الأدب هو التزام أخلاقي لكل القضايا المصيرية ولكل ما يحدث لنا على الأرض
حاورها: علي الستراوي
هي شاعرة متواضعة لا تدعي أنها قائدة لحراك ثقافي أو لإثارة هاجس جديد لأحوال تقلب ميزان الأدب والثقافة، إلا إنها في واقع خريطة الشعراء والشاعرات تعد من الشاعرات اللواتي نقلن القصيدة إلى شكل مختلف ومعنى مغاير لقصيدة الأمس.
فهي من الجيل الذي تعامل مع النقلة النوعية للحاسوب، وبروز الإنترنت ومواقع التواصل وتعد من شاعرات الجيل الجديد في المملكة العربية السعودية، مثلها مثل الشاعرة هيلدا إسماعيل وحميدة سنان وشاعرات أخريات، نهجن الصدق في قصائدهن دون تكلف فرسمت فايزة مفردة قصائدها بثيمة الحبيب، متجاوزة التعاطي مع ما يمنعها عن البوح، وتقدمت بتقدم امرأة ترى في المرأة حياة متفردة في تعاطيها الزمني.
مع الشاعرة السعودية فايزة سعيد التي خصت أخبار الخليج الثقافي بهذا الحوار الذي بدأناه:
* فايزة سعيد في السيرة الذاتية الأدبية ، متى ولدت القصيدة لديها وهل تقدمها إشكال جدلي؟
- القصيدة شعر والشعر من الشعور، الناس عدة أصناف في مستويات المشاعر والأحاسيس فهناك من يمتلك مشاعر عادية وهناك من لديه مشاعر جياشة وزخم من الأحاسيس الطاغية قد لا يجد لها متنفسا سوى عن طريق التعبير بكل أشكاله. سواء كان ذلك التعبير في شكل قصيدة شعرية أو لوحة أو رواية أو صور أخرى من صور التعبير المختلفة.
وعن نفسي أنا فايزة سعيد ولدت القصيدة معي منذ الصغر. وأذكر ذات صباح أنني قلت لجدي وكنت في السابعة من عمري إنني حلمت بأنني أشرب عسلا وكنت فعلا حلمت!
بأنني أشرب عسلاً، ابتسم جدي حينها وقال: لا تحدثي أحدا عن حلمك لأنك سوف تصبحين شاعرة.
وتمر الأيام وفي سن المراهقة بدأت قصتي مع الحرف والكتابة وخاصة القصيدة النثرية.
لكنني في حينها لم أتبين حقيقة أنني فعلا أكتب شعرا إلى أن صرت في الثامنة عشر فعلا أكتب شعراً.
عندما نشرت لي جريدة المدينة حين ذاك أول نص لي كان عبارة عن نص شعري عن كائن يحاول اكتشاف ذاته والعالم من حوله. ثم بعد ذلك جريدة القدس اللندنية حينها أدركت أنني أنا والقصيدة ولدنا توأمين وأن الشعر هو قدري دون شك.
* الكتابة في الأدب كالكتابة في بركان ناري لا يهدأ، فهل أنت مع هذا القول أم لك رؤية أخرى؟
- الأدب هو التزام أخلاقي لكل القضايا المصيرية ولكل ما يحدث لنا على الأرض، في الواقع وفي العالم. من حولنا، الكتابة في الأدب هي مثل الذي يرمي نفسه في النار، ظنا منه أنه لن يحترق والواقع يقول: إنه سيحترق!
وحين تكتب ستجد نفسك مطالبا بأن تكون صادقاً. أولا مع نفسك ثانيا مع الحرف الذي تكتب به.
ومن الحروف تتناسل اللغة والكلمات والمعنى والعالم والإنسان والكتب والحقيقة وجميع الأشياء والمكونات وعناصر الذات البشرية كما الأفكار.
*في محيط أسرتك هل وجدت عقبات صادفت كتابتك للقصيدة، أم العكس؟
- تربيت على أن أكون حرة من الداخل، لذا عندما بدأت أناملي تشاغب الحروف وتداعب الكلمات وتشاكس اللغة، لم أفكر في أحد لا من داخل البيت ولا من خارج البيت، سوى كيف أروي عطشي من خلال شغفي بالكتابة وجنون البدايات الأولى خلال شغفي بالكتابة وجنون البدايات الأولى والأحلام الأولى والنظرة الأولى نعم كتبت وكنت أكتب دون الالتفات إلى أحد حتى إلى نفسي، فيما بعد تقبلت العائلة إن بينهم نفسي فيما بعد تقبلت العائلة إنه هناك عنصرا آخر مختلفا عنهم كثيرًا لذا رضخوا لواقع الحال الذي يقول: إن ثمة شاعرة في البيت تفتح نوافذ البيت للشمس والنهار والنور،
والعصافير وكل ما في العالم من حياة وجمال ونبض وعناصر وجود كما أبدع الله الخالق.
* لا يخلو أديب من وجع يومي يطارده، فما هو هذا الوجع إن كان يسكنك ممكن الحديث عنه؟
- من الطبيعي الألم الذي يولد مع الإنسان منذ صرخة الولادة الأولى حتى حشرجة الموت الأخيرة.
والشعراء هم أكثر الناس ألماً ويعود ذلك إلى أنهم كائنات مرهفة المشاعر والأحاسيس.
وعن نفسي وجعي وألمي هو رحيل أبي قبل سنة، ذلك الرحيل الذي كان بالنسبة إلي صدمة كبيرة جعلتني أعيد حساباتي مع نفسي كي أدرك أنني هنا على هذه الأرض وفي هذا العالم كي أعرف الله أولاً.
وأعرف أنني في دار ابتلاء وامتحان وشقاء وأن هناك بعد الموت بعثا آخر وهناك حساب،
إما جنة وإما نار نعوذ بالله من النار لذلك أجد سلامي مع نفسي وروحي بقربي من الله، في أن أعمل كل شيء يحبه الله ويرضى عنه سبحانه.
*منذ ولادة الشعر والحراك الجدلي مصاحب له وقد أودى هذا الحراك ببعض الشعراء منذ فجر التاريخ الإنساني بهلاكه أو تغيبه، كالشاعر طرفة بن العبد وغيره من الشعراء على مر التاريخ والسؤال لماذا كل هذه الحرب في مسيرة الشاعر المبدع؟
- الظلم يقع على جميع الناس لكن لأن الشاعر يملك قوة التعبير فهو أكثر حساسية في التعبير عن مظلوميته بقوة من خلال الشعر كطرفة ابن العبد وامرؤ القيس والمتنبي.
أما عن حراك الشعر فمن الطبيعي أن يحدث هذا في عالم الشعر ودنيا الشعر حيث إن الشعر يتطور بتطور الأزمنة، على مر العصور، فالشعر الجاهلي مختلف عن العصر الإسلامي لأن كلا يذهب حسب هواه، كالشعر الأموي له خصائص مختلفة عن شعراء الدولة العباسية والفاطمية أو الفترة الأندلسية، شعراء ما يعرف بالشعر الأندلسي، وكل شاعر هو لسان حال زمنه وعصره.
فهناك شعراء يكتبون خارج أزمنتهم يسابقون الريح إلى الشمس وهم يمتطون صهوة الضوء يشربون اللغة فيشربهم الحنين إلى مدن الدهشة والأحلام كما الغربة والأحزان ويبقى الشعراء هم لسان حال عصورهم وعنوانها الكبير.
*في تجربتك الشعرية على مدى أكثر من عشرة أعوام، التصقت بقصيدة الشفافية إن جاز لي تسميتها وعَبّدتِ صورة المرأة المظلومة بحثا في سيرة الحب لديها، لماذا هذا الإصرار، هل لكونك أنثى؟
- أنا تجربتي الشعرية لا تتجاوز سبعة عشر عاماً، حيث إنني من الجيل الذي برز عام 2005 ومن جيلي رجاء الصانع كاتبة روائية، هيلدا إسماعيل شاعرة وأسماء أخرى لا تحضرني.
هذا الجيل أخذ على عاتقه مسؤولية إدخال كل أساليب الحداثة والتجارب الجديدة في عالم الأدب والشعر، سواء كان ذلك شعراً أم رواية أم قصة قصيرة فضلًا عن أن المرأة أصبحت تتمتع بمساحة من حرية التعبير عن ذاتها، فلم تعد هي المرأة المظلومة في كل حالاتها، بل صاحبة حق في طرح ما تريده بصورة المناسبة من وجهة نظرها وهي بمعزل عن الرجل وبعيدة عنهً.!
* هل ترين أنك مظلومة في تجربتك الشعرية؟
- ليس ظلما بمعنى ظلم ولكن شعري لم يأخذ حقه، ويجد طريقه إلى البروز والانتشار وأقول للذين فهموا نصوصي الشعرية على أنها نصوص عري وتدعو إلى الرذيلة أقول لهم شكرا على قصر فهمكم... أنا أكتب أدبا. لغة وليس أدب جسد تحرير اللغة الأنثوية من سلطة الذكورة المستبدة واستعادة ذاكرة أنثى مستلبة من عصور طويلة وليس تحرير جسد من الفضيلة والطهارة والبكارة فقلب وجسد وعقل المرأة لا يتسع إلا لرجل واحد فقط تمتلكه بقانون سماوي أي في الحلال وما عدا ذلك فهو زنا وليس في نصوصي ما يخدش الحياء فهي نصوص أنثوية أدبية شعرية تأخذ أبعادا فلسفية وجودية وفكرية عميقة لا علاقة لها حتى بالغرائز.
لكن الغريب أن يتعاطى النص من منظور ذكوري بحت يخضع النص من خلاله إلى أحكام جائرة غير منطقية ويتم بواسطته تحويل النص من نص أدبى إلى مادة أخلاقية مثل قلة الأدب وماجنة وخادشة للحياء طبعا من وجهة نظر ظلامية متخلفة ثقافيا وأدبيا ومن وجهة نظر ذكوريّة تسلط الضوء على الكاتبة أو الشاعرة الأنثى وليس على نصوصها الأدبية.
*كثير من الشعراء والشاعرات هجروا الشعر والتصقوا بالكتابة السردية ككتابة الرواية، وأكثرهم لم يكتب قصة قصيرة واحدة، هل ترين هذا القفز على السلم آمناً، أم إنه مصيدة أربكت الكاتب؟
- إذا توفرت موهبة كتابة الرواية أو القصة القصيرة أو أي فن من فنون السرد، فلما لا يحق للشاعر أن يجرب حتى يصل إلى الجنس الأدبي الذي يجد نفسه فيه، سواء كان ذلك في كتابة القصة أو الرواية أو القصيدة نفسها.
* النقد في وقتنا الحالي هل ترين أنه مواكب لتجارب المبدعين، وما عتبك على النقاد؟
- القليل جداً هم النقاد الحقيقيون الذين يبرزون جماليات هذا أو ذاك النص باحترافية شديدة ومواكبة كل جديد وحديث ومتطور. مشكلة النقد اليوم إن الجميع من كتاب ومبدعين تحولوا إلى نقاد دون دراسة أو تخصص في مجال النقد.
فتحولت الساحة الأدبية إلى حلبة صراع على الفوضى الخلاقة في الأدب والثقافة، والشعر اليوم في ظل السوشيل ميديا والعالم الجديد يبرز هذا الخلط المتجانس والمختلف أحياناً.
* في مسيرتك الشعرية صدر لك أكثر من عشرة دواوين، هل أنصفتِ كشاعرة تمتلك الكم والكيف في قراءة تجربتك الشعرية بشكل مرضي؟
-كنت مهووسة بالشعر والتجريب فكانت تلك الدواوين على عجالة، هذا كل ما في الأمر.
* مفتاح القصيدة في تجربتك الطويلة مسكون بلغة ذات وهج (عاشق) لا تهدأ جذوته، فما يعني لك الحب والذوبان في العشق؟
- الحب نعمة من الله، فالقلوب التي يسكنها الحب تسكنها الطيبة والرحمة والرفق.
فحين تحب تشعر أنك طائر وكل أنواع الأشجار والرياحين في نهار ممطرة ومشمس وسط سماء شديدة الزرقة، فوق أرض خضراء لا ترى فيها سوى الورد والأزهار.
إنه الحب مسكوناً بحب النفس لخالقها الذي يقودك نحو حب الناس في العلم الذي يحيط بك.
وهو الحق والخير في معدن ما يسكنك من حب وجمال حقيقي.
* هل أنت مع الغموض في كتابة القصيدة؟
أنا مع الصدق والوضوح في الشعر والآدب عموماً، ما عدا ذلك لا يعنيني، فكلما كنت صادقًا كنت قريبا من قلوب الناس وذائقة المتلقي.
* الفلسفة والمنطق والبلاغة إذا وجدت لدى أي مبدع، هل نقول: إنه أجاد الكتابة للنص دون تكلف؟
- الثقافة عنصر أساسي بالنسبة للمبدع ومن دونها، لا يمكن أن يبدع، وامتلاك المثقف للمعرفة وتنوع مصادره الثقافية تبرز جوهر أفكاره الثقافية المختلفة، ولن يكون هناك إبداع عند من لا يقرأ.
ومثقف لا يقرأ ليس مثقفاً فهو ميت ثقافياً هو خارج دورة الحياة كلياً فمن لا يقرا فقير جدا بل هو أفقر الفقراء، فالأرض الجافة لا ينبت فيها الزرع أبداً، كذلك العقول التي لا تقرأ لا يمكن لها أن تنتج الأفكار فهي أقرب للموت منها للحياة، لذا لابد من العلم والثقافة بكل أشكالها واختلافاته.
*لو قلت لك صنفي نفسك بين جيل قصيدتك، فمن أين تبدئين؟
- أنا مجرد هاوية للشعر فقط لست محترفة.
*- الطفرة التكنولوجية التي غيرت بعض موازين كتابة النص، كما هي على مواقع التواصل، يختلف النقاد عليها فمن يرى أنها ساعدت المبدع على التطور ومنهم رأى أنها أضعفت المبدع وساعدت المتطفلين والسراق على سرقة جهد غيرهم، أنتِ ماذا ترين؟
- أرى أننا في فوضى خطيرة جداً، فقد الإنسان فيها هويته الإنسانية وأصبحت حياة الناس ريشة في مهب الريح، وتحولت جميع الأجناس الأدبية إلى لعبة كل من كتب أي كلام يصنف شاعرًا أو كاتبا فأصبح كل الناس شعراء وكتابا ونقادا وحتى أطباء، اختلطت الأشياء ببعضها فما عدت تعرف الأبيض من الأسود ولا الأسود من الأحمر ولا الجاهل من المتعلم ولا السارق من غيره، الجميع يغرق لكن ما من سفينة نوح جديدة، قد ندرك من خلالها أننا في الزمن المختلف الباحث للصراعات، فعلينا أن نتمسك بالخيط الأبيض قبل أن نغرق جميعا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك