المجموعة الشعرية (ستهجرك البلاد) للشاعر البصري الشاب (حسام لطيف البطاط) والصادرة عن دار سطور للنشر والتوزيع في بغداد، والتي ضمت (16) قصيدة شعرية، وبواقع (99 صفحة) تمثل تجربة ممكن قراءتها ببعديها (السيكولوجي) و(السيسولوجي) عبر معطيات بناء النص من الناحية اللغوية والالهام (الالهام الذي ينبغ من نسق التكوين النصي عبر بيئة انتاج هذا النص) هنا هي البصرة بما تشتمله من تأثيرات على الشاعر (ذاكرته) (مفرداته) البصرة التي تعد كون الشاعر وامكنته مظاهره الجغرافية والمعمارية التي تؤثر على تأثيث مفرداته الشعرية لتشكل فضاء قصيدة تتجمل ببهاء هذا الكون عبر رؤية (مشرقة) وتارة تمثل لحظة (انكسار) تخيم عليها (مفردات الظلام الاعتباري والمادي ضمن معنى المفردة وبنائها معاً) هنا تكمن أهمية الالهام في استقاء المفردة حتى وان كانت حاضرة في ذاكرة الشاعر البصري (حسام البطاط) فتتشكل عبر مجموعته مظاهر الطبيعة وصور الكون وامكنته المختلفة ضمن فضاء قصدي احياناً وأخر ضمن فضاء اعتباري رمزي، واحياناً ضمن دلالة تتصف ببعدها النفسي لحظة اشتعال المفردة الشعرية (موضوع النص) سيما ان اغلبها مغلفة بالاسى والالم ولوعات الانسان إزاء وطنه وفقدانه لذاته، ابتداءً من العتبة الأولى، فهل يهجر البلد افراده ام يهاجر الفرد من بلده؟! هل هذا البلد معنى رمزي اعتباري ام استطاع ان يؤنسنه الشاعر ضمن مفردات نصه، هل مظاهر الطبيعة حاضرة بوصفها ضمن المؤنسنات الدالة؟ أم انها لحضورها مقاصد رمزية أخرى، سندخل في تحليل بنى تلك النصوص عبر خطاطات تفكيكية، ففي نص (عزف على قيثارة سومرية) ستجد التأثيث الاتي: (زهو الطين) (كبرياء الطين) (انكسار الضوء) (مدينة ثكلى) (السحاب، الطيف، الندى، الكون) (اختناق الأرض) (وجها للسماء) وفي نص (ايماءة لأشرعة الغياب) ستجد الاتي: (مدينة تهوي) (اكف الغيم) (والنخل ينشر في السماء عذوقه وعلى شراع الغيم تعلو مئذنة) (ذكريات الأمكنة) (ينتظر السراب) مستدعاة ومستلهمة عن عذاب الإنسان داخل وطنه جراء الحروب ولوعاته، وفي نص (حكايات واقنعة) ستجد الموحيات المتشحة بالأرض والماء الاتية: (نكهة الماء) (شطآنها نهر/ص19) (تمر نهراً من الألوان، لا سحب ترنو اليه ولا ينمو له شجرُ) (تستسقيان الرمل) ( فوق الماء تنهمر) (توقظ فجراً) (في الغيم تنصهر) (يغزو السماء) (عشب ذاكرتي) (الهازئون بارضي) (تطاول الليل) (من علم الناي ان الليل ينكسر!) وفي نص (طرقات على باب الرحيل) ستجد ملامح الفضاءات المفتوحة الاتية: (في الطرق القديمة) (تضيء الكون) وفي نص (خارج الحكاية) ستضيئ لإنتاجيتك قراءة متفتحة: (لا ضوء يريك امتداده) (نهارك طوفان وليلك مشنقة) (سنابل ضوء) (بأطراف السماء معلقة) (من نهر المدينة صورة) (رغم رحيل الضوء تشرق زنبقة) وفي نص تحضر ديمومة البيئة الخضراء: (نخلة المعنى) (مذ اغراك نهر!) (والليل عمرُ!) وفي نص (تجليات مسافر ابدي) يتناغم الضوء الرمزي مع ايماءة تشكلات اللون (اخضر يبعث على الحياة، ابيض صبح ونهار): (فثارت سماؤها، واوراق كالنجم الأخير فناؤها) (أوراق صبح مؤجل) (ستذكرك الأنهار، انفاس فجرها)( وايماءة للشمس) اطل سحاب الامس ، يغتال نجمة، يعز على وجه السماء اختفاؤها /ص52) (كنخلة عشق لا تموت حروفها) وفي نص (ما ضاع من عينيه ابن زريق) (وشاية الضوء / ليل غربته) (يا أيها القمر الكرخي) (فيمنح الورد ما تبقيه ادمعه) وتشكل ايقونة دوران الأرض محوراً لكل (الأشياء) ففي نص ضياع: (حيث الريح تحمله/ فيفضح الليل) (ماكنت تحسب ان الأرض ترتحل) وفي نص الشهيدة (سقيت ارضا عقيماً، لا سماء لها بدمعة فنمت في الروح اعشاب/ص74) ويحضر الليل بكامل هيئته ودلالته (الرمزية والمادية) سواء على مستوى دلالة اللون وبعده المادي، أو من حيث سكونه الرمزي وسرانيته، في نص (ما قاله الناي) (والليل لحن) (كأنك تستميح الكون عشقاً/ كأنك غارق في بحر طيش له شغف النوارس / ص76) وفي نص (لم يكن ذلك الليل ليلاً) (كانت الأرض حولي تمرغ قامتها بالسكون والمساء الذي غادرته القصائد صار يبحث عن قمر نابت في ضباب التجلي، كل تلك النجوم تلاشت على غفلة من ضياع/ص80) (لم يكن ذلك الليل ليلاً/ ليبحث عن زورق في السماء) وفي نص (قمر مسافر) (ينتظر السماء لعلها من بعد عام توقظ الموتى ليحتفلوا برحلتهم الى ارض البياض/ص86). ان قراءة نصوص الشاعر حسام البطاط هي قراءة لمحيط الانسان وذات الانسان، ليس الذات المنغلقة على جوانياتها، انما ذات ناقمة تتفرد برؤيتها وتفصح عن نقدها لموضوع المحيط (بتمظهراته الواقعية كافة)، انها ليس ايقونات دالة وحسب، انما مفردات شعرية تمثل طاقة الهام كبيرة للشاعر وتفرض هيكلها المعماري لتستقر ضمن بنية نصوصه ، فما يميز هذه النصوص سعة الصور الشعرية التي يستدعيها البطاط في موضوعات تمثل جوهر الانسان ضمن فضاء الحياة الواسع، فتشتبك اللحظة الشاعرية باللحظة الناقمة على (الموضوع/ الواقع) عبر مسندات تمثل صور الطبيعة وتشكل معمارية جمالية لنصوصه الشعرية.
{ ناقد وأكاديمي عراقي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك