العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

الثقافي

حجارة الزيتون!

بقلم: إيمان عباس

السبت ١١ نوفمبر ٢٠٢٣ - 02:00

من‭ ‬هَزَّ‭ ‬شجرة‭ ‬الزيتون‭ ‬وأسقط‭ ‬من‭ ‬غصونها‭ ‬قطوف‭ ‬الحجارة؟‭ ‬من‭ ‬ألهم‭ ‬خضرتها‭ ‬الغضة‭ ‬أن‭ ‬تبدو‭ ‬قانية‭ ‬بوجه‭ ‬الريح‭ ‬كجمرةٍ‭ ‬لا‭ ‬يبرد‭ ‬جوفها‭ ‬ولا‭ ‬يبرح‭ ‬رمادها‭ ‬مكانه؟

من‭ ‬بيت‭ ‬لحم‭ ‬انغرست‭ ‬أقدم‭ ‬شجرة‭ ‬للزيتون‭ ‬في‭ ‬فلسطين،‭ ‬منذ‭ ‬آلاف‭ ‬السنين‭ ‬وهي‭ ‬شامخة‭ ‬في‭ ‬ترابها‭ ‬الأصيل‭ ‬لم‭ ‬ترضخ‭ ‬يومًا‭ ‬لمحاولات‭ ‬الاقتلاع‭ ‬الغادرة،‭ ‬ولم‭ ‬تستسلم‭ ‬لحصار‭ ‬الجفاف،‭ ‬باذخة‭ ‬في‭ ‬تكيفها‭ ‬الفريد‭ ‬مع‭ ‬تلك‭ ‬التربة‭ ‬المعجونة‭ ‬من‭ ‬طينٍ‭ ‬لا‭ ‬يجف‭ ‬نزفه‭ ‬ولا‭ ‬تُفتح‭ ‬أبواب‭ ‬ينابيعه،‭ ‬لكنها‭ ‬تعرف‭ ‬جيدًا‭ ‬متى‭ ‬تثمر‭ ‬زيتونًا‭ ‬ومتى‭ ‬تستبدل‭ ‬الزيتون‭ ‬بالحجارة‭! ‬نعم‭ ‬هي‭ ‬لم‭ ‬تغرس‭ ‬جذورها‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬فقط‭ ‬لكنها‭ ‬نبتت‭ ‬في‭ ‬يد‭ ‬كل‭ ‬طفل‭ ‬فلسطيني‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬وشمًا‭ ‬يذكره‭ ‬برائحته‭ ‬الخضراء‭ ‬الأصيلة‭ ‬ليعلن‭ ‬رفضه‭ ‬القاطع‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬يحاول‭ ‬الاقتراب‭ ‬من‭ ‬حدود‭ ‬تلك‭ ‬الشجرة‭.‬

هكذا‭ ‬كان‭ ‬أطفال‭ ‬فلسطين‭ ‬قبل‭ ‬اتفاقية‭ ‬أوسلو‭ ‬وهكذا‭ ‬هم‭ ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬ثلاثين‭ ‬عامًا‭ ‬على‭ ‬توقيعها،‭ ‬لم‭ ‬يتغير‭ ‬شيئًا‭ ‬من‭ ‬صميم‭ ‬عشقهم‭ ‬لشجرتهم‭ ‬وقبضاتهم‭ ‬المليئة‭ ‬بالزيتون‭ ‬وبالحجارة،‭ ‬وهكذا‭ ‬كانوا‭ ‬قبل‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬النكبة‭ ‬والتهجير‭ ‬القسري،‭ ‬والتوسع‭ ‬الاستيطاني،‭ ‬وترسيم‭ ‬الحدود،‭ ‬والمجازر‭ ‬اللامتناهية،‭ ‬فهم‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬لا‭ ‬يعترفون‭ ‬الا‭ ‬باتفاقية‭ ‬واحدة‭ ‬عقدوها‭ ‬مع‭ ‬ضمائرهم‭ ‬للأبد‭ ‬وهي‭ ‬أن‭ ‬العودة‭ ‬حق‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬كونها‭ ‬حلمًا‭.‬

حتى‭ ‬شجرة‭ ‬الزيتون‭ ‬مازالت‭ ‬تنتظرهم‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬زيتونها‭ ‬مجرد‭ ‬حجارة‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬أعدائه،‭ ‬لقد‭ ‬كبرت‭ ‬تلك‭ ‬الشجرة‭ ‬إلى‭ ‬الحد‭ ‬الذي‭ ‬يجعلها‭ ‬اليوم‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تمنح‭ ‬أبناء‭ ‬أرضها‭ ‬كل‭ ‬ملامح‭ ‬النضج‭ ‬والحضور‭ ‬الإقليمي‭ ‬العصي‭ ‬على‭ ‬التجاهل‭ ‬أو‭ ‬التجاوز،‭ ‬وهكذا‭ ‬‮«‬كانت‭ ‬وستبقى‭ ‬فلسطين‭ ‬عربية‮»‬‭.‬‮ ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا