كتب: المحرر الثقافـي
بعد عمر طويل، وانشغال لا يهدأ بفن المسرح الذي حمله كالوليد الصغير على قلبه، سنوات انشغل فيها بحلمه وبإصراره على أن يكبر هذا الحلم، وهو الذي قال عنه واصفاً إياه الراحل الفنان والمخرج الكبير عوني كرومي: «بالصعلوك المشرد» إنه المخرج والفنان المسرحي عبدالله السعداوي الذي غادرنا صباح أمس السبت، بعد مسيرة فنية امتدت بعمر قامته الرائدة.
فالفنان عبدالله السعداوي، مخرج وممثل وكاتب سيناريوهات مسرحية، وناقد في مجال السينما والمسرح والأدب والقضايا الفكرية المتنوعة، حيث بدأ حياته الفنية في عام 1964 من خلال الاطلاع على المؤلفات المسرحية العالمية.
التحق السعداوي بفرقة المسرح الاتحاد الشعبي في مدينة المحرق ليشارك في أول عمل مسرحي تقدمه الفرقة تحت عنوان (انتيجونا)، وذلك في عام 1970.
شارك في تأسيس مسرح السد مع الفنان القطري غانم السليطي وعدد من الفنانين، وفي عام 1975 سافر إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، وشارك في تأسيس مسرح الشارقة مع عدد من الفنانين الإماراتيين، والتقى حينها الفنان العراقي جلال إبراهيم، الذي أثر في مسيرة السعداوي الفنية.
بدأ تأسيس مختبر نادي مدينة عيسى، واستقطب فيه الشباب، الذين قدم معهم أول عمل في عام 1986 بعنوان «الرجال والبحر»، كما أسس في عام 1991 - بالتعاون مع عدد من الفنانين - مسرح الصواري الذي يعد ثالث فرقة مسرحية أهلية في البحرين.
أسهم في تأسيس مهرجان الهواة، الذي يقيمه مسرح الصواري في أغسطس من كل عام، وحصل على جائزة الإخراج في مهرجان القاهرة التجريبي عن مسرحيته «الكمامة» كما نال الكثير من الجوائز، وتم تكريمه في كثير من المناسبات.
أخرج كثيرا من الأعمال المسرحية منها: «الرجال والبحر» لعوني كرومي، «الصديقان» لمحي الدين زنكنة، «الجاثوم» ليوسف الحمدان، «الرهائن» لعصام محفوظ، «اسكوريال» لميشيل دي غيلدرود، «الكمامة» لألفونسو ساستري، «القربان» لصلاح عبدالصبور، «الطفل البريء» لبريم تشند، «الكارثة» لعبدالله السعداوي، «الستارة المغلقة» لمحمد عبدالملك، «ابني المتعصب» لحنيف قريشي، «بورتريه» لغالية قباني، «الحياة ليست جادة» لخوان رولفو، «الساعة 12 ليلا» لعبدالله السعداوي.
وفي السيرة من حياة عبدالله السعداوي ما يحفز الآخرين على غرس أسس بناء المسرح الحديث، المسرح الذي يراه السعداوي شجرة لها جذور في سماء أوسع من حلمه لكنه يصر على كسر كل هذه المحبطات، ضمن مسيرة احترق بجذوتها ومازال مصراً على احتضانها، كونه في موقع المسؤولية التي تقيده ولا تترك له فرصة الابتعاد عنها، كونه مؤمناً إن الضوء لا يشعل الوشيعة دون جذوة مختبئة في الرماد.
فالمسرح عالمه الذي فضله على كل الفنون، معتبراً أن الجنون هو المسرح وأن اللعب على تحريك خشبة المسرح لا ينبئ بالحلم وحده، فالأيام التي استوطن مرابعها تركت له عرسا واحدا وهو العريس يجر طيفه كل مساء ليشغل الآخرين بحيرة السؤال، قد يكون صعبا لكنه لن يكون مستحيلاً، فالفناء في عالم فن المسرح هو عالم عبد الله السعداوي، صحوة تقرع أبواب الكنائس ومآذن لا تقلق تسابيح دون فضاء مسرح الحياة، عالم يغسلنا بالنقاء، ويحملنا رسالة البناء، كما رآها السعداوي ولم يهدأ وهو الآن يتنحى ببياض سنوات عمره، في زمن قاس، وذاكرة مشوهة، لكنه مؤمن أن الوليد سيقطع قماط حبسه ويعود بالرقص فوق خشبة المسرح، دنيا يشعلها جنون لا يقبر!
ولن نقول: وداعاً للسعداوي، ولن نغلق المسرح لأنك لم تغادره ولم تتركنا وحيدين.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك