إن المسجد الأقصى هو ثاني بيت وضع لعبادة الله تبارك وتعالى في الأرض فعنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ أَوَّل؟ قَالَ: «الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ» قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى» قُلْتُ: كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: «أَرْبَعُونَ سَنَةً، وَأَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ، فَصَلِّ، فَهُوَ مَسْجِدٌ» رواه مسلم، فهو الرمز الثاني لعبودية الله عز وجل، حيث لم يكن المسجد النبوي، ولم يكن قد بعث رسولنا صلى الله عليه وسلم.
وكما أن المسجد الأقصى هو الرمز الديني الثاني للتوحيد، فهو الرمز السيادي والسياسي ورمز العزة لأهل التوحيد، فهو يحمل صفة القدسية لمكانه في مدينة تسمى (القدس)، وجاء التقديس من الله القدوس سبحانه، فهو أراد أن تكون هذه المدينة رمزاً للعبودية الخالصة لله تعالى، ومحل سيادة أمة التوحيد.
وقد أخذت هذه المدينة قدسيتها ومكانتها من وجود ثاني بيت وضع في الأرض لعبادة الله، وربط الله تعالى هذا البيت المقدس بأول بيت وضع للناس ومهوى أفئدتهم لعبادة الله والذي يتجهون إليه بالصلاة والحج والزيارة، وهو رمز أمة الإسلام والتوحيد.
ولكي يبقى في أذهان أمة محمد أن هذا البيت المعظم والصرح الأفخم (الكعبة) لا يصلح إلا أن يكون مع توأمه وصنوه، فقد أسرى بنبيه محمداً صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام (الكعبة) إلى المسجد الأقصى لتأكيد ارتباطهما، وإلصاق مسؤولية كلا المسجدين بهذه الأمة، وأن السيادة الدينية لا تتم بواحد منهما، وأن تعظيم الله وتنزيهه وتسبيحه لا يكمل إلا بارتباط المسجدين، واكتمال شرف البيتين، وحذر هذه الأمة بأن هناك معطلين ومشاغبين وسارقين للحق في طريق هذه الأمة، وهم بنو إسرائيل المفسدون في الأرض مرتين، والمستعلون بالباطل، وواجب هذه الأمة أن تحذر منهم، وأن تواجههم بأهلها من أولي البأس الشديد.
ولما كان هذا المسجد الأقصى الذي هو بمعنى (أقصى غاية الشيء) أي أنه الأقصى في الشرف والمكانة، هو جزء من عقيدة أمة الإسلام ومن كرامتها، كان لا بد أن ننبه إلى وجوب الدفاع عنه انطلاقاً من:
* حماية الأقصى والدفاع عنه، هو دفاع عن القرآن الكريم، الذي ذكر الأقصى ونبه إلى مكانته في سورة (الإسراء)، وهو من النصح لكتاب الله الذي أمرنا به رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، فعن تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رضي الله عنه: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» قُلْنَا لِمَنْ؟، قال: «لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» رواه مسلم، فالنصح لكتاب الله، بمعنى أن ننصح الأمة بما جاء فيه، وأن ننصح إلى هدايته ومعانيه، وأن نعمل على بقاء عزته وهيبته.
* حماية الأقصى والدفاع عنه؛ هو نصرة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ودفاع عنه، لأنه صاحب الإسراء إلى الأقصى ومنه كان معراجه إلى السماء، فهذا الموضع الذي صلى فيه نبينا إماماً بالأنبياء، وهو وصيته بأن نأتيه فإن لم نأتيه (فابعثوا بزيت يسرج في قناديله)، وأن مكانته عظيمة وعزيزة، فعن أبي ذر – رضي الله عنه – قال: «تذاكرنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أيهما أفضل: أمسجد رسول الله أم بيت المقدس؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة في مسجدي أفضل من أربع صلوات فيه، ولنعم المصلى هو، وليوشكن أن يكون للرجل مثل شطن فرسه من الأرض حيث يرى منه بيت المقدس خير له من الدنيا جميعا. قال أو قال خير من الدنيا وما فيها» أخرجه الحاكم.
* حماية الأقصى ودعمه أيضاً هو من تنفيذ أوامر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حين قالت ميمونة مولاته: يا رسول الله أفتنا في بيت المقدس، فقال: ائتوه فصلّوا فيه ــ وكانت البلاد إذ ذاك حرباً ــ فان لم تأتوه فابعثوا بزيت يسرج في قناديله) رواه أبوداود، فإن لم تستطع أن تصلي في الأقصى فابعث بالدعم له، وساند أهله والمرابطين فيه.
* حماية الأقصى والدفاع عنه هو نصرة للإنسان المسلم الذي هو عزيز عند الله وعند رسوله صلى الله عليه وسلم، فقد قال الله تعالى «ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين»، فكيف يرضى المسلمون بإهانة أهل القدس من إخوانهم، وكيف يقبل مسلم موحد أن تهان المسلمة على أبواب الأقصى وتمنع من الصلاة.
* حماية الأقصى والدفاع عنه، أمر من الله تعالى لرص الصف المسلم في وجه بني إسرائيل «والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة»، فولاية المؤمنين من أصل عقيدتنا وأثر من آثار عبودية الصلاة والزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
* حماية الأقصى والدفاع عنه هو وعد الله تبارك وتعالى لهذه الأمة بتطهير المسجد ودخوله بعض إفساد بني إسرائيل «فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيراً»، وعلينا أن نعمل لتنفيذ وعد الله بمنع امتداد إفساد بني إسرائيل، وحماية المسجد (الأقصى) وتخليصه منهم، ومنع نشرهم للشرك والفساد والظلم.
* حماية الأقصى والدفاع عنه، هو حماية للتاريخ والتراث، فالصهاينة لصوص الحضارة، يحاولون سرقة الأرض وتغيير الآثار، وتزوير التاريخ، ويوهمون أنفسهم ويحاولوا إيهام العالم بأن لهم آثاراً تحت الأقصى، وهم كذبة مفترون، فمنذ خمسين سنة وهم يحفرون تحت المسجد الأقصى ولم يجدوا أي أثر يثبت وجود هيكلهم المزعوم، بل وعملوا على فبركة بعض الحجارة لتبدوا وكأن عليها آثاراً يهودية، ففضحهم علماء آثار أجانب، ولذلك علينا جميعاً، وعلى العالم ومنظماته كاليونيسكو وغيرها أن نخلص الأقصى من الصهاينة حماية للتاريخ والحضارة العالمية.
إن واجبنا تجاه الأقصى كبير، ومسؤوليتنا من الناحية الشرعية والحضارية تجاه القدس والأقصى عظيمة، فلا يجوز أن نتوانى أو نتلكأ، ويجب علينا وجوباً شرعياً أن نعمل بكل ما نستطيع لنصرة الأقصى شرعياً ومالياً وإعلامياً وسياسياً، واجبنا أن نعمل ليل نهار لقضية القدس، واجبنا أن نفكر ونبتكر ونخطط ونتشاور وننفذ لأجل الأقصى والقدس، واجبنا أن نفرغ من أوقاتنا، بل ونفرغ شباباً ليعملوا ويطوروا أساليبهم حتى يأذن الله بالنصر والفرج، فهذه سنة الله في خلقه، صراع بين الحق والباطل منذ أن استكبر إبليس ورفض أمر الله، ومنذ أن أوعد بالعداء لآدم وذريته.
وها نحن على درب الحق سائرون.. ماضون على طريق الأنبياء في إحقاق الحق ودفع الباطل، والقدس لنا والأقصى لنا والصلاة لنا، ولن نرضى بالباطل ولن نسلم له، مهما تطاول واستكبر، فإنه إلى زوال، وسنرفع الأذان بقوة فوق ربا القدس وكل فلسطين، وفوق ربا دمشق وبغداد وصنعاء وطرابلس والقاهرة وكل بقعة في هذه البسيطة.
(والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون)
*الأمين العام لمنظمة الزكاة العالمية
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك