معايير الإنسانية خلقت بمفهوم الحب حتماً ليس حب الأنا أكيد.. بل ذلك الحب النقي لكل ما يجعل الانسان يترفع عن كونه منحطاً بتصرفٍ او كلمة او فعل او حتى خلجات نفس… ذاك الحب النقي لا يتم منحه الا لأناس يختارهم الرب رحمة لغيرهم... وقيمة الانسانية تظهر في لحظة الاحتياج الحقيقي للرأفة… ليست تلك الممزوجة بالشفقة.. انما تلك الرأفة الممتزجة بالحب والعاطفة والصدق والرحمة … ان فلم me before you من بطولة إميليا كلارك وسام كلافلن وجانين مكتير وتشارلز دانس المأخوذ من رواية انا قبلك لجوجو مويس التي تعد من أكثر الروايات مبيعا وغالباً ما تشهد تحول الرواية الى السينما تعقيدات عدة الا ان هذا الفيلم حاول ان يحرك الساكن من السرد الروائي، فقد المخرج فلم درامي رومانسي يأخذك لعالم بسيط المفهوم عميق الاحساس… شاب ثلاثيني عاشق لحياة الرفاهية ناجح في اعماله ولديه تلك الحبيبة الجميلة التي لا ينفك يبادلها الرومانسية… في يوم ممطر قرر القدر ان يجعله مقعداً مصابا بالشلل الرباعي… ولأنه كان يعشق الحياة ولا يستطيع ان يتخيل نفسه بهذا العجز البائس فأنه يقدم طلباً لما يسمونه (القتل.. الرحيم) ولان والديه لا يستسيغان فكرة فقدانه.. قررت أمه أن توظف فتاة بسيطة تتسم بالغباء نوعا ما او هذا ما يبدو عليها! اكثر صفة جاذبة لها بانها (رقيقة الحديث) وصفات اخرى مرحة عفوية لطيفة المظهر حسية الروح وكذلك جميلة المنطق… وساذجة احياناً… ولأنها من عائلة فقيرة تضطر لان تقبل الوظيفة.. جل مهاراتها اعداد كوب من الشاي… لتلتقي بذلك الفتى النرجسي المتكبر الذي. ينظر لها ولملابسها بنظرة الاستهزاء والضحك... تستطيع في النهاية ان تكون نقطة فاصله بين قلبه والحزن… ولأنه لم يكن يريد لها الوجع وانه عاجزاً عن يمنحها الحياة الطبيعية يقرر ان يستسلم… تاركاً لها احلامه لتحققها بطريقتها الخاصة… (ان اتبعتِ التعليمات ستكونين في باريس.. على أحد تلك الكراسي التي لا تستند بشكلٍ مستوٍ ابداً على الرصيف؛ واتمنى ان يكون الجو مشمس، على يمينك ستري محل عطور (لارتزيان) يجب ان تجربي عطر اسمه (بالين اكستريم) اعتقد ان رائحته ستكون رائعة عليكِ…لا تبدئي بخوف.. عيشي بجرأة كلارك.. ادفعي نفسك لا تستقري.. ارتدي ما تحبين بفخر… واعلمي ان لديك الكثير من الخيارات كرفاهية… انت مسجلة على قلبي يا كلارك..) كلماته الاخيرة لها كانت رسالة جلست تقرأها على ذلك الكرسي في باريس بعد ان ترك لها ثروة طائلة تبدأ من خلالها بتحقيق احلامها... للقصة زمكان خيالي واقعي يجعل قلبك يخفق للحياة ويجعل نفسك تشعر بارتياح غرائبي وكأنك تطفو فوق السحاب لبرهة ثم فجأة ترتطم بالأرض عند لحظة يأس يشعر بها البطل وهو يرى ان كل تلك السعادات ستغادرها عندما يرحل.. انها حقاً قصة عميقة الانسانية ومثالٍ رائع للحب والتضحية بصورة فذة. في هذا الفيلم ثمة ابعاد إنسانية واجتماعية وعاطفية ولكنها لا تخرج من مسارين فلسفيين مهمين أولهما يتعلق بقيمة الطاقة الإيجابية والحياة المتدفقة التي تنبعث من الفتاة الساذجة (كلارك) وبين كمية (الإحباط واليأس والعدمية) التي تمظهرت في سلوك هذا الشاب (المصاب بالشلل الرباعي) رغم ان مجريات الاحداث كانت توحي بقيمة الحياة وديناميكيتها التي منحتها كلارك لهذا الشاب ويل تراينور، ان المؤلف والمخرج قدما معا رسالة مهمة في هذا الفيلم وهي ان السعادة ربما توجد في التفاصيل البسيطة التي قد يراها الاخر بانها (سذاجة) كما في مشهد (فرحة كلارك بالجوارب التي كانت ترتديها بالطفولة) فما بين ملايين عائلة ويل (التي لم توفر له السعادة) وما بين (فقر كلارك المادي وغناها بقناعاتها ولحظات سعاداتها البسيطة) ثمة رسالتين متناقضة أراد لهما المخرج ان يكشفا عن طبيعة ان يكون الانسان سعيداً في هذه المعمورة من خلال هذه الجزئيات البسيطة، فإن تعيش بجزئيات بسيطة توفر لك السعادة ممكن ان يكون نسق هذه الحياة يحمل معه مفاجآت مستقبلية كما حصل للفتاة الساذجة كلارك والتي حصلت على جزء من ثروة ويل، ولكن السؤال الجدلي لماذا دفعنا المؤلف والمخرج ان نعتقد ان نهاية الفيلم مثلت انتصار (البؤس والعدمية) على (طرق السعادة وبساطتها وحب الحياة) فانتصرت في الأخيرة إرادة ويل بطلب (الموت الرحيم). ان هذا الفيلم يدفعك للتفكير ملياً وترتيب اوراقك من جديد عن بساطة العيش سعيداً في هذه المعمورة من دون الثروة المادية، ففي بعض الجزئيات والتفاصيل تكمن السعادة الحقيقية، وهذا ما كانت ترسخه كلارك بسلوكياتها اليومية غير المصطنعة بل هي فتاة على سجيتها بجمال روحها وابتسامتها التي تضف سعادة أخرى على كل من يشاهدها، فيلم يستحق التحليل والتشريح النفسي الاجتماعي لما فيه من ابعاد ودلالات وقيم فكرية استطاع من خلالها المؤلف والمخرج وببراعة تمثيلية من البطلين ان يوصلاها إلينا كمتلقين.
كاتبة ومترجمة
من العراق - البصرة
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك