تداول هواجس الثقافة لا يتوقف ما بين الكتاب والمثقفين كلما اجتمعوا أو دار بينهم حديث هنا أو هناك... ينقل أحد الكتاب المحليين مشكـلته مـع كتابـه الصادر في القاهـرة ووضع مسألة الترخيص كحجر عـثرة في سبيل «السماح للكتاب بالتداول المحلي» وهو ما كبـد هذا الكاتب دفع أجور التخليص الجمركي والركض المحموم ما بين الجهات ذات الاختصاص والعلاقة لكن ظـل كتابه «قيد الإقامة الجبرية حتى إشعارٍ آخَـر»؟!
وضعيـة حرجـة كهذه بالنسبة إلى إتاحة حرية تداول الكتاب في ساحتنا الثقافية البحرينية في رؤيتي الشخصية ليس فيها أيما جدوى من الناحية الموضوعـية في عـصرنا الراهن، فالواقع يشهد بتخطـي ذلك الزمن الذي كان فيه الرقيب المحلي يمتلك سلطـة المنع والمصادرة في وزارات الإعلام أو هيئات الثقافة في الدول العربية، حينما لم تكن هناك تقنيات ووسائل تواصل وميديا، كما هو اليوم.
سلطة المنع أحكمت قبضتها وعـاشت عصرها الذهبي في مصادرة وقمـع الكلمة ثم تلاشت بفعل هذا الانفجار المعلوماتي الرهيب، حيث بات أي مصنف سمعي أو قرائي مُتاحا بكبسة زر واحدة وحسب! لـذا فإن المشرع القانوني سواءً تقبل هذه الحـقيقـة واستوعـبها أم تجاهـلها، فمتطلبات المرحلة الراهنة تواصل تطورها والكاتب المحلي كما هو حاصل لم يعد مضطـراً لنشر مصنفه داخل حدود مملكة البحرين «ما دام الفعل الرسمي لمقص الرقيب متوتـرًا يراقب كـل شيء»، الكاتب يجد في دور النشر العربية فضاءً واسعـًا من الخيارات بالنسبة إلى النشر والتوزيع الورقي أو حتى النشر الإلكتروني وعـليـه. ينبغي على أجهزة الرقابة الرسمية تطـوير مستويات عـملها مع إتاحة مقدار أكبر من المرونة الإدارية التي تتناسب وتطورات العصر الذي نعيشه، فالكاتب البحريني في كـل الأحـوال لن يرهن حـرية حرفـه كيما يـدقق في تفاصيلها لموظف يستعين بعدسة مكبرة يحاول اكتشاف حقل الألغـام ما بين السطور! فعـل الكتابة في ساحتنا الثقافية متواصل في الحراك وآلية الببلوغرافيا الوطنية التي يشرف عليها مركز عـيسى الثقافي يفوته العلم بأن ثمـة الكثير من المطبوعـات البحرينية التي تنفـر من الرقابة المحلية وتختار دور النشر العربية وبذلك لا يتم تسجيلها ككتب ومصنفات بحرينية وهذا ما يحرمها من الرصد الببلوغـرافي السنوي، وهو بالمناسبة لا يتعامل إلا مـع المصنفات المجازة.
بالنتيجـة ثمـة فاقـد يتمثل في «تلك الكتب المحليـة التي تطبع خارج المملكة» ولأنها لم يتم ترخيصها حسب آلية قانون النشر والمطبوعـات لدينا، فهي بشكل آلي تفقـد فرصتها بالاعـتراف بها، بالرغـم من كونها موجودة في معارض الكتاب. فحتى الدارس المحلي لحركة الأدب البحريني بلا شك سيقـع في حـرج وتلتبس عـليه الأمـور حينما يشرع بدراسـة حياة أي كاتب بحريني.
فقاعـدة البيانات المحليـة ستعتريها العديد من الثغـرات الموضوعـية، التي ستوجـد إرباكـًا حول طبيعة المعلومة والحالة الضبابية التي تحيط بها وهو ما لا يمكن أن يخدم حركتنا الثقافية المحلية لا من قريب ولا من بعيد.. أضف إلى ما سبق مشروع رقمنة الكتاب البحريني الذي تبنـته مبادرة جميلة من قبل مركز عـيسى الثقافي، يحتاج إلى رصد دقـيق وحثيث لحركة الكتاب المحلي ويحتاج إلى قاعـدة معلوماتية قوية الحضور حتى يبلغ النجاح المأمول، لأجل كل الأسباب التي سبق استعراضها آنفـًا، الرقابة على الكتاب المحلي تحتاج إلى مراجعـة تخدم حركة الكتابة والنشر وترفع من منسوب التطور، فتعيد ترتيب الأوراق بما يتناسب وانفتاح عصرنا الراهن الذي يفرض جملة من التحديات الحضارية التي علينا استيعاب معطياتها.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك