يقول العالم الشهير ألبرت اينشتاين: «بات واضحا وبشكل مرعب ان تطور التكنولوجيا قد فاق تطور إنسانيتنا»!
نعم، اليوم نشهد تطورا سريعا غير محدود للتكنولوجيا، ويعتبر التصيد الاحتيالي واحدا من أكثر الهجمات الالكترونية شيوعا، وهو شكل من أشكال الاستغلال والخداع غير المشروعة التي يرتكبها مجرمون إلكترونيون، لذلك برز ما يسمي بـ«الأمن السيبراني»، وهو عملية حماية الأنظمة والشبكات والبرامج والمعلومات ضد الهجمات الرقمية، والتي أصبحت تشكل جزءا أساسيا من أي سياسة أمنية وطنية.
رغبة منها في مواكبة المستجدات على الساحة، أقدمت على إعداد رسالة ماجستير قد تكون الأولى من نوعها بالمملكة حول الأمن السيبراني، باعتباره قضية العصر، وذلك انطلاقا من قناعتها بأن التطور أمر إجباري، وأن الطريق إلى التقدم ليس سريعا وسهلا، ففي عصر المعلومات كلما زادت التجارب والمعلومات التي تكتسبها فإنك ستأتي بالفكرة.
عائشة أحمد جلال، موظفة بشركة نفط البحرين، لا سقف لطموحاتها العملية والعلمية، تقلدت منصب رئيس في بداية العشرينات من عمرها، وحين شرعت في خوض العمل الحر أصبحت محل انظار وإعجاب الجميع لتفردها وتميزها واجتهادها، ولا يزال هناك الكثير من الأحلام في جعبتها.
حول هذه التجربة كان الحوار التالي:
كيف أثرت نشأتك في مسيرتك؟
لقد كنت طفلة فضولية بشدة، عاشقة للعلم والمعرفة والتجربة بشكل عام، وكانت والدتي موظفة جامعية في أحد البنوك ومن أوائل الناس الذين اقتنوا جهاز الحاسوب في بدايات اكتشافه، وبالطبع كان وجوده في المنزل سببا في معرفة الكثير عن علمه، وارتبطت كثيرا بهذا المجال، ومع الوقت أصبح حلمي منذ الصغر أن أحمل شهادة الدكتوراه عند الكبر، فقررت دراسة تخصص نظم المعلومات الإدارية بإحدى الجامعات الخاصة، وتمنيت العمل في القطاع المصرفي.
وبعد التخرج؟
بعد التخرج في الجامعة وحصولي على البكالوريوس قضيت فترة تدريبية في شركة البتروكيماويات، عقب ذلك انتقلت للعمل لدى وزارة التربية والتعليم كمعلمة مواد تجارية ثم حاسب آلي، تلا ذلك انضمامي للجنة الوطنية للتربية والعلوم والثقافة، التي تمثل نقطة الوصل بين مملكة البحرين والمنظمات التعليمية الدولية، وتمت ترقيتي إلى مشرف الخدمات الإدارية بهذه اللجنة، فرئيس للخدمات الإدارية، وكلفت بالقيام بأعمال رئيس القسم لفترة نظرا لكفاءتي، إلى أن حدثت نقلة مهمة في مشواري المهني.
وما هي تلك النقلة؟
جاء انتقالي الى العمل لدى شركة نفط البحرين «بابكو» العريقة ليمثل بالنسبة لي أهم نقلة في مشواري المهني، لكونها بيئة خصبة لدعم الكوادر الشابة وتطويرهم مهنيا بدرجة كبيرة، لذلك كانت هذه النقلة تحديا كبيرا تطلب بذل المزيد من الجهد والعمل بهدف الوصول إلى أرقى المناصب، وهو أمر ليس ببعيد المنال، فشخصيا أؤمن بأنه ليس هناك شيء اسمه مستحيل طالما توافرت الإرادة والكفاءة.
من أين جاءت فكرة رسالة الماجستير؟
أثناء حديثي مع إحدى صديقاتي التي حصلت على شهادة البكالوريوس في مجال الأمن السيبراني، وردت لي فكرة إعداد رسالة الماجستير عن هذا الموضوع الذي أراه تخصص العصر، وبالفعل أعددت الرسالة عن بعد مع إحدى الجامعات البريطانية، ولله الحمد حصلت عليها في وقت قياسي، وكانت تدور حول أمن الحوسبة السحابية.
ماذا يعني مصطلح الحوسبة السحابية؟
الحوسبة السحابية مصطلح يشير إلى المصادر والأنظمة الحاسوبية المتوافرة تحت الطلب عبر الشبكة، والتي تستطيع توفير عدد من الخدمات الحاسوبية المتكاملة دون التقيد بالموارد المحلية، وذلك بهدف التيسير على المستخدم، وتشمل تلك الموارد مساحة لتخزين البيانات والنسخ الاحتياطي والمزامنة الذاتية، وتشمل قدرات معالجة برمجية، وجدولة للمهام، ودفع البريد الإلكتروني والطباعة عن بعد، ويستطيع المستخدم عند اتصاله بالشبكة التحكم في هذه الموارد عن طريق واجهة برمجية سهلة تتجاهل الكثير من التفاصيل والعمليات الداخلية.
ما مدى الحاجة إلى هذه التقنية اليوم؟
لا شك أننا وصلنا اليوم إلى وضعية خطيرة فيما يتعلق بعمليات بل جرائم الاختراق الإلكتروني، وفي المقابل هناك ضعف في عملية التأمين ضدها للأسف الشديد، وهي مشكلة كبيرة تواجه الكثير من الجهات والأفراد، وهنا يجب التأكيد على ضرورة اللجوء إلى مختصين في هذا المجال بهدف وضع نظام أمن يشتمل على خطوات وبرامج لضمان التأمين ضد أي اختراق.
نصيحتك على مستوى الأفراد؟
للأسف الشديد هناك الكثير من الأفراد الضحايا الذين يتعرضون للتهديد والابتزاز جراء اختراق حساباتهم، لذلك أنصحهم بالحذر والحيطة، وهو أمر لم اكن اشعر بخطورته قبل اجراء رسالة الماجستير، التي جعلتني أدرك أهمية قضية الأمن السيبراني ومدى ضرورة توافره لكل فرد أو جهة، فالمحتالون ينتحلون شخصيات حقيقية بكل براعة وما يساعدهم على ذلك هو ما يسمى اليوم بالذكاء الاصطناعي الذي فاقم من جرائمهم، ومكنهم من إتمام عمليات النصب بسهولة واحترافية، وشخصيا تعرضت لذلك ذات مرة وكانت إشارة لي للبدء في الدراسة والخوض فيها.
إلى أي مدى بلغت براعة المحتالين؟
إلى أبعد مدى، فللأسف كلما تطورت أساليب الحماية أبدع المحتالون في طرقهم الاحتيالية، وهناك كثيرون أعرفهم شخصيا وقعوا ضحايا لهم واضطروا إلى دفع مبالغ مالية لإنقاذ سمعتهم وخصوصياتهم، وهنا أنصح بضرورة ابلاغ جهات الأمن الإلكتروني، وعدم الخضوع للابتزاز، والحرص الشديد عند التعامل مع بعض المواقع التي تتقن فن خداع الناس، فتغيير حرف واحد من أسم الموقع الأصلي قد لا ينتبه إليه البعض، حتى أنا كنت ضحية في يوم من الأيام لهذا الأسلوب الماكر.
أصعب تحدٍ؟
التحدي الأصعب الذي واجهني كان انتقالي بعد 12 سنة من العمل لدى وزارة التربية والتعليم إلى القطاع الخاص، ممثلا في شركة نفط البحرين «بابكو»، ولكني محظوظة بالعمل لدى جهة عريقة مثلها، وكم تمنيت لو أقدمت على مواصلة الدراسة العليا مبكرا، حيث شرعت في اتخاذ قرار إعداد رسالة الماجستير بعد حوالي 12 عاما من حصولي على شهادة البكالوريوس، الأمر الذي مثل صعوبة بالنسبة بعض الشيء بعد سنوات من التوقف عن الدراسة وخاصة فيما يتعلق بالمستجدات التكنولوجية، ولكنه كان أيضا تحديا آخر كنت بقدره ولله الحمد، وتعلمت من ذلك درسا مهما في حياتي.
وما هو ذلك الدرس المهم؟
أهم درس تعلمته من تجربتي الشخصية هو مواصلة التعليم والتعلم بصورة دائمة دون توقف، رغم قناعتي بأنه ليس هناك مستحيل طالما توفرت الإرادة والعزيمة، ولله الحمد حققت طموحات كثيرة بفضل دعم ومساندة أهلي وصديقاتي، علما بأنني خضت العمل الحر بالشراكة مع إحدى صديقاتي وقد أضاف لي خبرة حياتية من نوع آخر، وقد علمتني الحياة كذلك أن المرأة ليست عدو المرأة كما يتوهم البعض، بل هي من أكثر الداعمين لبنات جنسها، فمديرتي كانت أكبر داعم ومشجع ومساند لي.
حدثينا عن تجربة العمل الحر؟
لقد قررت أنا وصديقتي خوض تجربة العمل الخاص لاستثمار وقت الفراغ بعد الدوام، وكانت تجربة متفردة ومتميزة، حيث كنا من أوائل ملاك عربات الطعام بطاقم بحريني مائة بالمائة، وقد قدمنا عربتنا بشكل مبتكر ومختلف، حتى أصبحت محل تقدير واعجاب الجميع، وأذكر أن الشيخة نورة بنت حمد آل خليفة زارتنا في موقعنا الذي اخترناه عند شجرة الحياة وكتبت على حسابها على الانستجرام جملة «الله يوفق شبابنا»، وكان ذلك بمثابة حافز قوي لنا، كما زارنا العديد من الشخصيات المهمة والمرموقة منها وزير السياحة حينئذ، والذي أعرب عن فخره بنا وذلك أثناء مشاركتا في أول مهرجان للطعام بالبحرين.
بماذا تميز مشروعكما؟
مشروع عربتنا تميز بتقديم الهامبورجر بطريقة ونكهة مختلفة، كما أعددنا الباستا داخل خبز مجوف، وكل أسبوع نختار لونا مختلفا للصوص المستخدم، حرصا منا على الابتكار والتفرد، وكان الاقبال شديدا حتى ان إدارة الفورمولا وان طلبت منا إمدادهم بتموين للموظفين، كما ذهبنا بالعربة الى المملكة العربية السعودية بعد أن ذاع صيتنا، وللأسف توقف المشروع مع اندلاع جائحة كورونا وانشغالنا بعملنا.
ولماذا تم اختيار شجرة الحياة موقعا للمشروع؟
لقد اخترنا شجرة الحياة موقعا لمشروعنا كنوع من التعبير عن الانتماء لوطننا ولإبراز مظاهر الجمال به، حيث كتبنا عبارة «بداية من شجرة الحياة حيث تنبع الحياة لدلمون.. من هنا ستبدأ رحلتنا»، وكانت خطوة موفقة ومميزة، ومن هنا انصح الشباب بعدم تكرار أو تقليد الأفكار، وبضرورة الابتكار، ولا شك أن هناك الكثير من المشاريع الذكية الشبابية استمرت ونجحت وصمدت بسبب تقديمهم شيئا مختلفا وجديدا، وأتمنى احتضانهم عبر جهة على غرار مشروع ريادات.
حلمك القادم؟
حلمي الحالي هو مواصلة الدراسة العليا والحصول على رسالة الدكتوراه في مجال التكنولوجيا، وذلك للتعمق أكثر في هذا المجال وخاصة فيما يتعلق بقضيتي الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي، اللذين أصبحا يمثلان المستقبل، وبدوري أثني هنا على توافر التخصصات العلمية المتنوعة بالمملكة بشكل كبير يواكب المستجدات في العالم.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك