يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
مساعدات إنسانية مسمومة
أمريكا والدول الأوروبية تتسابق هذ الأيام للحديث عن المساعدات الانسانية للفلسطينيين في غزة. يتحدثون عن الضرورة القصوى لتقديم المساعدات وعن إيجاد سبل مبتكرة لإدخالها إلى غزة وعن تكثيف إنزال المساعدات جوا أو إقامة رصيف بحري.. وهكذا.
الذي يتابع هذه التصريحات قد يتصور أن أمريكا والدول الأوروبية قد غمرتها فجأة مشاعر إنسانية فياضة وأصبحت تتعاطف مع الشعب الفلسطيني وأنها جادة في موقفها هذا.
بطبيعة الحال في ظل الأوضاع الاجرامية الكارثية التي يعيشها أهلنا في غزة وحرب الابادة التي يتعرضون لها، لا نملك الا ان نرحب مبدئيا بأي مساعدات إنسانية يتم إدخالها إلى القطاع.
ومع هذا، نقول بلا تردد ان موقف أمريكا والدول الأوروبية من المساعدات على هذا النحو هو موقف مشبوه. الإطار الذي يسوّقون فيه لهذه المساعدات يجعل منها مساعدات مسمومة، فوراءها نوايا لا إنسانية بالمرة.
كي ندرك هذا ما علينا سوى أن نتأمل الجانبين الآتيين:
الأول: كل منظمات الإغاثة الدولية أعلنت مرارا وتكرارا ان إنزال المساعدات جوا او عن طريق البحر هو مجرد مسكنات لا تحل الا جزءا يسيرا جدا لا يكاد يذكر من الكارثة، وأن ادخال المساعدات برا هو الطريق الأسرع والأكثر فعالية لإغاثة الشعب الفلسطيني.
ومعروف بالطبع ان الكيان الصهيوني يرفض إدخال المساعدات برا لهذا السبب بالذات، أي لأنها الكفيلة فعلا بمساعدة الشعب الفلسطيني.
اذن، فإن أمريكا والدول الأوروبية حين تتحدث عن اساليب أخرى لإدخال المساعدات، فهي في حقيقة الأمر تتهرب من مسؤولية إجبار الكيان الصهيوني على السماح بدخول المساعدات الكافية برّا.
بعبارة اخرى هذه الدول الغربية بحديثها عن المساعدات بهذا الشكل وفي هذا الإطار فإنها تغطي على الجريمة الأكبر، جريمة العدو الصهيوني بتعمد عدم السماح بإدخال المساعدات.
والثاني: العالم كله يتحدث اليوم عن جريمة حرب التجويع التي يشنها الكيان الصهيوني في غزة. هذه الحرب الهمجية يواصل العدو ارتكابها بأبشع السبل والأساليب. تابعنا كيف يقوم العدوّ بقتل مئات الفلسطينيين أثناء انتظارهم المساعدات، وكل يوم يرتكب جرائم من هذا النوع. بل ان العدو يتعمد قصف مستودعات منظمات الإغاثة في غزة ويحرق ويدمر المواد الاغاثية الموجودة بها.
هذه الجريمة.. جريمة حرب قتل الفلسطينيين جوعا من أبشع جرائم الحرب والإبادة.
ورغم هذا وبدلا من ان تتدخل أمريكا والدول الأوروبية وتجبر الكيان الصهيوني على وقف هذه الحرب، تلجأ مرة أخرى الى التستر عليها ومحاولة تجميل الوضع بالحديث عن مساعداتها الإنسانية الهزيلة جوّا او بحرا.
حتى التقارير الغربية نفسها التي تنشرها الصحف والمجلات لم تستطع تسويق هذه الخطط الغربية عن المساعدات وأثارت الشكوك حولها.
على سبيل المثال مجلة «بولتيكو» الأمريكية نشرت تقريرا تقول فيه: بالنسبة لمراقبي الحرب الإسرائيلية على غزة، فإن خطوة إنزال المساعدات من السماء تشير إلى عجز بايدن عن إقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بفعل المزيد للفلسطينيين الذين يعانون، ونقلت عن دايف هاردين منسق المساعدات الإنسانية السابق في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية قوله: «إننا نبدو في موقف ضعف بنسبة 100%، ومسؤولو الإدارة يفعلون ذلك فقط ليجعلوا أنفسهم أفضل».
صحيفة «الجارديان» البريطانية من جانبها اعتبرت ان اعلان الرئيس الأمريكي بايدن تقديم المساعدات بهذا الشكل معناه أنه «تخلى عن إمكانية إقناع إسرائيل في المستقبل القريب بتنسيق جهود إغاثة كبيرة برية في ظل شبح المجاعة الجماعية التي تخيم على جميع أنحاء غزة».
تحفظ مهم على مثل هذه التقارير الغربية. هم يعتبرون ان ما يحدث تعبير عن عجز بايدن عن الضغط على الكيان الصهيوني وإجباره على وقف حرب التجويع التي يشنها. هو في الحقيقة ليس عجزا. هي مشاركة مقصودة في هذه الحرب ومحاولة لصرف الأنظار عنها.
بالأمس، قال الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية جوزيب بوريل: «إن المجاعة في غزة تستخدم سلاح حرب. توجد مجاعة بالفعل في غزة، فمئات الآلاف من الناس يموتون وهم يتضورون جوعا، وبينهم العديد من الأطفال الذين يموتون بسبب سوء التغذية. إسرائيل تسيطر على الحدود ولا تسمح بدخول المساعدات، أنتم تمنعون وصول المساعدات والناس يتضورون جوعا، أليست هذه علاقة منطقية بين السبب والنتيجة؟».
هذه هي القضية بالفعل.
اذن، أمريكا والدول الأوروبية حين تثير ضجة حول المساعدات بهذا الشكل، فهي إنما تقول للكيان الصهيوني: امض قدما في حرب الابادة والتجويع التي تشنها، ونحن لن نمنعك أو نجبرك على شيء.. نحن سنحاول صرف الأنظار عنها والتستر عليها.
لهذا نقول ان هذه مساعدات إنسانية مسمومة وراءها نوايا لا إنسانية.
وللقضية جوانب خطيرة أخرى.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك