العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

الثقافي

سـرديـات: سرديات: في سرديات الفرجة والفضاءات الاحتفالية

بقلم: د. ضياء عبدالله الكعبي {

السبت ٠٤ نوفمبر ٢٠٢٣ - 02:00

يشتغل‭ ‬كتاب‭ (‬الرواسب‭ ‬الإفريقيَّة‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬الشعبيَّة‭ ‬التونسيَّة‭) ‬لأمين‭ ‬بن‭ ‬أحمد‭ ‬الزواري‭ ‬على‭ ‬دراسة‭ ‬الرواسب‭ ‬الإفريقيَّة‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬الشعبيَّة‭ ‬التونسيَّة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مفردات‭ ‬الطقس،‭ ‬ورمزية‭ ‬العلامة‭ ‬السطمبالي‭ ‬سيدي‭ ‬منصور‭ ‬بصفاقس‭ ‬التونسيّة‭. ‬وطقس‭ ‬السطمبالي‭ ‬هو‭ ‬طقس‭ ‬احتفالي‭ ‬موسيقي‭ ‬يتميّز‭ ‬بتعدد‭ ‬الإيقاعات،‭ ‬وبارتكازه‭ ‬على‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الشعائر‭ ‬التي‭ ‬تمزج‭ ‬بين‭ ‬المضامين‭ ‬الدنيوية‭ ‬والمضامين‭ ‬المقدَّسة‭. ‬إنَّ‭ ‬أهمية‭ ‬كتاب‭ (‬الرواسب‭ ‬الإفريقيّة‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬الشعبيّة‭ ‬التونسيّة‭) ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬تبيُّن‭ ‬قواعد‭ ‬العيش‭ ‬المشترك‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬وأصوله‭ ‬وفروعه،‭ ‬وخاصة‭ ‬مراحله‭ ‬ومنعطفاته‭ ‬ومنعرجاته‭ ‬التي‭ ‬تعد‭ ‬فيه‭ ‬الموسيقى‭ ‬والغناء‭ ‬ومختلف‭ ‬مظاهر‭ ‬الاحتفال‭ ‬الديني‭ ‬والدنيوي‭ ‬أحد‭ ‬المرتكزات‭ ‬الأساسية‭ ‬التي‭ ‬تجسّر‭ ‬الفجوات‭ ‬وترمّم‭ ‬الفضاء‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وما‭ ‬يعتريه‭ ‬من‭ ‬صراعات‭ ‬وتناقضات‭ ‬ومفارقات‭ ‬مبنية‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬العرق‭ ‬أو‭ ‬الجنس‭ ‬أو‭ ‬الدين‭. ‬كما‭ ‬تكمن‭ ‬أهميته‭ ‬كذلك‭ ‬في‭ ‬الاشتغال‭ ‬الميداني‭ ‬على‭ ‬تجميع‭ ‬مادة‭ ‬أثنوغرافية‭ ‬توثيقية‭ ‬خاصة‭ ‬بمجتمع‭ ‬السود‭ ‬في‭ ‬الجنوب‭ ‬التونسي،‭ ‬وتحليلها‭ ‬بمقاربات‭ ‬منهجية‭ ‬حديثة‭ ‬لاستنطاق‭ ‬خطاب‭ ‬الطقس‭ ‬الاحتفالي‭ ‬الإفريقي‭ ‬الأسود‭ (‬سطمبالي‭ ‬سيدي‭ ‬منصور‭). ‬

طبق‭ ‬الباحث‭ ‬مقاربة‭ ‬منهجية‭ ‬متضافرة‭ ‬من‭ ‬علم‭ ‬التاريخ،‭ ‬وعلم‭ ‬الاجتماع،‭ ‬وعلم‭ ‬النفس،‭ ‬والإثنولوجيا،‭ ‬والأنثروبولوجيا،‭ ‬واشتغل‭ ‬على‭ ‬خطاب‭ ‬الهامشيين‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬الشعبيّة،‭ ‬وهو‭ ‬خطاب‭ ‬ثقافي‭ ‬شفاهي‭ ‬متعلق‭ ‬بالثقافة‭ ‬الشعبيّة‭ ‬السوداء‭ ‬وأنساقه‭ ‬الرمزية‭ ‬التي‭ ‬تحيل‭ ‬إلى‭ ‬خصوصية‭ ‬الفاعلين‭ ‬الاجتماعيين‭ ‬والثقافيين‭ ‬ضمنها‭. ‬إنَّ‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬يحاول‭ ‬استقصاء‭ ‬ما‭ ‬يتوارى‭ ‬وراء‭ ‬الفعل‭ ‬اللغوي‭ ‬وغير‭ ‬اللغوي‭ ‬من‭ ‬أبعاد‭ ‬تاريخيّة‭ ‬وأنثروبولوجية‭ ‬ورمزية‭ ‬متعلقة‭ ‬بهوية‭ ‬السطمبالي،‭ ‬وبوجوده‭ ‬التاريخي‭ ‬وبعمقه‭ ‬الثقافي‭ ‬والاجتماعي؛‭ ‬منطلقة‭ ‬من‭ ‬لغة‭ ‬الطقوس‭ ‬ممثَّلة‭ ‬بالجسد‭ ‬الراقص‭ ‬وامتداداته‭ ‬الموسيقية،‭ ‬وسائر‭ ‬المفردات‭ ‬الرمزية‭ ‬وعناصر‭ ‬الفرجة‭ ‬التي‭ ‬تؤثِّث‭ ‬العرض‭ ‬الاحتفالي‭.‬

وتصدر‭ ‬أهمية‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬أيضًا‭ ‬في‭ ‬تبيُّن‭ ‬المثاقفة‭ ‬الحضارية‭ ‬والتأثير‭ ‬والتأثُّر‭ ‬في‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬الطقس‭ ‬الاحتفالي‭ (‬سطمبالي‭ ‬سيدي‭ ‬منصور‭) ‬على‭ ‬أنَّه‭ ‬خطاب‭ ‬ثقافي‭ ‬شعبي‭ ‬ذو‭ ‬مرجعيات‭ ‬متعدِّدة‭ ‬من‭ ‬الخصوصية‭ ‬الفنية‭ ‬الإفريقية‭ ‬في‭ ‬الآلات‭ ‬والرقص‭ ‬والطقوس‭ ‬والإيقاعات،‭ ‬ومن‭ ‬المرجعية‭ ‬التونسية‭ ‬العربيّة‭ ‬الإسلاميّة‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الطقوس‭ ‬الصوفية‭. ‬

يتألف‭ ‬الكتاب‭ ‬من‭ ‬أربعة‭ ‬محاور‭ ‬تمثل‭ ‬فصول‭ ‬الدراسة‭ ‬ومنها‭: ‬الهوية‭ ‬الإثنية‭ ‬للزنوج‭ ‬الأفارقة‭: ‬من‭ ‬الطبيعي‭ ‬إلى‭ ‬الثقافي،‭ ‬والسّطمبالي‭: ‬من‭ ‬التراث‭ ‬الإثني‭ ‬إلى‭ ‬الثقافة‭ ‬الشعبيّة،‭ ‬والطقس‭ ‬الاحتفالي‭ ‬للسّطمبالي‭: ‬دلالاته‭ ‬وأبعاده‭. ‬إنَّ‭ ‬هذه‭ ‬الدراسة‭ ‬تشتغل‭ ‬على‭ ‬مداخل‭ ‬تاريخية‭ ‬متعلقة‭ ‬بتمثيلات‭ ‬السود‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬العربيّة‭ ‬ثم‭ ‬يأتي‭ ‬المحور‭ ‬الميداني‭ ‬التوثيقي‭ ‬الأثنوغرافي‭ ‬الذي‭ ‬تتبع‭ ‬الفعل‭ ‬الطقوسي‭ (‬سطمبالي‭ ‬سيدي‭ ‬منصور‭)‬،‭ ‬ومحاولة‭ ‬البحث‭ ‬في‭ ‬أطرافه‭ ‬وعناصره‭ ‬وتمظهراته‭. ‬لقد‭ ‬استنطق‭ ‬الباحث‭ ‬هذا‭ ‬الطقس‭ ‬الاحتفالي‭ ‬الشعبي‭ ‬ذا‭ ‬الرواسب‭ ‬الإفريقيّة‭ ‬لدراسة‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬جماعي،‭ ‬وتأويل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مشترك‭ ‬متكرر‭ ‬من‭ ‬الطقوس‭. ‬كما‭ ‬درس‭ ‬الباحث‭ ‬كذلك‭ ‬الوسائط‭ ‬غير‭ ‬اللغوية‭ ‬مثل‭ ‬الآلات‭ ‬واللباس‭ ‬والقناع‭ ‬والألوان‭. ‬وقد‭ ‬خلص‭ ‬في‭ ‬دراسته‭ ‬إلى‭ ‬بيان‭ ‬مظاهر‭ ‬المثاقفة؛‭ ‬أيّ‭ ‬رصد‭ ‬مظاهر‭ ‬التحوّل‭ ‬في‭ ‬موسيقى‭ ‬السطمبالي‭ ‬من‭ ‬الثقافة‭ ‬‮«‬الإثنية‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬الثقافة‭ ‬الشعبيّة،‭ ‬حتّى‭ ‬أصبحت‭ ‬شكلاً‭ ‬تعبيريًا‭ ‬له‭ ‬مكان‭ ‬مخصوص‭ ‬في‭ ‬خارطة‭ ‬الثقافة‭ ‬الشعبيّة‭ ‬التونسية‭. ‬وباتت‭ ‬في‭ ‬تفاعل‭ ‬جدليّ‭ ‬مع‭ ‬الواقع‭ ‬السوسيو‭ ‬ثقافي‭ ‬الجديد،‭ ‬بدليل‭ ‬امتزاج‭ ‬موسيقى‭ ‬السطمبالي‭ ‬بتجارب‭ ‬إبداعيّة‭ ‬متنوعة‭. ‬تصدر‭ ‬هذه‭ ‬الدراسة‭ ‬عن‭ ‬منهجية‭ ‬نقدية‭ ‬متماسكة‭ ‬جدًا‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬أدوات‭ ‬المنهج‭ ‬الإثنوعرافي‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬وصف‭ ‬العرض‭ ‬الفرجوي‭ ‬ومكوناته‭ ‬للإحاطة‭ ‬بمختلف‭ ‬عناصر‭ ‬المشهد‭ ‬الاحتفالي‭ (‬سطمبالي‭ ‬سيدي‭ ‬منصور‭)‬،‭ ‬كما‭ ‬اشتغل‭ ‬الباحث‭ ‬كذلك‭ ‬على‭ ‬آليات‭ ‬تحليل‭ ‬الخطاب‭ ‬ومنهجيات‭ ‬التفكيك‭ ‬والتأويل‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬معطيات‭ ‬المقاربة‭ ‬السيميولوجية؛‭ ‬لاستكشاف‭ ‬الدلالات‭ ‬الرمزية‭ ‬التي‭ ‬تنطوي‭ ‬عليها‭ ‬العلامات‭ ‬وكذلك‭ ‬البناء‭ ‬الفني‭ ‬والجمالي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الطقس‭. ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬من‭ ‬المقاربات‭ ‬العربيّة‭ ‬المهمة‭ ‬التي‭ ‬تربط‭ ‬بين‭ ‬الموسيقى‭ ‬الشعبيّة‭ ‬والمنهجيات‭ ‬النقدية‭ ‬لتباين‭ ‬تضافر‭ ‬الموسيقي‭ ‬مع‭ ‬الثقافي‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬خطاب‭ ‬واحد‭ ‬أشمل‭.‬

{‭ ‬أستاذة‭ ‬السَّرديات‭ ‬والنقد‭ ‬الأدبيّ‭ ‬الحديث‭ ‬المشارك،‭ ‬

كلية‭ ‬الآداب،‭ ‬جامعة‭ ‬البحرين‭.       ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا