على الرغم من مرور ما يقارب العقدين من الزمن على نشر هذه الأطروحة الأكاديميّة (في أصلها رسالة دكتوراه) كتاب «العشق والكتابة، قراءة في الموروث» (2003) للناقدة التونسيّة رجاء بن سلامة إلا أنَّ هذا الكتاب هو واحد من المراجع العربيّة الحديثة الأصيلة التي لا بدَّ حتى للمتلقي العادي من الرجوع إليها. لقد عادت الناقدة إلى مدوَّنة ضخمة من المصادر العربيّة القديمة التي دوَّنت العشق وأخباره من مصادر أدبيّة، ونقدية، ودينيّة فقهيّة، وتاريخيّة وغيرها. ومن المعروف أنَّ الثقافة العربيَّة الإسلاميّة هي الثقافة التي أنتجت الحجم الأكبر من مدوَّنات الحب ومعاجمه؛ ولا توجد أمة ولا ثقافة في العالم تضاهي العرب في هذا المجال لأنَّهم أمة تحتفي بالعشق بجدارة. وتنقسم مدوّنة النصوص التي اشتغلت عليها هذه الدراسة إلى النصوص الشعرية الغزليّة، وأخبار العشاق، والجهاز التنظيري والمعياري الذي أُحيط بالعشق، وبما أنتج من نصوص عشقية من البدايات التي لا أصل تاريخيًا لها إلى كتاب «الواضح المبين في ذكر من استشهد من المحبين» للحافظ مغلطاي (ت762هـ)؛ وهو المصنف الوحيد الذي اتخذ شكل معجم للعشق إلا أنَّه كان معجمًا لقتلى العشق.
لقد أغفلت الناقدة مجموعات كتب العشق التي ظهرت بعد كتاب (مصارع العشاق) للسرَّاج (ت 500هـ) مثل التآليف التي اتجهت بعد القرن الخامس اتجاهًا أخلاقيًا دينيًا بارزًا، يجعل كتب العشق ذمًا للحب الطبيعي أكثر منها مدحًا له، مثل كتاب ابن الجوزي (ت 597هـ) في «ذم الهوى»، وكتاب ابن قيّم الجوزية (ت751هـ) «روضة المحبين»، وكذلك أغفلت الناقدة بعض المؤلفات الصوفية المتأخرة التي تقدم نظرة فريدة للعشق، وللعلاقة بين العشقين الطبيعيّ والإلهيّ كمؤلفات روزبهان الشّيرازي البقليّ (ت606هـ) أو مؤلفات ابن عربيّ (ت638هـ). ولم تصدر الناقدة في مقاربتها المنهجية عن منهج معين وإنَّما حاولت توظيف المعارف الإنسانيّة والفلسفيّة المعاصرة، وفكر التفكيك المعاصر، وبعض نتائج التحليل النفسي في تفكيك مقولات العشق. وفي تصوري أنَّ هذا الموضوع بالذات يحتاج إلى المزيد من الاشتغالات النقدية المنهجية على نصوصه بتوظيف المقاربات المنهجيّة الحديثة، وهو موضوع ذو علاقة وثيقة بالأنساق الثقافيّة التي أنتجته على اختلاف تمثيلاتها، ويكفي أن نعرف على سبيل المثال أنَّ خطاب الجنون في الثقافة العربيّة الإسلاميّة، هو خطاب مشتبك مع خطاب العشق العربيّ ونتاج من نتاجاته! ويحتاج هذا الموضوع كذلك إلى استنطاق تمثيلاته في الخطاب العربيّ المعاصر (النصوص الشعرية الحديثة، النصوص السردية، السينما، المسرح، النصوص الغنائية) وغيرها على سبيل المثال. ومن الإصدارات الحديثة الخاصة بخطاب الحب في الثقافة العربية القديمة كتاب (الجسد في شعر الحب العربيّ: التراث العذري)، والكتاب صادر باللغة الإنجليزية عن منشورات جامعة أدنبره بعنوانThe Body in Arabic Love Poetry للروائية والأكاديمية العمانية جوخة الحارثي، ويشتمل الكتاب على ثمانية فصول، وست نسخ من لوحات أصلية تصور قصة مجنون ليلى تعود إلى القرن الخامس عشر الميلادي، ويشتغل الكتاب على إعادة تفسير جذري لطبيعة شعر الحب العربي التراثي في العصور الكلاسيكية، وإعادة تقييم العلاقة بين الحب والشعر والمجتمع العربي وتأويل المرويات بالاستعانة بالدراسات الثقافية والنقد النسوي ودراسات التلقي.
{ أستاذة السرديات والنقد الأدبيَّ الحديث المشارك،، كلية الآداب، جامعة البحرين
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك