إنَّ المتاحف الاستثنائيّة في العالم هي تلك المتاحف التي تسرد لزائرها نصوصًا سردية قابلة للتأويل اللامتناهي. وفي هذه المتاحف بالذات هناك سرديات كبرى تحتاج إلى تأمل عميق واستغراق تام في المكان والزمان للخروج بهذه السردية. وفي العاصمة التشيكيّة (براغ) يقع متحف (كافكا) الذي افتتح عام 2005، ويقدم هذا المتحف سردًا تاريخيًا وثائقيًا وإبداعيًا لكلِّ ما يتعلق بالروائيّ التشيكيّ فرانتز كافكا ((Franz Kafka: من رسائله ومذكراته، وصوره الفوتوغرافية، ورواياته وقصصه.
في عام 2012 افتتح الروائيّ التركيّ أورهان باموق متحف(البراءة)، وهو المتحف الذي يحمل اسم روايته (متحف البراءة) (الصادرة عام 2008). ويتألف هذا المتحف من ثلاث وثمانين خزانة مرقَّمة مخصّصة لفصل من فصول الرواية، وهي معروضات مختلفة تمثِّل سردًا زمنيًا متوازيًا مع مراحل تأليف الرواية، وتتيح هذه المعروضات أمام المتلقي مساحات كبرى من المتخيّل السرديّ. إنَّ هذا المتحف الذي يعد أول متحف للرواية في العالم يحتفي فيه باموق بأشيائه التي سردها في روايته في زمن يمتدّ من 1950-2000، ويمثِّل هذا المتحف الآن أحد المعالم الرئيسية للسياحة الثقافية في إسطنبول. إنَّ متحف(البراءة) هو متحف استثنائيّ، وعربيًّا لا توجد لدينا متاحف مخصّصة للرواية أو حتى تواريخها على الرغم من مرور أكثر من مائة عام على ظهور أول رواية عربيّة، وعلى الرغم من كثافة الإنتاج الروائيّ العربيّ وضخامته عبر عقود من التأسيس والتشكّلات السردية. وفي المقابل هناك حضور مكثف للمتاحف الأوروبيّة في بعض الروايات العربيّة، ويأتي في مقدمتها متحف(اللوفر) بباريس، ومتحف (تاريخ الفنون) بفيينا. في رواية (اللون العاشق) للروائيّ المصريّ أحمد فضل شبلول سنجد تلك الكثافة التصويرية في سرد عدد كبير من أهم المتاحف الأوروبيّة؛ لكون هذه الرواية سيرة روائيّة متخيّلة لحياة الفنان المصري محمود سعيد. ومن الروايات العربيّة التي مثَّلت فيها المتاحف فضاءات سردية ثقافيّة رواية (جيرترود) لحسن نجمي، ورواية(الملهمات) لفاتحة مورشيد، ورواية (أوراق) لعبدالله العرويّ.
ستوفر لنا متاحف الرواية العربيّة لو أُنشئت فضاءات سردية من نمط إبداعيّ مغاير: خطابات سردية تتواشج وتتعانق مع خطابات أخرى: التاريخ، الفنون التشكيلية، الموسيقى وغيرها من الخطابات الإبداعيّة التي تمنح المتلقي مساحات كبرى من التأويلات المذهلة!
{ أستاذة السرديات والنقد الأدبيّ الحديث
المشارك، كلية الآداب، جامعة البحرين.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك