الموضوع العام
تجربة من التجارب المسرحية التي يقدمها «مسرح الريف» من خلال أنشطته الدورية التي تهدف إلى تشجيع أعضائه الفنانين لصقل مواهبهم وجعلهم تحت مجهر الاهتمام والمتابعة، من أجل تعزيز الثقة بالنفس والوقوف على خشبة المسرح وتقديم الأفضل أمام الجمهور، قدم عرضاً لمسرحيته الجديدة «مقتل الحقيقة» فمن خلال النص المعد وذلك العرض الشيق على خشبة المسرح لمسنا أنّ هناك فعلا «حقيقة ضائعة» تجسدت أمام المشاهد على خشبة المسرح بكل معانيها وأبعادها الموضوعية التي تمثلت في ضياع تلك الحقيقة وغيابها عن نظر الضمير الإنساني، بكل ما تحمل من مأساة ومعاناة إنسانية. فنحن أمام حادثة إنسانية إجرامية يرتكبها ذلك المجرم بشراسة وقسوة دون رحمة أو عاطفة، ليخلق أثاراً وأوجاعاً دائمة داخل أحشاء المجني عليها.
فجريمة الاغتصاب والقتل والنهب هي جرائم لا تُغتفر ويعاقب عليها القانون شرعاً وقانوناً. واقعة تحتاج إلى تأمل من أجل الوصول إلى خيوطها وفك رموزها جيدا. هي رسالة واضحة أمام الجمهور المتلقي تعني أنّ هناك من هم يعانون ويعيشون هذه المأساة اليوم في حاضرنا وبصمت حيث الجراحات التي تنزف كل يوم ولا أحداً يطببها!
ذلك ما جسده لنا مخرج العمل الفنان علي محسن من خلال توظيفه الأدوات الفنية والإخراجية لمسرحية «مقتل الحقيقة» الذي قدمها مسرح الريف يوم السبت 30 ديسمبر 2023م في خاتمة العام فكان ذلك واضحا من حيث التعبير والحركة التي قام بها طاقم العمل بكل ثقة واقتدار بالرغم من حداثة التجربة المسرحية لطاقم العمل.
«مقتل الحقيقة» من تأليف د. طالب هشام بدن إعداد وإخراج الشاب الفنان علي محسن وتمثيل نخبة من فانيي المسرح، علي آريان، محمود عبدالحسين، فراس حميد، مهند عبدالحسين، رجاء درويش، سينوغرافيا علي حسن، متابعة إنتاج مهند عبدالحسين.
الرؤية الإخراجية
العرض جيد بشكل عام من حيث الإخراج الفني، إلا أن جانب إيصال الفكرة العامة للمشاهد واللعبة الفنية التي جسدها المخرج على خشبة المسرح والتعبير الواضح لدى جميع الممثلين.. الذين استطاعوا واقعاً تقمص أدوارهم بامتياز في رسمها على خشبة المسرح وتفاعلهم جميعاً أوجد التفاعل المطلوب، ويرجع ذلك إلى خلق البناء الفعلي الثنائي بين جميع الممثلين أثناء العرض.. لهذا حافظ طاقم العمل وبتوجيه من المخرج على الإيقاع العام للعمل طيلة العرض دون أرباك أو خوف وهنا ما يبشر بخامات فنية يتم صقل تجاربها والاعتماد عليها مستقبلا للنهوض بمسرح فتيّ كالريف.
أداء الممثلين
كان للممثلين حضور طيب في جميع المشاهد التي عشناها معاً من حيث الأداء والتركيز والحركة المرسومة تصاعدياً وتفاعلها العام من قبل جميع الممثلين حيث جاء ذلك في جميع المشاهد دون استثناء، حتى نهاية المسرحية التي فرضت نفسها لما تميزت به من بعد معنوي وموضوعي حرك مشاعر الجمهور وهي دلالة على نجاح النص كرؤية مسرحية في خاتمة المطاف.
عنصر الديكور
رغم بساطة الديكور الإيحائي والمنتمي إلى المسرح الفقير، فإنه خدم العمل في وجوده لما يحمل من بُعد فني من قبل المصمم، لذلك كان التفاعل واضحاً في حركته من قبل الممثلين وتوظيفه على خشبة المسرح بما في ذلك الإكسسوارات التي تم استخدامها.. سواء ذلك الجدار الفاصل أو المشيمة الرمزية التي خرج من رحمها ذلك الممثل وكأنها لحظة انفجار الحقيقة المرة التي شهدنا تحولاتها في النص المسرحي.
الإضاءة
جاءت مصاحبة لبعض من المشاهد التي بالفعل كانت بحاجة إلى إضاءة فعلية ليغذي بها فضاء تلك الحركة على خشبة المسرح بين حين وآخر، ولكنها لم توفق طوال مدة العرض نظراً لشح التجهيزات الفنية في الصالة المسرحية الصغيرة بمقر الريف.
وأخيراً.. أروع ما في هذا العمل هو التحدي والإصرار على تقديم مثل هذه التجارب الفنية في بعدها ولونها الفني والموضوعي التي تستهوي الجمهور وتصنع التحفيز في مفاهيمه الفنية والوجودية على خشبة المسرح من خلال قوامها ومعطياتها، فرغم تواضع هذا العمل إلا أنه تمكن من تقديم مسيرة الوجع الإنساني وحكاية تفاصيلها وتحولاتها المجتمعية في قالب فني قابل للاستهلاك محلياً.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك