(صارعت جوف والدتي حيثُ إنها تألمت وكان جزائي حياةٌ بائسة) لا أدري ما هو الحق الذي أُعطي لي لأكتب عن هذه النصوص سوى أنها قد اقتربت كثيراً إلى مجرى الروح والحقيقة أنه كان لا بد من كلمةٍ تُقال.
نصوص (محتشمة لكنها عارية) للكاتب والشاعر الشعبي محمد علاء صدر من دار نشر وطباعة ماركيز عام 2020.
لغلاف الكتاب حكاية وحدها فتلك الفتاة التي أحنت رقبتها لا تشبه كثيراً قيمة الحياة لدى الجميع... يوحي للقارئ أن تلك النصوص تخص أنثى قد تماهت كثيراً في ملذات الحياة... لكن حواراً يُعّرف العري على انه حياةٍ خادعة كم أوقعت في شباكها من القلوب وأسرت الأرواح حتى أضاعت الطريق.
الحقيقة المُرّة التي يجب ان تتقبلها كل نفس رافضة لواقعها الفج المرير.. ثمة اختلاف كبير بين دقيقة وأخرى وبين نفسٍ وآخر.. وأنت حين تقرأ هذه النصوص ستدرك أنك تشهق وجعاً في كل حرف دون أن تعي أنها لمست الجرح.. في النصوص صدق واضح لتجارب حقيقة ربما عاشها الكاتب فدون بعضهاً مخاطباً كل نفس مرت بهذه التجارب مضيئاً الطريق لتلك الأرواح التائهة في ظلمات الحياة تبحث عن إجابات سرمدية لمزاجياتها الفذة.. فالكتاب وضع النقاط على الحروف بصورة رمزية حقيقية بسيطة ومعقدة بذات الوقت تشابكت معها الحقيقة بالوهم وتصاعد من تناثر وجعها دخان القلوب التي احترقت من نار الحياة المتخمة بالانتقام من بني البشر (لا توجد شماتةٌ أكثر من تلك المجموعة التي كانت تبتسم وانت تبكي مجيئك للحياة) تقف عند هذه الكلمات كل المشاعر البشرية التي ربما تذوي بسبب ما مر به كل فرد وحسب مستوى وجعه؛ الأمر ينطبق على حياة الكاتب أيضاً نحن نأتي الحياة بصرخة هستيرية بعد أن يتم ضربنا رغماً عن السكوت.. فتجد هذا الفعل مداعاة للفرح والسعادة ها قد أتى بائسٌ آخر لهذه الحياة تهلل الأم سعيدة ويضحك الاقرباء فرحاً وهم يستمعون بكل نشوة لتلك الصرخات والبكاء.. في مصطلح الحياة لا يوجد غير الكليشيهات التي تؤطر كل شيء فانت عندما تكمل إبرام صفقتك وأنت قابع هناك في رحم أمك تكون قد أسديت النقاء خدمة بأن يزيح عن كاهله روحاً أخرى من الله.. وبهذا أنت توافق على أن يكون الألم سيد الموقف والوجع خيطٌ تستتر به عن عيون الملأ المنتظرين قصة البدء بهذا الفلم الجديد الذي اسمه (القدر).
النصوص تعطي رؤية واضحة عن حياتنا الراهنة ربما تعطيك درساً في المعرفة الفذة لما تجهله حقاً عن نفسك.. الناقد للماضي والحاضر والمتنبئ لحقيقة المستقبل بواقعية إدراكية تختلف بمسارها عن واقعية الفهم والإدراك الآني للحقائق.. فهو يقول «لو لم تُخلقوا من طينٍ.. لَبَانَ ما في داخلكم.. لكنكم محظوظون» النفس البشرية بطبيعتها ملوثة تبدأ تلك اللوثة مذ لحظة استنشاقه هواءها يكبر في مجتمع بليد تحوطه الأفكار المسمومة وينتقص أفراده بعضهم البعض بصورة سيئة مظلمة وهكذا تنشأ الأجيال على مرأى ومسمع الظلام... هنا يرتدي كل شخص ما يراه مناسبا من قناع حتى يتعامل به مع الاخرين كلٌّ بحسب مستوى ضحالته.
تستمر في العيش ضمن مصيبة الحياة لكنك تدرك أن هناك ما يلطف من هول المصيبة وهي أنك ستعبر الضفة الأخرى التي لن يطاردك فيها وجع أو ظلام، تنتظرك حياة أخرى لن ترى فيها هذه الوجوه الضحلة.. ومهما كان صمتك طويلاً فالروح تنطق والكلمات تنطق والحقيقة تنطق ليس بالضرورة أن ينطق اللسان.. نشعر بالغبطة أحياناً عندما نرى أولئك المتصالحين مع أنفسهم الذين اتخذوا من الصمت ملجأ ومن الوحدة بيتٍ دافئ يقيهم من قساوة الآخرين.. لكنهم قلة قليلة فالطبيعة البشرية اجتماعية بطبعها تنبلج خصالها على السنة الآخرين بالسلبية أو الإيجابية وبهذا تتأثر الطبيعة الإنسانية ببعضها البعض.
إن الفكر العقلي ومنهجه يرتبطان بشكلٍ كبير مع الخطاب الصادق الحقيقي وصلاحيته غير المحدودة في تغيير الأفكار وهنا يخاطب النفس مرة والحياة تارة أخرى بمشاعر إنسانية بحتة مشاعر كانت أم أحاسيس ويجمعهما في منهج الوجدان والفطرة الوجودية (من أعراض الموت: (ستكون الحياة جميلة) يعطيك طريقة فذة في تقبل نهايتك المحتومة وان كنت رافضاً لها.. لكنه يربط الموت بمشاعر الحب والوفاء تارة أخرى «أعلم بأنني سأموت في المشفى وسيكتب الممرض على سريري كان سبب وفاته وفاءهُ، الدليل على وفاتي أنني موجودٌ في الحياةِ، الموت سيفقدك الحياةَ والحياةُ ستقتلك شيئاً فشيئاً» أبدع الكاتب في إيصال رسالته بكل تلك البساطة المعقدة واستمرت النصوص بتلك النسبية تتحرك ما بين شذب وجذب تأخذك مرة لقمة الامل وتنزل بك تارة لقاع الألم.
شحذ الكاتب في تلك النصوص كل مفاهيم أنسنة المشاعر حتى تلك المفاهيم البليدة التي يتم تجاهلها ولا ينتبه لها أحد والتي تنبت بجذورٍ راسخة في القلب لتجعله ينهار في اية لحظة من الأكاذيب المفرحة (سيكون بقربك من وعدك بذلك) وبهذا أخذ الكاتب دور الناصح تارة ودور الضحية تارة أخرى ودور المتقبل لكل تلك المصائب التي يختبرها بشكلٍ يومي في حياته.
أبدع في وصف الحبيبة والحب والخذلان والموت والحياة حتى خاطب الروح والنفس والقلب بدفء جميل.
كاتب من العراق – البصرة
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك