يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية
الأسبوع الماضي عُقد في مكة المكرمة مؤتمرٌ كبيرٌ شارك فيه عدد كبير من العلماء والمفتين من مختلف المذاهب والطوائف الإسلامية تحت عنوان «بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية».
المؤتمر أصدر في ختام أعماله وثيقة مهمة هي «وثيقة بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية».
الوثيقة مطولة وتفصيلية وتضم 28 بندا، ويمكن تلخيص أهم ما تضمنته ودعت إليه في الجوانب الآتية:
أولا: تأكيد أن المسلمين أمة واحدة، وأن الوحدة الدينية والثقافية للمسلمين واجب.
تقول الوثيقة: «المسلمون أمّةٌ واحدةٌ، يَعبدون ربّاً واحداً، ويتلُون كتاباً واحدا، ويتّبعون نبياً واحداً، ويَجمعُهم –مهما تناءت بهم الديار– قبلةٌ واحدة، وقد شرّفهم الله تعالى باسم الإسلام الجامع». وتؤكد أن «الوحدة الدينية والثقافية للمسلمين واجبٌ ديني متأصل في وجدان الشعوب المسلمة. وفي سياق تأكيد وحدة المسلمين تذكر الوثيقة الوحدة حول «تحقيقُ مقاصد التشريع في حِفظ الضروريات الخمس؛ فـ(الدين مرتكز الهوية الإسلامية ومحورُها)، و(حرمةُ النفس تعني الكرامة، والأمن، والحياة)، و(رعايةُ العقل تحفظ توازن المجتمع من الإفراط والتفريط، أو الخروج به عن جادة الحكمة والرَّشَد، أو الانسياق في مزالق الخَطَل والسفه)، و(حمايةُ العِرض صيانةٌ لقيم المجتمع، ولا سيما حفظ حرمة أفراده، وسلامة جماعته)، و(حفظُ المال مشتمل على حراسته من الاعتداء، وصيانته من التعدي والفساد)، وإذْ تعددت الدول الوطنية في الزمن المعاصر فثمة ضرورة سادسة هي (حفظ الوطن، وذلك من أي مساس بهويته، أو أمنه، أو مكتسباته، أو عموم مصالحه)».
ثانيا: تأكيد أن تعدد المذاهب الإسلامية أمر طبيعي ليس مدعاة للفرقة.
تقول الوثيقة: تعدُّد المذاهب والرؤى بين المسلمين يُحْسَب في جملة السنن الكونية القَدَريَّة التي قضت بحتمية الاختلاف والتنوع لحكمةٍ أرادها الخالق جل وعلا، وهو –في مجمله– يعودُ إلى عواملَ منهجيةٍ، تتعلق بأُسُس منطلقات المدارس الإسلامية، وإلى متغيراتٍ تتصل بظروف مكانية وزمانية وعرفية، ولا بد من استيعاب تلك السُّنة والتعامل معها بوعي وحكمة، وفي طليعة ذلك الحذرُ من أسباب الفُرقة والشتات؛ فإنّ ما يَجمع أتباع المذاهب الإسلامية أكبرُ مما يفرّقهم، وإن ما يوحّدهم من مستحقات الأخوة الإسلامية أعظمُ ممّا تتعدد فيه رؤاهم.
ثالثا: التحذير من مخاطر التعصب المذهبي والطائفي.
تقول الوثيقة: «المشتركاتُ الإسلاميَّةُ مبادئُ راسخةٌ تَجمع في رحابها الواسعة تنوّع الأُمّة، وتتجلى بها مقومات الوَحْدَة، ومشاعرُ الأُلْفة والمسؤولية المشتركة، لتزرع بوعيها الداخلي مناعة ذاتية تواجه بها مخاطر التعصبات المذهبية والنعَرات الطائفية».
كما تقول الوثيقة: «الشعاراتُ الطائفيةُ والحزبية بممارساتها المُثيرة للصدام والصراع المذهبي في طليعة نكبات الأمة، في امتدادٍ تاريخيٍّ مؤلمٍ شَهِدَ -بين مد وجزر– إشعالَ فتيلِ الغُلُوّ الطائفي وإثارة الفتن، وما نتج عن ذلك من مآسٍ تعددت مصائبها، وانتهت إلى أحقاد وضغائن، فكان التناحرُ والتدابر، وممارساتُ التهميش البغيض لمكوناتٍ تربطها أخوة الدين ومقاصد الإسلام الكبرى، وما مُني الإسلام وسعِدَ أعداؤه بمثل هذا العته الطائفي والسفه الحزبي، فضلاً عن فتن أخرى تسوق إليها المطامع والأهواء».
كما تحذر الوثيقة من الفتن، وتفادي أسبابها، والتصدي للمحرّضين عليها والمروِّجين لها، والتنديدُ بإثارتها بين أبناء الوطن الواحد، وفي المجتمع الإسلامي بعامة من خلال العبارات والشعارات والممارسات الطائفية التي تَستهدف النيل من الأخوّة الإسلامية.
رابعا: تعطي الوثيقة اهتماما خاصا لدور الاعلام في تعزيز التلاحم ومحاربة التعصب المذهبي والطائفي.
تقول الوثيقة: «الخطابُ الإسلامي الإعلامي يهدف إلى تعزيز الأخوة والتعاون بين التنوع الإسلامي، ونشر الوعي بذلك وتصحيح المفاهيم المغلوطة في الداخل الإسلامي، مع التصدي للحملات والمفاهيم المسيئة للإسلام أياً كان مصدرها ومكانها، مع حث المسلمين (وبخاصةٍ المكونات المسلمة في الدول غير الإسلامية) على أن يمثّلوا حقيقة دينهم، وأن يتحملوا مسؤولياتهم الجسيمة في تقديم صورة صحيحة تعرِّف بدينهم القويم».
كما تذكر الوثيقة أن التوظيف السلبي لوسائل الإعلام التقليدية والجديدة يُصعد الخلافات ويثير العداوات في الداخل الإسلامي، وحريٌّ بالرسالة الإعلامية أن تعتمدَ الكلمة الطيبة، والحوار الهادف الذي يُؤلف ويقَرِّبُ، وَفْق قيم الأُخُوّة الإسلامية، وتبادل النصح الصادق دون مزايدة، ولا استعلاء، ولا تعنيف، ولا تشهير.
هذه أهم البنود التي تضمنتها وثيقة «بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية».
وقد تقرر إقامة مؤتمر سنوي حول نفس الموضوع. كما تقرر تشكيل لجنة تنسيقية مشتركة باسم: «اللجنة التنسيقية بين المذاهب الإسلامية».
لسنا بحاجة إلى القول إن المؤتمر مهم والوثيقة لها أهمية كبيرة إذ يتعلق الأمر بواحدة من أكبر الكوارث في الدول العربية والإسلامية اليوم.. كارثة الطائفية والصراع الطائفي والمذهبي. من المهم جدا ان ينبه العلماء المسلمون من مختلف المذاهب على مثل هذه المبادئ والمواقف التي تضمنتها الوثيقة.
لكن للأسف القضية أخطر وأبعد من هذا بكثير.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك