أول معلمة بحرينية تبتكر استراتيجية تدريس لمادة العلوم وتنال عنها المركز الأول في ملتقى التميز وفي مسابقة المعلم المبدع على مستوى البحرين.. حائزة على المركز الأول في مسابقة الأكثر تفعيلا لبنك الدير الرقمي.. هدى عبدالعزيز عبدالله لـ«أخبار الخليج»:
يقول رجل الاقتصاد الأمريكي ثيودور ليفيت: «الإبداع هو القدرة على استحداث أفكار جديدة والابتكار هو القدرة على تنفيذها»!
نعم، هي تمتلك تلك القدرتين، فقد كانت أول معلمة بحرينية تبتكر استراتيجية لتدريس مادة العلوم وتنفذها على أرض الواقع، والتي نالت عنها المركز الأول في ملتقى التميز الذي نظمته مدرسة صلاح الدين الأيوبي وفي مسابقة المعلم المبدع على مستوى البحرين، وفي مسابقة الأكثر تفعيلا لبنك الدير الرقمي والذي قدمت من خلاله أكثر من تسعين فكرة.
هدى عبدالعزيز عبدالله، معلمة نظام فصل من طراز خاص، قررت أن تطبق مقولة وليام آرثر وارد «المعلم المتواضع يخبرنا، والجيد يشرح لنا، والمتميز يبرهن لنا، أما المعلم العظيم فهو الذي يلهمنا»، فكانت بالفعل ملهمة لطلابها ولغيرها من المعلمين الذين استفادوا وأفادوا من خلال استراتيجيتها المبتكرة!
لذلك أبدعت في مهنتها التي تراها أعظم مهنة على الإطلاق لكونها تصنع وتؤهل أصحاب المهن الأخرى، فضلا عن قناعتها بأن المعلم يعد أهم أعمدة التعليم الصحيح، بل الحياة الناجحة بشكل عام، وهو ما جسده الكاتب فيلوكسين الستيري حين قال: «إن معلمينا هم الذين يعطوننا الطريقة لنحيا حياة صالحة»!
حول هذه التجربة الملهمة كان الحوار التالي:
متى بدأت علاقتك بمهنة التعليم؟
- علاقتي بمهنة التعليم بدأت مبكرا للغاية وتحديدا منذ طفولتي، ففي الصغر كنت أعشق تمثيل دور المعلم، وأقوم بتصحيح الدفاتر، وأمارس ذلك على أطفال القرية والأقارب، وأستمتع كثيرا بذلك، كما أنني ارتبطت بالمعلمات واتخذت منهن قدوة لي، وكان حلمي وخطتي أن أصبح معلمة في المستقبل، وبالفعل التحقت بالمسار العلمي، والتحقت بكلية البحرين للمعلمين، وحصلت على كل الدعم والتشجيع من الكوادر التي تعلمت على أيديها، وكونت صداقات مع بعضهم، ومارست الدراسة العملية في عدد من المدارس وسعدت كثيرا خلال هذه المرحلة التي أهلتني لخوض تجربتي العملية بكل اقتدار.
بعد التخرج؟
- بعد تخرجي في كلية البحرين للمعلمين توظفت في مدرسة للبنين بالمرحلة الابتدائية، ورغم تعطشي لممارسة هذه المهنة وحماسي الشديد لها إلا أنني واجهت تحديا صعبا في البداية كاد أن يبعدني نهائيا عن هذا المجال الذي أعشقه، وذلك بسبب عدم السيطرة على الطلاب في هذه السن، الأمر الذي أشعرني بفشل كبير، حتى أنني قررت أن أترك العمل نهائيا، ولكني حين التقيت بمديرة التعليم الابتدائي سابقا فاطمة شاهين البوعينين لمناقشة سبب هذا القرار، تبدل الكثير من الأشياء والقناعات لدي، فقد منحتني الأمل من جديد، بعد شعور قوي باليأس والإحباط.
وكيف تم العدول عن قرارك؟
- لقد نصحتني السيدة فاطمة شاهين البوعينين بأن أمنح نفسي فرصة جديدة، وبأن أواصل في عملي، وذلك هو نفس رأي والدتي وأختي الكبيرة، وبالفعل أخذت بنصيحتهم جميعا، وأدركت أنني لا بد وأن أتبع أسلوب التخطيط والإعداد المسبق للدروس قبل أي حصة، وضرورة تأسيس مخزون علمي ونشاطي لدي، وتنظيم الوقت، وبالفعل نفذت ذلك على أرض الواقع، وبعد حوالي عام شعرت بفرق كبير، وكنت قد توقفت عن العمل شهورا حتى يتم انتقالي إلى مدرسة بنات، وكان ذلك بمثابة نقلة كبيرة في مشواري.
حدثينا عن تلك النقلة؟
- حين انتقلت إلى مدرسة البنات استطعت السيطرة على الطالبات، ووفقت في مهمتي وأدائي، وتعلمت من نخبة من معلماتي القدامى كيف أنظم الوقت وأحدد الأولويات، واطلعت على اختباراتهن وأنشطتهن، ومن هنا وردت فكرة تأسيس حساب لي على الانستجرام يوفر مخزونا تعليميا للمعلمين المستجدين لكل المواد، وذلك كي أعوض ما واجهته شخصيا من نقص، وقد وصل عدد المتابعين لي أكثر من تسعة آلاف شخص من داخل البحرين وخارجها، وكان يتعلق بصفوف الحلقة الأولى.
ماذا عن تجربتك مع بنك الدير الرقمي؟
- لقد وصلت مشاركتي في بنك الدير الرقمي الذي أسسته مدرسة الدير الابتدائية للبنين إلى أكثر من تسعين فكرة مختلفة، حيث كان كل معلم يسهم فيه بأفكاره وأنشطته ودروسه وخططه التعليمية، وسعدت كثيرا بنيل المركز الأول في التفعيل بالبنك.
*أهم الأفكار التي تم تقديمها إلى البنك؟
- من بين أهم الأفكار التي تم تقديمها للبنك فكرة استراتيجية التدريس المبتكرة تحت اسم «مطبخ العلوم»، حيث كنت أول بحرينية تقوم بهذا الإنجاز الذي نال المركز الأول في مسابقة المعلم المبدع على مستوى مدارس البحرين وفي ملتقى التميز لأفضل استراتيجية تدرس في ملتقى التميز الذي نظمته مدرسة صلا ح الدين الأيوبي.
العائد من وراء هذا الابتكار؟
- العائد من وراء هذا الابتكار كبير جدا، وقد أقدمت عليه لتحقيق هدف إبعاد الملل عن نفسي أولا، ثم عن الطالبات أثناء تدريس مادة العلوم، وذلك بالخروج عن الصندوق، باستخدام أسلوب تعليمي شيق وجذاب، حيث يتعلم الطالب الدرس من خلال استمتاعه بإعداد طبخة معينة لذيذة، وقد نظمت مسابقات وورشا عديدة داخل وخارج المدرسة لعرض هذا الابتكار وشرحه للاستعانة به من قبل المعلمين، والذي أعتبره بداية لمشواري التعليمي الشيق.
من أين جاءت فكرة الاستراتيجية؟
- كنت قد قرأت كتاب عن الإبداع ينصح باستخدام بدائل للكلمات المستخدمة في العملية التدريسية، لتحقيق نوع من الجذب للطلاب، فعلى سبيل المثال بدلا من استعمال مصطلح «مختبر العلوم» استخدمت عبارة «مطبخ العلوم»، ومن هنا يتحقق التجديد والابتكار، والذي من خلاله يتعلم الأطفال دروس العلوم عبر إعداد وصفات طبخ لذيذة، وهو أسلوب شيق يمثل حافزا كبيرا للتعلم يتماشى مع اهتمامات الجيل الحالي الذي يحب الأشياء الملموسة التي ترسخ المعلومة في ذهنه.
ما خطتك لنقل الابتكار إلى الآخرين؟
- لقد أعددت كتيب دليل مطبخ العلوم لنقل خبرتي إلى الآخرين، والذي يمثل خطة للمعلم يهتدي بها عند تدريسه، وكذلك لولي الأمر، كما قدمت الدروس على فيديو على قناة اليوتيوب بصوتي، وهناك ثماني وصفات لتعلم دروس العلوم حاليا، واستضفت كذلك عددا من الطلاب والإداريين والمعلمين لإطلاعهم على التجربة، وأتمنى أن يكون هناك برنامج تليفزيوني يقدم تلك الوصفات كذلك ورشة عمل معتمدة لإفادة المعلمين من قبل وزارة التربية والتعليم.
كيف كان رد الفعل؟
- كان رد الفعل على الانستجرام إيجابيا بشدة، حيث حققت تفاعلا كبيرا ووجدت ترحيبا كبيرا بالفكرة، وقام العديد من المعلمين بتطبيق التجربة على طلابهم، وكل ما أتمناه هو حصول المبدعين على الدعم المادي واحتضان أفكارهم، وشخصيا أنفق من جيبي على أفكاري وأنشطتي ومقترحاتي، وهذه هي ضريبة الخروج عن الصندوق، ولكني لا أبالي بأي أعباء مادية، وأحاول دائما أن أكافئ طلابي مهما كلفني الأمر وهو ما اعتدت عليه من والدتي وأراه أسلوبا محفزا على العلم والتعلم.
ماذا عن كيفية مواجهة أعداء النجاح؟
- لا شك أن أعداء النجاح موجودون في كل مكان ومجال وزمان، وهناك كثيرون يسعون نحو إشعاري بالإحباط، وخاصة فيما يتعلق بالإنفاق من جيبي على أنشطتي وأفكاري بشكل عام، لأنهم ينظرون إلى ذلك بأنه أكثر من المطلوب مني، ولكني لا أبالي بهذه الآراء مطلقا ولا أتوقف عندها، لأنني ببساطة أجد في ذلك متعة خاصة جعلتني أحب المهنة وأستمتع بأدائها، فضلا عن تأثير ذلك في رفع نسبة التحصيل العلمي للطلاب، وقد صممت دليلا علميا وطبعته على نفقتي الخاصة، وكذلك أعددت مجلة للموهوبين، وتقويم «كالندر» باسم المدرسة، وسأواصل في هذا المشوار مهما كلفني الأمر.
ما هو الدور المفقود للمعلم اليوم؟
- بالطبع للمعلم أدوار عديدة في مجال التربية والتعليم، وأنا أرى أن الدور المفقود نسبيا للمعلم اليوم هو اكتشاف طاقات الطلاب الإبداعية، والاهتمام بها، واحتضانها، وتنميتها، واستثمارها، وأن يصبح صديقا لطلابه، ويشاركهم في مناسباتهم الخاصة، كأعياد الميلاد وغيرها، ورغم ما نشهده الآن من سيطرة الذكاء الاصطناعي في كل المجالات، إلا أنني أرى دور المعلم سيبقى في التعليم والتربية.
أمنية؟
- لا شك أنني واجهت الكثير من التحديات عبر مشواري، ولعل أهمها بالنسبة إلي هو ضيق الوقت، أو محدوديته، فمازالت هناك الكثير من الأفكار والبرامج في ذهني أتمنى أن ترى النور قريبا، ولكن الوقت لا يتسع لتنفيذها للأسف الشديد، وكل ما أتمناه بشكل عام هو مواصلة العطاء في مجالي بكل همة وحماس، وزيادة المخزون العلمي لدي، وإفادة أكبر عدد من الطلبة والمعلمين من خلال نقل خبراتي إليهم.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك