في ضوء نجاح المقاومة الفلسطينية خلال عملية «طوفان الأقصى» في اسر عدد كبير من قوات الاحتلال الصهيوني والمستوطنين بلغ نحو 250 اسيرا إسرائيليا، حسبما أعلنت فصائل المقاومة الفلسطينية، حاولت الدعاية الصهيونية التشكيك في حسن معاملة الاسرى من جانب المقاومة، وهو ما يتناقض تماما مع نهج الإسلام في معاملة الاسرى، وهو ما تؤكده دائما عناصر وقيادات المقاومة الفلسطينية في غزة التي تتبنى العمل بأحكام الإسلام في ممارساتها، وخاصة في زمن الحرب.
هنا نعرض لآراء عدد من العلماء بشأن نهج الإسلام في معاملة الاسرى.
جاء الإسلام ليقر مبدأ السلام بين الشعوب والأمم، معتبراً السلام هو الأصل والحرب هي الاستثناء، وفي سبيل ذلك دعا إلى تجنب ويلات الحروب والنزاعات، ورغم ذلك لم يتغاض عن وضع قوانين للحرب في حالة وقوعها، وجعل الحرب في المقام الأول دفاعية وليست هجومية، وفي غمار الحروب يسقط القتلى والجرحى من الأطراف المتنازعة، كما يقع بعض المقاتلين في الأسر، وقد وضع الإسلام عدة أسس للتعامل مع الأسير، وكفل له حقوقاً تحفظ سلامته وأمنه وكرامته.
يقول الدكتور علي جمعة مفتي مصر الأسبق: يحرم الإسلام التعامل مع الأسير بقسوة أو تعريضه للمهانة والذل، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث أميراً على جيش أوصاه ومن معه من المسلمين بقوله: «لا تغلوا ولا تقدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليداً ولا امرأة ولا شيخاً»، وقال يوم فتح مكة: «ألا لا يقتل مدبر، ولا يجهز على جريح، ومن أغلق بابه فهو آمن».
ولذلك كان المسلمون في قتالهم لا يتبعون أحداً هارباً من المعركة، ولا يقتلون أسيراً، بل لا يقطعون شجراً، ولا يردمون بئرا ولا يهدمون بيتاً. ويضيف: لقد حث الإسلام على معاملة الأسير معاملة كريمة لا تهان فيها كرامته ولا تنتهك حرمته، دون اعتبار لاختلاف الدين أو كونه من الأعداء، وعد تلك المعاملة من صفات الأبرار، حيث قال تعالى فيهم: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً»، (سورة الإنسان: الآية 8).
وأوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بحسن معاملة الأسرى، فقال: «استوصوا بالأسارى خيراً»، وبهذا الأمر حول الإسلام غريزة الانتقام من العدو الأسير إلى أداة فضل ورحمة، فلم يقتصر على النهي عن تعذيبه أو تجويعه، بل امتد إلى الحث على الإحسان إليه وإكرامه ومساواته بالمسكين واليتيم، وبهذا تتحول إحدى تبعات الحروب، رغم ضراوتها وقسوتها، إلى عبادة يرجو صاحبها رضا الله عز وجل ويصبح بها من الأبرار.
وقال: وفي الوقت الذي كانت الدول والممالك من حول دولة الإسلام تقتل الأسير أو تستعبده أو تهينه، وضع الإسلام القواعد والأسس التي يحمي بها الأسير ويصون كرامته وإنسانيته ويرفع الظلم عن المظلومين وينشر العدل والرحمة بين الناس، وينقل الإنسان من المعاملة المهينة التي سادت في عصور الجهل ويرقى به إلى السلوك الإنساني القويم الذي لا فضل فيه لعربي على أعجمي إلا بالتقوى.
كما حث الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة على إكرام الأسرى فقبل الفداء من البعض، ومن لم يستطع دفع الفدية، قبل منه أن يعلم عشرة من أبناء المسلمين الكتابة، وعفا عن بعضهم، ومن تطبيقات ذلك أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى أسيراً لأبي الهيثم بن التيهان وأوصاه به خيراً فقال له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصاني بك خيراً، فأنت حر لوجه الله.
وأكدت الدكتورة آمنة نصير الأستاذ بجامعة الأزهر أن الإسلام بنصوصه القطعية في القرآن والسنة، وبتطبيقاته الفعلية والتقريرية من الرسول صلى الله عليه وسلم تعطي العالم أجمع دروساً حضارية في معاملة الأسرى، سبقت بها المعاهدات الدولية المنوطة بحماية حقوق الأسرى بأربعة عشر قرنا، مؤكدة أن الإسلام جاء رحمة للعالمين ولنشر قيم التسامح إلى يوم الدين. والإسلام ينهى عن تعذيب الأسرى فلا يمكن أن نعذبهم لأنهم قاتلونا، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقتل من الأسرى خلال غزواته الطويلة إلا عدداً قليلاً كانوا من أكابر عتاة المشركين وقادة الحرب الضروس ضد الإسلام وأهله، ويمكن أن نطلق عليهم، بحسب التعبير المعروف اليوم «مجرمي حرب».
ويقول الدكتور أحمد كريمة الأستاذ بجامعة الأزهر، الإسلام كفل للأسير عدة حقوق تحفظ سلامته وأمنه، ومن حقوقه ما يكفيه من الطعام والشراب، وقد جعل الإسلام إطعام الأسير قربة يتقرب بها المؤمن إلى ربه سبحانه وتعالى «إنما نطعمكم لوجه الله»، وفيها أن المؤمن يؤثر الأسير حتى على نفسه، ومعنى هذا انه لم يطعمه مما فضل من قوته، وإنما من طيب طعامه مع حاجته إليه ومحبته له، ويكفي أن الله سبحانه قرن حق الأسير بالمسكين واليتيم «ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيراً» حثا على القيام على إطعامه والإحسان إليه، وقد يكون هذا سبباً في هدايته، كما كان الأمر في شأن ثمامة رضي الله عنه.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك