الرأي الثالث
محميد المحميد
malmahmeed7@gmail.com
الخطر الصامت.. والهوية العربية
جاءت كلمة «الخطر الصامت» التي أشار إليها وحذر منها، الفريق أول معالي الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة وزير الداخلية، في كلمته خلال اجتماع مجلس وزراء الداخلية العرب في تونس، لتلقي الضوء على أهم وأبرز التحديات، الحاضرة والمستقبلية التي تهدد أمن المجتمع العربي.
تكمن خطورة هذا الأمر، أنه يتسلل إلى ثقافة وهوية الأمة، وعقول الناشئة والشباب، بصورة صامتة لا ينتبه لها، نظرا إلى تعدد صورها وأشكالها، ونظرا إلى تغلغلها في كافة الممارسات والوسائل التي يستخدمها الجيل الحالي، وهي تندس بين الأمور بشكل طبيعي وبطيء، تتراكم مع الزمن، وتكون نتيجتها جيلا مغتربا عن وطنه وهويته الأصيلة، وهو يعيش داخل بلاده وبين أسرته ومجتمعه.
في العلوم الطبية يعتبر الإجهاد المزمن وارتفاع ضغط الدم هو القاتل الصامت، وأن هشاشة العظام هي الخطر الصامت.. وفي العلوم العسكرية يعتبر «صدأ» المعدات العسكرية هو القاتل الصامت للجيوش، فهو يدمر كل الأسلحة والجاهزية، وتبلغ تكلفة الخسائر التي يحدثها «الصدأ» في أمريكا حوالي 437 مليار دولار، أي ما يعادل 3% من ناتجها المحلي الإجمالي.
لذلك كانت إشارة وتحذير معالي وزير الداخلية عن «الخطر الصامت»، توصيف الطبيب الماهر، والعسكري الخبير، والاجتماعي الحكيم، لحالة مجتمعية يجب التصدي لها، وحماية المجتمع وأجياله من تداعياتها.
«الخطر الصامت» كما قال وزير الداخلية: يحاول غزو ومداهمة هويتنا العربية ومقاصدها، بمتغيرات فكرية سلبية دخيلة، غايتها عزل الأمة عن ثوابتها وقيمها الأصيلة، والسعي إلى استبدالها بثقافة مستوردة، مثل ثقافة العنف والكراهية وافتعال صراعات داخلية تحت شعارات هدامة، مما يجعل المحافظة على هويتنا العربية هي المصدة الأولى والطريق السليم لقوتنا وصلابة أمننا واستقرار مجتمعنا.
الحديث عن الحفاظ على الهوية العربية، تكرر كثيرا ومرارا، في كلمات وزير الداخلية أمام اجتماعات مجلس وزراء الداخلية العرب، إيمانا منه بأنها العلاج والحل، وهي الصد والحصن لحماية المجتمع العربي وأجياله من الغزو الثقافي العصري، بشكله السلبي الخطير، وفي تعزيز وترسيخ الهوية العربية وقاية وحماية لكل المقومات والثروات، والجهود والميزانيات، وفي التفريط فيها وإهمالها خسائر جمة لا تحصى على مختلف الشؤون وركائز المجتمع.
هويتنا العربية – كما ذكر وزير الداخلية – تُجسد الإحساس الكلي القوي من خلال الارتباط بقواسمنا المشتركة، المرتكزة على اللغة والدين والتراث والثقافة، فهي لا تعبر عن نفسها ضمن حدود زمانية ومكانية، بل هي إطار جمعي عروبي يقوم على مفهوم الانتماء العربي؛ لأن الانتماء هو التأصيل الحقيقي للهوية وعصب وجودها، والتوصيف العام للهوية العربية هي أن تكون أطروحتها أمننا الاجتماعي وبالتالي لا بد من وضع الآليات المناسبة والسُبل الكفيلة للنهوض بهويتنا العربية، وأن لا تكون رهينة للظروف.
ولدينا في مملكة البحرين قصة نجاح متميزة في المبادرات الهادفة لتنفيذ الخطة الوطنية لتعزيز الانتماء الوطني وترسيخ قيم المواطنة «بحريننا».. وهذا المشروع الناجح ينبغي أن يكون مثالا ونموذجا لكل الدول العربية، عبر تعزيز الهوية العربية، وهو بالتمام ما أوصى به الوزير في الدعوة إلى فتح المجال والتشجيع على تقديم المبادرات والبرامج التي يمكن أن تتبناها أمانة مجلس وزراء الداخلية العرب من أجل تعزيز الهوية العربية وتقويتها باعتبارها رمز حضارتنا والدالة على قوة ومتانة دولنا واستقرار أمننا المشترك.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك