المدير التنفيذي لشركة مصانع الزيرة.. بطلة قصة إنسانية وعملية ملؤها الألم والأمل والكفاح والنجاح.. صاحبة الإرادة الفولاذية.. سيدة الأعمال المصرفية.. نور نبيل الزيرة لـ«أخبار الخليج»:
يقول العالم الشهير توماس إديسون: «سقوط الإنسان ليس فشلا.. ولكن الفشل أن يبقى حيث سقط»!
نعم، ليس هناك أجمل من تلك القوة الخفية التي تمكن صاحبها من النهوض بعد السقوط، إنها الإرادة التي تدفعه إلى الإقدام نحو الخطوة الأولى في طريق الكفاح ومن ثم النجاح!
وهذا ما تؤمن به فعليا هذه المرأة التي قالت لنفسها ذات يوم «حتى لو هزمت.. لكنني لم استسلم أبدا.. فبداخلي طاقة ستمكنني من تحقيق أهدافي مهما واجهت من حروب وصعوبات»! وبالفعل سارت في طريقها بكل عزيمة وإصرار، حتى بلغت ما أرادت، لتثبت أن ما ظنته قلاع من صخور في يوم إنما كان مجرد حصون من ورق، سرعان ما هدمتها وهزمتها في معركة الصراع من أجل البقاء.
نور نبيل الزيرة، المدير التنفيذي لشركة مصانع الزيرة للمنتجات البلاستيكية والورق والأثاث وصناعة الخشب، امرأة من طراز خاص، أيقنت أن الإرادة تصنع نصف الطريق، فبذلت الغالي والنفيس لتحقيق هدفها لإحياء مصنع والدها -رحمه الله- وإعادته إلى عصره الذهبي، بعد أن تعثر وتوقف لسنوات طوال لم تفقد خلالها الأمل مطلقا، فرغم ما تعرضت له من إحباطات وضغوطات وابتزازات، فإنها بتكاتف عائلتها استطاعت أن تحيي مشروع أبيها، وتبدأ به عهدا جديدا من العمل والإنجاز والتألق على الساحة، وذلك رغم أنف الكثيرين من حولها.
حول هذه القصة البطولية الملهمة كان الحوار التالي:
حدثينا عن نشأتك؟
لقد كنت طفلة سعيدة للغاية، تعيش أجواء عائلية ملؤها الحب والترابط، ومدللة من قِبل أبي خاصة، ومع ذلك فقد كان يسعى دوما إلى غرس روح المسؤولية بداخلي منذ الصغر، ويمنحني الكثير من المهام، واتخذت منه قدوة لي في الحياة حتى أصبح حلمي أن أكون مثله في المستقبل، وأحتل منصبا كبيرا ومرموقا في المجتمع، فقد كان رئيسا لعدة شركات، وعضوا في غرفة تجارة وصناعة البحرين، وفي سباق الخيل، وفي جمعيات مختلفة، وأذكر أنه كان دائما يقول لنا إن استثماره الأكبر هو في تعليم أبنائه، وأنه لن يقدم لنا أي دعم مادي ويجب أن نعتمد على أنفسنا ونجتهد من أجل تحقيق طموحاتنا، وكان ذلك يمثل حافزا كبيرا بالنسبة إلينا للكفاح والنجاح، وكأنه كان يشعر بأنه سوف يفارقنا مبكرا.
ما أثر فقدان الوالد على مسيرتك؟
لقد توفي والدي وأنا عمري 23 عاما أثناء دراستي لرسالة الماجستير في إدارة الأعمال، وكنت قد بدأت مشواري العملي بالفعل أثناء المرحلة الجامعية في فترة الصيف في أحد البنوك، وبعد فقدان أبي عاهدت نفسي ألا يشعر أحد من عائلتي بأي احتياج أو نقص، وبالفعل أصبحت إنسانة مسؤولة في عمر مبكر، واستمررت في القطاع المصرفي حوالي عشر سنوات، ثم انتقلت إلى العمل لدى إحدى الشركات الصناعية وحتى اليوم.
كيف تعاطيتِ مع صدمة الفقد؟
لا شك أن فقدان الوالد مبكرا وبشكل مفاجئ مثّل صدمة شديدة بالنسبة إلينا جميعا، وخاصة في ظل مواجهة الكثير من الخلافات والمشاكل التي استمرت مع الأعمام بعد وصولها إلى قاعات المحاكم، حيث تم فرض الحراسة القضائية على المصنع، الأمر الذي ضاعف من ضغوطات الحياة التي كان يجب علينا التعامل معها بكل إيمان وثبات وثقة في الخالق سبحانه وتعالى، ولله الحمد ثبتت براءة والدي من تهمة التشكيك في ذمته المالية بعد وفاته، وبالفعل سعيت أنا وأختاي دنيا وريم من أجل توفير حياة كريمة لأسرتنا وإكمال تعليم أخي وأختي في المدارس الخاصة، وكان تحديا كبيرا بالنسبة إلينا ولكننا كنا بقدره، ويمكن القول بأننا استفدنا الكثير من العِبر والدروس مما مررنا به من صعوبات أو عثرات.
وما أهم تلك الدروس المستفادة؟
الخلاف بين أبي وإخوته غرس بداخلنا قيما جميلة في مقدمتها أهمية توافر الحب والترابط العائلي فيما بين أفراد أسرتي، وعدم السماح لأي أمور مادية أن تؤثر سلبا على علاقتنا مع بعضنا البعض، ويرجع الفضل في ذلك بالمقام الأول إلى والدتي التي حرصت دوما على غرس هذه القيم في نفوسنا، وهذا ما منحنا القوة والثبات حين تم وضع المصنع تحت التصفية الإجبارية في الفترة من عام 2016 إلى 2020، وبالطبع مررنا بظروف صعبة للغاية، قررنا على أثرها بيع أرض من أملاكنا لشراء المصنع، وقد قمنا بإعداد دراسة جديدة لوضع المصنع وإعادة هيكلة شاملة له ولمنتجاته وللتكنولوجيا المستخدمة به، وتمت إعادته للحياة من جديد بعد توقف سنوات طوال.
أصعب التحديات التي واجهتك؟
لم أكن أتوقع كل هذا الكم من الدعم والتسهيلات التي وجدناه خاصة لكوننا نساء من الجهات المعنية، فقد حصلنا على دعم من صندوق تمكين ومن ريادات الأعمال ومن الوزارات المختصة، وتعاون معنا الجميع من أجل تحقيق هدفنا حتى داخل أروقة المحاكم، الأمر الذي أشعرنا بشكل فعلي بمدىي توافر حقوق النساء في وطننا، وخلال ثلاث سنوات أصبح المصنع متكاملا من كافة الجوانب وبدأ عهد جديد.
الخطوة القادمة؟
نحن في طريقنا إلى العمل بكامل طاقة المصنع وإنتاجيته، ولله الحمد بدأنا في تحقيق الأرباح وخاصة في قسم النجارة والأثاث الذي تم إضافته مؤخرا، وهذا بعد خسائر استمرت حوالي ثلاث سنوات، تقاسمناها فيما بيننا عن طيب خاطر، فالماديات لم تكن لها الأولوية قط بالنسبة إلينا، فهكذا نشأنا وتربينا.
نقطة تحول في مشوارك؟
من أصعب المواقف التي مرت بي كان حين سافرنا ذات يوم أنا وعائلتي في رحلة سياحية خارج البحرين ثم فوجئنا هناك بفرض تعميم على حساباتنا البنكية الشخصية، وقد مثلت هذه الأزمة نقطة فارقة في حياتي، حيث قررت هنا الإلمام بكافة الأمور القانونية والمالية، والبحث عن حلول بديلة لأي مشكلة قد تواجهني، وأذكر أن القاضي المختص بالقضية تعاون معنا كثيرا وخلال عشرة أيام تم رفع التعميم.
ماذا علمتك تلك الأزمة؟
لقد منحتني تلك الأزمة الكثير من القوة والشعور بالاستقلالية، وكيفية النهوض بعد أي سقوط، والإيمان القوي عند مواجهة أي صعوبات، وهذا ما عاهدته من والدي الذي كان بالنسبة إلي رمزا للقوة، فكان رحمه الله يواجه الحروب بمفرده، ولا يفصح لنا عن أي مشكلة تواجهه، وأذكر أنه في فترة من الفترات توقف معاشه مدة ثلاثة أشهر بسبب خلافاته مع اخوانه، وقد علمنا بذلك بعد وفاته، وأدركت هنا كم كان صبورا ومثابرا وقويا.
هل ترين أن المادة هي المسيطرة اليوم؟
نعم، للأسف الشديد نحن نعيش اليوم في زمن طغت فيها الماديات على الإنسانيات في كثير من الأحيان، حيث تراجعت روابط المحبة والتعاملات بضمير بين الناس وبعضها البعض، وقد تعلمت من تجربتي الشخصية والظروف التي مرت بي أن أراعي الخالق في جميع تصرفاتي وخطواتي وأن الكفاح هو طريق النجاح، وأنه ليس هناك مستحيل أمام الوصول إلى هدف ما طالما توافرت الإرادة والإصرار، وهذا ما حدث بالفعل مع هدف إعادة إحياء مصانع الزيرة إلى زمن ازدهارها، وكم نحن سعداء بمواصلة مسيرة والدي وجدي اللذين تركا إرثا صناعيا بارزا ومتميزا على الساحة.
حلم ضاع وسط زحمة الحياة؟
كنت أتمنى أن أصبح أما في سن مبكرة، ولكن ظروف الحياة ومسؤوليتي العائلية وأهدافي العملية اضطرتني إلى تأجيل الزواج حتى عمر 33 عاما، ولله الحمد رزقت بزوج يعتبر أكبر داعم لي في كل خطوة، وهو يدرك جيدا أن مصنع والدي يتربع على قمة أولوياتي، وكم أنا فخورة بأنه يتمتع اليوم بقاعدة قوية وسط مصانع المملكة.
ما هي خطتك المستقبلية؟
أتمنى أن يأتي اليوم الذي أصل فيه بمنتجات مصنعنا إلى الأسواق الأوروبية، فهذا كان حلم والدي دوما، وكلي أمل في تحقيقه من أجله وفاء له، ولا شك أنني أستشعر حاليا مدى فخره بي، وبما حققته، فكم كان حزينا لما آلت إليه أوضاع مشروع عمره قبل وفاته، وأحمد الله سبحانه وتعالى على نجاحي في الحفاظ على جهده وتعبه سنوات طوال، وعلى التمكن من الوقوف بكل قوة في وجه ما تعرضنا له من حروب وابتزاز حتى من أقرب الناس إلينا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك