تحدثنا في مقال لنا في مطلع العام الماضي عن أبرز المخاطر التي تواجه الاقتصاد العالمي في عام 2023، والتي تمثلت في البيئة الجيوسياسية وأسعار الفائدة وارتفاع كلف المعيشة مع ارتفاع معدلات التضخم والديون السيادية والتحديات المناخية، وقد شاهدنا بالفعل في عام 2023 كيف أثرت هذه العوامل على أداء الاقتصاد العالمي، في حين أننا نرى أننا دخلنا عام 2024 محملين بكافة هذه المخاطر.
لذلك، يتوقع صندوق النقد الدولي أن يتباطأ النمو العالمي من نسبة 3% في عام 2023 إلى 2.9% في عام 2024، محذرا من أن احتمالات تشديد شروط الائتمان لفترة طويلة وارتفاع تكاليف الاقتراض تمثل «رياحا معاكسة قوية» للاقتصاد العالمي المثقل بالديون، وخاصة في البلدان النامية الأكثر فقرا، والتي تحتاج إلى الاستثمار لإنعاش النمو.
بحسب التقرير، من المتوقع أن ينخفض معدل التضخم العالمي، الذي كان عند 8.1% في عام 2022، إلى 5.7% في عام 2023، ومن المتوقع أن ينخفض أكثر إلى 3.9% في عام 2024.
بينما يتوقع «بنك أوف أمريكا» أن تنجح البنوك المركزية في عام 2024 في تحقيق الهبوط السلس رغم يقينها بأن المخاطر تفوق الإيجابيات. ويتوقع أيضا تراجع معدلات التضخم حول العالم، ليسمح للبنوك المركزية بتخفيض معدلات الفائدة خلال النصف الثاني 2024، متوقعا أن يبدأ الاحتياطي الفيدرالي في يونيو خفض معدلات الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في كل مرة وفق التقديرات.
وعلى صعيد الاقتصادات العربية، من المتوقع أن يبلغ معدل نمو الاقتصادات العربية نحو 2.2 بالمائة في عام 2023، في حين يتوقع أن يرتفع إلى 3.3% في عام 2024. ويقول صندوق النقد العربي إن الدول العربية التي تبنت برامج إصلاح اقتصادي ورؤى واستراتيجيات لتنويع اقتصاداتها وزيادة متانتها النسبية، وإصلاح بيئات الأعمال، وتشجيع دور القطاع الخاص ودعم رأس المال البشري، أقدر على مواجهة الصدمات.
وفيما يخص الاقتصادات الخليجية، يرى صندوق النقد الدولي أن التوقعات القصيرة المدى لدول مجلس التعاون الخليجي في عام 2024، تحمل الكثير من الإيجابية، نظراً للنمو القوي في قطاعاتها غير النفطية، وذلك رغم أن التوقعات تميل إلى تباطؤ النمو في معظم دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال 2023، قبل أن تعود إلى التحسن بشكل طفيف في 2024، إضافة إلى مؤشرات على وصول التضخم إلى ذروته العام الماضي في معظم دول المنطقة ليعاود الانخفاض بعد ذلك، مع وجود بعض الاختلافات بين الدول.
وفيما يتعلق بالقطاع المالي، يلاحظ أن أسعار الفائدة استمرت في الارتفاع في المنطقة في عام 2023، وإن كانت بوتيرة أبطأ مما كانت عليه في عام 2022. بينما يتوقع أن يتم البدء في خفض أسعار الفائدة خلال النصف الثاني من عام 2024.
وعلى الصعيد المصرفي والمالي، اضطر القطاع المصرفي أن يرسم مساراً مليئاً بالتحديات على مدى الأعوام القليلة الماضية التي واجهت فيها المؤسسات ازدياداً في الرقابة والابتكار الرقمي والمنافسين الجدد.
وعلى الرغم من ازدياد أرباح القطاع المصرفي كنتيجة مباشرة لارتفاع أسعار الفائدة، فإنه يتحتم على المؤسسات المالية على مستوى العالم تغيير طريقة عملها التقليدية في مواجهة التحولات الهيكلية والاقتصادية الكلية الكبرى.
وتبرز الأولويات أمام الاقتصاديات العربية في عام 2024 على صعيد السياسات في ضرورة الاستمرار في إحراز التقدم المنشود على صعيد تنفيذ برامج الاصلاح الاقتصادي، وتبني التدابير التي من شانها تعزيز الحيز المالي اللازم لدعم مواصلة النمو، ومواصلة الإصلاحات الهيكلية الهادفة إلى زيادة مستويات المنعة الاقتصادية وخلق الوظائف للمواطنين.. علاوة على تبني سياسات كفيلة بمواجهة المخاطر المشتركة التي تواجه الاقتصادات العربية حالياً ممثلةً في دعم قدرة معظم الحكومات على تحقيق أهداف التنمية المستدامة، والوفاء بالالتزامات الدولية في إطار خفض انبعاثات الكربون، ومواجهة المخاطر المرتبطة بارتفاع مستويات المديونية والهشاشة المالية.
كما يتطلب تحفيز النمو في اقتصادات الدول العربية، وخصوصاً تلك التي تعتمد في دخلها على عائدات صادرات الطاقة، زيادة وتيرة التنويع في الاقتصاد وتنويع مصادر الدخل وموارد الميزانيات العامة.
كما أن هناك مؤشرات كثيرة على أن الاستثمار في التكنولوجيا الرقمية والتحول الرقمي سيكون النهج السائد في الفترة المقبلة. لكن لا يجب أن يقتصر الأمر على تكنولوجيا المعلومات والتحول الرقمي فحسب، على أهميتهما. بل تحتاج منطقتنا إلى استثمارات ضخمة، حكومية وخاصة، في مجالات البحث والتطوير في كل فروع العلم من هندسة وبيولوجيا وغيرهما.
رئيس جمعية مصارف البحرين
رئيس اتحاد المصارف العربية سابقا
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك