كتبت: مسعدة اليامي
يتحدث إلينا في هذا اللقاء من السعودية الروائي القاص الباحث محمد ربيع الغامدي من منطقة الباحة جنوب السعودية، ذكر لنا أنه يحب الاستماع للقصص الشعبي منذُ نعومة أظفاره حتى تأصل عندهُ حب البحث والقراءة في الأسطورة الشعبية.
كيف تعرفت على الأسطورة؟
عن طريق «أمي رفيعة» رحمها الله وهي واحدة من أمهاتنا في قريتي، قرية الحبشي ببلاد غامد في منطقة الباحة التي تبعد عن مكة المكرمة بأكثر من 300 كيلو نحو الجنوب الشرقي منها. كانت سفينة حكايات وأساطير، وكريمة من كرائم النساء لا تكف عن التسبيح أبدا، ومع ذلك فهي تعطينا من وقتها في كل مرة نطلب منها حكاية من الحكايات المتداولة في زمانها.
متى شعرت بأنك أصبحت قادرا على كتابة الأساطير؟
عندما توسعت مصادري، واكتشفت أن عالم الرجال فيه رواة أشداء ومن خلالهم تكونت عندي مكتبة تسجيلات صوتية تضم مائة وعشر حكايات شعبية وعشرين أسطورة، حينها أدركت أن من كمال الاهتمام بها أن أدونها تفريغا على ورق وأن أنشرها كما جاءت من أفواه الرواة، وتوازيا معها مفصحة في كتاب واحد.
هل شغفك حب الاستماع للأساطير منذ الصغر وهل لا يزال ذلك الشغف موجودا؟
نعم، كانت مقدمة عندي على الطعام والشراب، ولا تزال حتى الآن ومازلت أعثر على جديد منها في منطقتي ومازلت أعثر على مماثل لكثير منها في أساطير سعودية وعربية وعالمية.
ما القصص الأسطورية التي استمعت إليها وفي أي المجالس؟
كثير مما نشرته في كتاب «ذاكرة الفواجع المنسية» سمعته في مجالس أمي رفيعة، وكنا نتحلق حولها، أقراني وأنا، في أمسيات عائلية للحكي. ثم توسع استماعي مع الرواة الكِبار الذين شددت إليهم الرحال بين عامي 1396 و1406هـ، وكان في مقدمة أولئك الرواة أبي وعمي محمد بن صالح الغامدي والعم محمد بن سعيد الزهراني «دَلْبَخْ» من بني سار الذي سمعت منه أسطورة نسران، والعم جريبيع بن صالح الزهراني من آل سلمان، والعم محمد بن سالم بن خمّي الغامدي من الحبشي الذي سمعت منه البنت السعلية، والعم محمد بن منسي من الجادية الذي سمعت منه أسطورة جبل الثور. وكثيرون غيرهم مثبتة أسماؤهم في مواضعها من الكتاب.
ما الكتب التي قرأت عن الأسطورة؟
أول الكتب كانت أفواه الرواة، أمي رفيعة «التي لم تلدن»، ثم الرجال الحفّاظ من رواة الأساطير والحكايات المتداولة في منطقة الباحة، وقد طالعت قبل ذلك وبعده كتبا عديدة منها معاجم ومنها قواميس وموسوعات وأبحاث أخرى قيّمة، وضعتني في خضم الحكي، أساطير وحكايات وخرافات وأوابد لا حصر لها. أتذكر منها الآن «وأنا بعيد عن مكتبتي»: معجم الفولكلور للدكتور عبدالحميد يونس، وقاموس أساطير العالم لآرثر كورتل، عالم الحكاية الشعبية لفوزي العنتيل، وكتاب سلطان الأسطورة تحرير السيدة إيجي سوفلاورز، وكتاب الغصن الذهبي لجيمس فريزر، وكتاب الدكتور أحمد كمال زكي: الأساطير، دراسة حضارية مقارنة. وممن طالعت لهم من جامعي الأساطير والحكايات الأستاذ إبراهيم الطامي في كتابه: نزهة النفس الأديبة الذي له ريادة في ذلك وإن كانت بدايات لاتصل إلى المستوى الذي حققه عبدالكريم الجهيمان «بعد الطامي بعقد من الزمان» في مجموعاته الخمس الكبرى: أساطير شعبية من قلب الجزيرة العربية. وطالعت لا حقا كتبا لكل من الأستاذة: عبدالعزيز أبو زيد، صباح الفارسي، عبده الخال، علي الرباعي، لمياء باعشن، محمد بن زيّاد، محمد بن زبن، فاطمة البلوي، ومن البحرين فاطمة الحوطي، ومن فلسطين نمر سرحان، ومن عمان طلبه والريامي. وهي أبحاث وتوثيقات قيّمة قد لا تعني بالأساطير تحديدا ولكنها تثري الباحثين في مجالات الأساطير والحكي الشعبي عموما. وفي المجال المفاهيمي هناك كتاب: مقاربات في مفهوم الأسطورة من شأنه تقديم الجديد والمفيد في بابه.
هل هناك فوارق بين الأساطير الشعبية السعودية والعربية والخليجية والعالمية؟
هناك فوارق عميقة عندما يتعلق الأمر بفكرة الأسطورة، لكنها تكون فوارق طفيفة جدا عندما تطرق نفس الفكرة، في الأحساء مثلا حكاية بيض الحُمَل هي نفسها حكاية يا خالي المخلخلة عندنا في الباحة، لا فرق إلا في العنوان وفي لهجة الحكي فقط. وقد وجد عبدالله بن أحمد الفيفي نقاط التقاء وتماثل بين أساطير من بيئات مختلفة ضمنها كتابه الجميل: هجرات الأساطير.
كيف رأيت توظيف الأسطورة في الأعمال التراثية (القصصية والاناشيد ـ الحزاوي ــ الغطاوي).
محدود جدا، قد تكون أفضل حالاتها في أغاني الأطفال ثم في بقية الفنون بدرجة أقل، ولكني أرى المجال الأمثل لتوظيف الأسطورة موجود في عالم السينما لما تقوم عليه السينما أصلا من إبهار مرتبط بفنون الإخراج ولما تقدمه الأساطير من فرص ثمينة لذلك الإبهار، ومع ذلك فمازالت السينما العربية بعيدة عن ذلك، ولعل السينما السعودية في انطلاقتها الحالية تعوض المشاهد خيرا من خلال تبني الحكايات والأساطير السائدة في مختلف جهات المملكة العربية السعودية.
متى شعرت بأنه آن الأوان لكتابة عمل عن الأساطير؟
هذا سؤال يخيفني كثيرا، فالأسطورة عندي دُغْلٌ أشجاره كثيفة وأغصانه متشابكة، وقد يحتاج السالك فيها ألا يمشي بقدميه على أرضها، وسيحتاج إلى الجرأة والدقة للإمساك بالغصن المناسب في اللحظة المناسبة وإلا تردى. قد يمنحني الله عمرا وشبابا يلبسني فجأة فأخوض التجربة وقد تنطفئ العين قبل ذلك لكنه من الطبيعي أن في التربة حبوبا ستتفتق يوما عن سنابل لا حصر لها.
ذاكرة الفواجع المنسية ـ أساطير وحكايات من تهامة والسراة ــ هل كانت مادة الكتاب مما سمعت من أساطير ولماذا شعبية؟
كلمة شعبية في عنوان الكتاب هي ملحقة بكلمة حكايات لا بكلمة أساطير، لكن لو ألحقناها بكلمة أساطير فقلنا أساطير شعبية فلا مشكلة في ذلك بحكم تداولها في بيئة شعبية محلية.
هناك إشكالات مفاهيمية توقع الباحث والهاوي في معضلة الخلط بين الأسطورة وبين الحكاية والخرافة، وقد رأيت أن مفردة «أسطورة» في الفونومي اللساني هي مقابلة لمفردة «story» وهي مفردة عِظامية (من العظم) موجودة في كل لغات الدنيا، حيّة وميتة، وتعني قصة، أما ظلال كلمة أسطورة في مخيالنا العربي العام فلعل مقابلها في الإنجليزية هو: legend ومن هنا تداخلت المفاهيم بين أسطورة وحكاية وقصة وخرافة.
جيل اليوم وأطفالنا من خلال الأعمال المعروضة تشبعوا بالأسطورة الغربية.. فأين هي هويتنا العربية عن ذلك؟
لم تذهب بعيدا، فالهوية الكونية مطلوبة أيضا، وكلما تقدمنا نحو الحياة الصحيحة كلما زادت حاجتنا إلى الهوية الكونية، ينبغي ألا تأخذنا العزّة بالإثم فننسى أن الكون هو قرية هذا الزمان، ولقد طوى الله لنا الأمكنة والمسافات، وزوى لنا الأزمنة والساعات حتى بتنا نرى أحداق أهلنا في الأوقيانوس ونسمع وجيب قلوب أصدقائنا فيما دون الباسفيك، لكن (وفي المقابل) يجب أن تصل أحداقنا ونبضات قلوبنا إليهم وإلا فقد ظلمنا أنفسنا. علينا ألا نتوجس خيفة من جيراننا لكن يجب أن تصل إليهم تفاصيل وجوهنا فإن لم ننجح فهذا تقصير منا وجميعنا مسؤولون عنه.
{ قاصة وكاتبة من المملكة العربية السعودية
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك