة «المعارضة» بزعامة راغب النشاشيبي، وعرف مؤيدو الحاج بـ«المجلسيين» نسبة إلى «المجلس الإسلامي الأعلى».
اتهمه الصهاينة بتدبير «ثورة البراق» سنة 1929، غير أن الحكومة البريطانيّة برّأته من هذه «التهمة». أشرف سنة 1931 على عقد «المؤتمر الإسلامي العام» في القدس، آملاً حشد طاقات العالم الإسلامي في مواجهة الصهيونية مقابل الطاقات العالمية التي كانت قد حشدتها هذه الأخيرة، وترأس أعماله. وكان من نتائج المؤتمر أن توطّدت سمعة الحاج أمين عربياً وإسلامياً. وقام سنة 1933 بجولة في عدد من الدول العربية منها: العراق والكويت والمملكة السعودية، للحض على دعم القضية الفلسطينية، وتولي مهمة الوساطة بين السعودية واليمن سنة 1933 لإنهاء ما نشأ بينهما من نزاع واقتتال.
ترأس سنة 1936 بعد تردد «اللجنة العربية العليا» التي ضمت زعماء الأحزاب الفلسطينية كافة التي قادت «الإضراب العام» سنة 1936 و«الثورة الفلسطينية الكبرى» سنة 1937-1939 ضد «مشروع تقسيم» البلاد الذي أوصت به «اللجنة الملكية البريطانية» برئاسة اللورد بيل.
وإثر اغتيال رجال الثورة لحاكم لواء الجليل لويس أندروز (في سبتمبر 1937 -بعد صدور مشروع التقسيم– عزلت الحكومة البريطانية الحاج أمين من رئاسة المجلس الاسلامي وقررت إلقاء القبض على أعضاء اللجنة العربية العليا بمن فيهم الحاج أمين، فلجأ الأخير إلى الحرم الشريف ومنه سراً إلى يافا فلبنان حيث أقام، ليدير الثورة من منفاه إلى حين اندلاع الحرب العالمية الثانية سنة 1939، الأمر الذي اضطره إلى الخروج من لبنان واللجوء إلى العراق، هرباً من الاعتقال من قبل السلطة الفرنسية الانتدابية.
لم تدعُ الحكومة البريطانية الحاج أمين إلى «مؤتمر لندن» سنة 1939، الذي صدر عنه «الكتاب الأبيض» لسنة 1939 الذي رفضه الحاج أمين، ولكنها أرسلت الى العراق مبعوثاً لمفاوضة المقربين منه بشأنه، إلاّ أن رئيس الوزارة البريطاني المستر تشرشل لم يلبث أن أجهض هذه المفاوضات لغلوّه في تأييد الصهيونيّة.
غدا الحاج أمين في العراق قطب الحركة الوطنية العراقية المناهضة لبريطانيا، التي أسفرت عن «حركة رشيد عالي الكيلاني» الانقلابية. غادر الحاج أمين العراق بعد فشل هذه الحركة سنة 1941 إلى إيران، وانتقل من إيران إلى تركيا وغادرها بعد رفض تركيا طلبه اللجوء اليها، واشترك في الحرب الدعائية ضد بريطانيا وفرنسا من خلال إذاعات بالعربية.
لجأ الحاج أمين إلى مصر في أبريل 1946 ونزل ضيفاً على الملك فاروق واتخذ من القاهرة مقراً حيث إن السلطات البريطانية لم تكن لتسمح له بالعودة إلى فلسطين. وكانت «الجامعة العربيّة» قد أعادت تأليف «اللجنة العربيّة العليا» سنة 1946 وتركت منصب رئيسها شاغراً وأصبح اسمها الجديد «الهيئة العربية العليا»، فترأسها الحاج أمين وهو في مصر وأعاد تأليفها. وتولت الهيئة العربية قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية خلال السنوات الأخيرة من الانتداب البريطاني ووقفت ضد «قرار التقسيم» الصادر عن هيئة الأمم سنة 1947. وكان الحاج أمين يدير الحركة الوطنية الفلسطينية خلال السنوات 1946-1948 متنقلاً بين كل من القاهرة وبيروت ودمشق.
عارض الحاج أمين دخول القوات العربية النظامية وغير النظامية فلسطين بعد نهاية الانتداب البريطاني عليها للحيلولة دون التقسيم وقيام دولة يهودية سنة 1947-1948، وطالب بمد عرب فلسطين أنفسهم بالمال والسلاح وألّف قوات جيش الجهاد المقدس من مناضلين محليين بقيادته العليا، كما ألّف «اللجان القوميّة» في المدن لتنوب عن «الهيئة» فيها، ودعا إلى قيام حكومة فلسطينية عربية فور انتهاء الانتداب وعزم على العودة إلى فلسطين للإشراف على هذا كله، إلا أن معارضة حكومتي العراق وشرق الاردن وبريطانيا حالت دون اتفاق الجامعة العربية على هذه الخطة.
وفي سبتمبر 1948 أعلنت الهيئة العربية العليا في غزة، بتأييد من مصر والدول العربية غير الهاشمية، تأليف «حكومة عموم فلسطين» برئاسة أحمد حلمي عبدالباقي. وترأس الحاج أمين «المجلس الوطني الفلسطيني» الذي عقد في غزة لتأكيد شرعية الحكومة، إلا أن نتائج نكبة حرب 1948 أدّت إلى انتقال الحاج أمين والحكومة إلى مصر والبقاء فيها.
وفي أعقاب النكبة وإثر عقد «اتفاقيات الهدنة» بين الدول العربية وإسرائيل، وضم الضفة الغربية إلى المملكة الأردنية الهاشمية ووضع قطاع غزة تحت الإدارة المصرية، تضاءل دور الحاج أمين والهيئة العربية وانحسر نفوذهما، وظل الحاج أمين مقيماً في مصر حتى سنة 1959 حين انتقل إلى لبنان حيث استقر وأمضى آخر سني حياته، داعياً إلى تحرير فلسطين بقوة السلاح، معنياً بشؤون اللاجئين الفلسطينيين عن طريق مكتبي الهيئة في كل من دمشق وبيروت، متنقلاً بين عواصم العالم الإسلامي لحشد الدعم لقضية كرس حياته لها.
تحلّى الحاج أمين الحسيني بصلابة الرأي والصمود وعدم التراجع عمّا يراه حقاً. ولعب الدور السياسي الفلسطيني الأبرز خلال فترة الانتداب، واهتم بالعالم العربي والإسلامي وسعى إلى جعل القضية الفلسطينية همّاً مشتركاً لهما، على أنه فشل في جلب «المعارضة» الفلسطينية إلى جانبه، وعجز لاعتبارات عديدة عن تنظيم الفلسطينيين تنظيماً قادراً على مقاومة الحركة الصهيونية في المرحلة الحاسمة عندما قررت هذه الحركة احتلال فلسطين بقوة السلاح في أعقاب قرار الهيئة العامة للأمم المتحدة في 29 نوفمبر 1947 بتقسيم فلسطين، الذي جاء أصلاً عن طريق ضغوط الحركة ذاتها على الرئيس الأمريكي الجديد وغير المنتخب هاري ترومان، خليفة سلفه المتوفى الرئيس فرانكلين روزفلت. وتوفي الحاج أمين الحسيني في بيروت عام 1974 ودفن في مقبرة عن عمر ناهز 79 عاما.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك