تحظى غزة بتاريخ عريق يعود إلى آلاف السنين. فقد شاع ذكرها منذ عهد الكنعانيين وهي تعد واحدة من أقدم مدن العالم، بحسب بعض المؤرخين، كما أنها تحظى بموقع جغرافي فريد، فهي نقطة الاتصال بين مصر والبلاد الشامية وبين الجزيرة العربية والموانئ الهندية، ولذلك كانت حاضرة في معظم الحوادث التاريخية الكبرى قبل الإسلام وبعده، كما كانت مطمعا للطامعين من الكنعانيين والآشوريين والرومان ومن بعدهم الصليبيون والتتار وغيرهم، وقد لاقت المدينة اهتماما في كتابات المؤرخين والرحالة والجغرافيين المسلمين بعد الفتح الإسلامي، حيث ورد ذكرها في المصادر التاريخية الكبرى. في السطور التالية نتناول طرفا مما جاء في وصف غزة وتاريخها في المصادر الإسلامية. وقد آثرنا نقل النصوص كما وردت لدى أصحابها ليتبين من خلالها صورة دقيقة للمدينة كما رسمها هؤلاء.
تناول فضل غزة كتاب كثيرون منهم ابن الفقيه الهمذاني صاحب (كتاب البلدان) الذي كتب في فضل فلسطين عموما وغزة خصوصا فقال: قال ابن الكلبي في قول الله عز وجل «ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم» (سورة المائدة: 21)، قال: هي فلسطين، وفي قوله «الأرض التي باركنا فيها للعالمين» (سورة الأنبياء: 71)، ويقال: إنها من بناء اليونانيين، والزيتون التي بها من غرسهم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أبشركم بالعروسين غزة وعسقلان»، وقال عمر بن الخطاب: لولا أن تعطل الثغور وتضيق عسقلان بأهلها لأخبرتكم بما فيها من الفضل. وقال عبدالله بن سلام: لكل شيء سراة وسراة الشام عسقلان.
ومن هذه الآثار والنقول يفهم أن فضلها يعود إلى أنها جزء من الأرض التي وصفها القرآن بأنها (الأرض المقدسة)، وإلى صفات أهلها وتمسكهم بالرباط. كتاب (أخبار البلدان) لابن الفقيه الهمذاني جغرافية غزة تحدث الجغرافيون وكُتاب المسالك المسلمون عن غزة، ولا يخلو كتاب من هذه الكتب من ذكر غزة وحوادثها وزروعها وخصائص أهلها، وبصفة عامة كان الجغرافيون المسلمون يقسمون العالم جغرافيا إلى أقاليم سبعة، وتقع المدينة ضمن الإقليم الثالث، وهو الإقليم الذي يتوسط العالم، ومن هذه الكتابات ننقل عن معجم البلدان لياقوت الحموي قوله: «غزة: بفتح أوله، وتشديد ثانيه وفتحه، في الإقليم الثالث، طولها من جهة المغرب أربع وخمسون درجة وخمسون دقيقة، وعرضها اثنتان وثلاثون درجة».
وغزة: مدينة في أقصى الشام من ناحية مصر، بينها وبين عسقلان فرسخان أو أقل، وهي من نواحي فلسطين غربي عسقلان…. أما دواعي تسميتها غزة ففيها أقوال؛ منها ما ذكره (ياقوت الحموي) «العرب تقول قد غز فلان بفلان واغتز به إذا اختصه من بين أصحابه».
ومنها قول شهاب الدين العمري في كتابه (مسالك الأبصار في ممالك الأمصار) «قالوا يجوز أن يكون اسمها مأخوذا من الغز، والغز الشذق وهما غزان سميت بذلك لأنها في فم الشام مما يلي شقة البحري، وقد يكون مأخوذا من قول العرب أغزت البقرة فهي مغز إذا عسر حملها؛ سميت بذلك لعسر السير إليها على الناس والدواب للرمل المتاخم لها».
ويقال إنها موطن نفر من الأنبياء والعلماء وحول هذا يقول مجير الدين الحنبلي في كتابه (الأنس الجليل بتأريخ القدس والجليل): «غزة من أحسن المدن المجاورة لبيت المقدس، وفيها ولد سيدنا سليمان بن داوود.. وتقدم أن الإمام الأعظم محمد ابن إدريس الشافعي ولد فيها، وموضع مولده معروف يقصد للزيارة، ولو لم يكن لغزة من الفخر إلا مولد النبي سليمان والإمام الشافعي لكفاها»، ويشاطره القزويني الرأي حيث يقول «وكفاها معجزا أنها مولد الإمام محمد ابن إدريس الشافعي».
هناك كتابات عدة تصف المدينة ومنها ما ذكره خليل الظاهري في كتابه (زبدة كشف الممالك وبيان الطرق والمسالك) إذ يقول: غزة مدينة حسنة بأرض مستوية، وهي كثيرة الفواكه، وفيها من الجوامع والمدارس والعمارات الحسنة ما يورث العجب، وتسمى دهليز الملك، ولها معاملات وقرى، وهي مملكة متسعة، ووصف مملكة ليس فيه مبالغة فقد ذكر شمس الدين الدمشقي في كتابه (نخبة الدهر في عجائب البر والبحر) أنها كانت تضم عدة مدن حيث يقول «غزة»؛ وكانت تعرف قديما بغزة هاشم، وهي مدينة كثيرة الشجر كسماط (مائدة) ممدودة لجيوش الإسلام في أبواب الرمل ولكل صادر ووارد إلى الديار الشامية والمصرية.
*باحثة في التاريخ الاسلامي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك