يواصل الكون توسّعه بوتيرة سريعة، على ما بيّنت النتائج الأولى للأداة «ديسي» DESI التي توفر قياساً هو الأكثر دقة حتى الآن... لكنّ هذا التوسع ربما يحدث بسرعة أقل مما كانت عليه قبل بضعة مليارات من السنين.
ورُكّبت أداة التحليل الطيفي للطاقة المظلمة (DESI) على تلسكوب مخصص يقع على قمة مرصد كيت بيك الأمريكي (أريزونا)، وهي مجهزة بعين ذبابة حقيقية وبـ5000 من الألياف الضوئية الآلية الدقيقة، يراقب كل منها إحدى المجرات مدة عشرين دقيقة، ما يجعل من الممكن احتساب بُعدِها، ومن ثم عمر الكون عندما أومضت هذه المجرة ضوءها.
وفي حديث إلى وكالة فرانس برس، يقول أرنو دي ماتيا من هيئة الطاقة الذرية التي تشارك في قيادة مجموعة تفسير البيانات الكونية: «قمنا بقياس موقع المجرات في الفضاء وفي الزمن، لأنه كلما كانت بعيدة عدنا بالزمن إلى الوراء، نحو كون ناشئ».
وفي عام واحد، رسمت أداة «ديسي» التي تشكل تعاوناً دولياً يضم 70 مؤسسة بقيادة مختبر بيركلي الأمريكي خريطة لستة ملايين من مصادر الضوء والمجرات والكوازارات، على مدار الـ11 مليار سنة الأخيرة من تاريخ الكون (أي 13.8 مليار سنة).
وأعلنت النتائج يوم الخميس ضمن مؤتمرين في سويسرا والولايات المتحدة، قبل نشر سلسلة من المقالات العلمية في مجلة «جورنال اوف كوسمولودجي آند أستروبارتيكل فيزيكس».
وتتمثل مهمة «ديسي» الرئيسية في المساعدة على فهم طبيعة الطاقة المظلمة، وهو عنصر نظري بقدر ما هو غامض، ويُعتقد أنه مسؤول عن تسارع توسّع الكون، وفي هذه الحالة التباعد المتزايد والسريع بين مجموعات المجرات، كما لو أن المسافة بينها تستمر في الازدياد.
وفي النموذج الكوني المعياري، يتألّف الكون المرئي من مادة باريونية أي عادية بنسبة 5%، ومادة مظلمة باردة بـ25% وطاقة مظلمة بنسبة 70%.
ومن المعروف منذ قرن أن الكون يتوسع منذ نشأته. وأخيراً، لاحظ العلماء أن هذا التوسع تسارع بشكل ملحوظ بعد حوالي ستة مليارات سنة من الانفجار الكبير.
وفي المكان الذي تعمل فيه المادتان (الباريونية والمظلمة) على إبطاء هذا التوسع، تعمل الطاقة المظلمة على تسريعه. ومن الواضح أنّ تأثير المادة المظلمة هو المسيطر، بحسب هذا النموذج المسمى «لامدا- سي دي ام».
ونقل بيان لمختبر بيركلي التابع لوزارة الطاقة الأمريكية عن مدير التعاون في «ديسي» مايكل ليفي قوله: «حتى الآن، نرى توافقاً أساسيا مع أفضل نموذج للكون لدينا، لكننا نلاحظ أيضا بعض الاختلافات المثيرة للاهتمام، التي يمكن أن تشير إلى أن هذه الطاقة المظلمة تطورت بمرور الزمن».
ويقول أرنو دي ماتيا إن «بيانات ديسي تظهر أن ثابت لامدا الكوني لن يكون ثابتا بالفعل»، إذ سيكون للطاقة المظلمة «سلوك ديناميكي» بحسب الفترات المعنيّة.
ويقول عالم الفيزياء كريستوف ييش إن تسارع توسع الكون كان «أكبر في السابق، قبل 6 مليارات سنة، لتنخفض بعدها سرعة التمدد في المرحلة الأخيرة».
ويتعيّن تأكيد الفرضية القائلة إنّ ثمة تغييراً في الطاقة المظلمة مع مرور الوقت، من خلال بيانات إضافية من «ديسي» ومن أدوات أخرى كتلسكوب إقليدس الفضائي الأوروبي.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك