يشتغل كتاب «المتخيّل السردي العربي، دراسة في بنيات ووظائف العجائبي» للناقد المغربي مصطفى النحَّال على دراسة تمثيلات المتخيّل السرديّ العربيّ من خلال دراسة بنيات العجائبي ووظائفه في مدوّنة سردية عربّية قديمة اشتملت على نصوص «إرم ذات العماد»، و«مدينة النحاس»، وسرديات أزمنة البدايات في خطاب القصاصين، وفي المصنفات التاريخيّة العربيّة القديمة، وكتب الرحّالة، والمصنفات الجغرافية والعجائبيّة «تحفة الألباب ونخبة الإعجاب” لأبي حامد الغرناطي وغيرها. وينطلق الباحث من دراسة مفهوم المتخيّل في الثقافة العربيّة الإسلامّية من خلال الاتكاء على بعض المرجعيات النقدية الغربية ومنها، اشتغالات جيليبر دوران، وغاستون باشلار، وتزفيتين تودوروف، وبول ريكور وغيرهم. وعلى الرغم من أهمية الإشكالية البحثية النقدية التي ينطلق الباحث منها إلا أنّه لم يتعمق فيها في سياق التطبيق، وأغفل دراسة في غاية الأهمية لها طبيعة الاشتغالات نفسها وهي دراسة ياروسلاف ستيتكيفتش «العرب والغصن الذهبي»، إعادة بناء الأسطورة العربية من خلال مقاربته أسطورة «ثمود» بوصفها تمثل الشبكة العربيّة التأسيسية لأسطورة عربية عاربة. لقد سعى ستيتكيفتش إلى ترميم هذه الأسطورة من التاريخ، وتخليص التاريخ من الأسطورة من خلال الاشتغال على منهجية الناقد الكندي نورثروب فراي مع قليل من التحوير المنهجي؛ إذ يرى فراي أنَّ الأسطورة تمثل أعمق رغبات الإنسانية وأعمق مخاوفها. وحينما يتعلق الأمر بدراسة رموز مشكِّلة لثقافة ما ذات بناء أسطوري، فإنَّ أولى الخطوات هي الوعي بشروط مواءمة الميثولوجيا فيها بحيث تطوَّع الأسطورة لتصبح مصدرًا لاكتشاف معانٍ أيديولوجية أو يوتوبية، وتعيد إنتاجها في بناء صوري يعبر عن المخاوف والرغبات القديمة في الثقافة نفسها، الشفرة الكبيرة».
أغفل النحَّال عددًا من المقاربات الجادة الرصينة في هذا الموضوع مثل دراسات الناقد جمال الدين بن شيخ في تناوله للمخيال العربيّ الإسلاميّ في عدة مقاربات له مثل كتاب «ألف ليلة وليلة أو القول الأسير»، وكتابه الصادر بالفرنسية عن المعراج وترجمته بالعربية «رحلة محمد الليلية». ويعد جمال الدين بن الشيخ من أوائل النقاد العرب المشتغلين بالسرديات الثقافيّة الذين التفتوا إلى جوانب المغيّب والمسكوت عنه في المرويات والمدوّنات السردية العربيّة القديمة. وابن الشيخ الذي أنجز أطروحة متميزة عن الشعرية العربيّة القديمة حتى القرن الثالث الهجري انتقل إلى منطقة النصوص المهمشة وتمظهراتها في السرد العربيّ القديم بما في ذلك نصوص المعراج، والقيامة، والأحاديث الموضوعة المنسوبة إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، والحكاية العجيبة والغريبة وكتب السيرة والتفاسير والتاريخ والأحلام وغيرها. ومن النقاد العرب الذين تناولوا المتخيّل العربيّ الإسلاميّ أيضًا في كتاباتهم كمال أبوديب، وسعيد يقطين، ونور الدين أفاية وغيرهم. وهؤلاء جميع أغفل الناقد ذكرهم ولم يلتفت إلى دراساتهم رغم عمقها ومنهجيتها.
يضمُّ هذا الكتاب بين دفتيه دراسات تحليلية تتعلق بتجليات المتخيّل العربيّ الإسلاميّ وتشخيصاته من خلال محكيات تضمنتها مجموعة من النصوص والكتابات التي تنتمي إلى الثقافة العربيّة الكلاسيكيّة. لقد كان المتخيّل بصفته مفهومًا أساسًا في حقل العلوم الإنسانية، يحتلّ مكانة كبيرة في مجال الدراسات الأدبيّة. انطلق الباحث استنادًا إلى التصوُّر الإنثربولوجي الخاص بالمتخيّل إلى كون المتخيّل ينطلق من علائق الإنسان بالعالم الخارجي من خلال بناءات رمزية متوسطة، ومعايير وأنساق مفتوحة، لها صلة بالدينامكية الاجتماعيّة والسياسيّة والدينيّة، وهكذا يغدو المتخيّل جزءًا أساسيًا من بنية الفكر المحايث للإنسان من المعتقدات والأفكار والأساطير والإيديولوجيا. وهذه المقاربة النقدية توفَّر مجالاً جيدا لاستنطاق مدوَّنة الثقافة العربية الكلاسيكيّة في مجال العجيب والعجائبي.
{ أستاذة السرديات والنقد الأدبيّ الحديث المشارك،
كلية الآداب، جامعة البحرين.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك