يحاول الروائي العراقي علي جليوي في روايته فتاة المعبد المقدس أن يتغلغل في أوساط المجتمع العراقي لكي ينقل للقارئ أدق التفاصيل في حياتنا عن طريق مزج الأسطورة مع الحقيقة، وهو بذلك يدق ناقوس الخطر لعادات وممارسات طغت على سلوكيات شريحة واسعة من المجتمع بغية الوقوف عندها ومعالجتها.
ومن العنوان الذي هو العتبة النصية الأولى سوف أبدأ قراءتي هذه.
يعد العنوان مفتاح النص أو كما يقول رولان بارت فإن العنوان هو ثريا النص، ويقول الروائي العراقي الكبير شوقي كريم حسن إن العنوان هو حيلة جاذبة.
ومن العنوان نستطيع أن نلج إلى المتن السردي باعتباره المفتاح الذي يوصلنا إلى مغاليق الرواية.
الغلاف هو العتبة النصية الثانية ويظهر فيه صورة لفتاة وهي تجلس في حالة تأمل كما في اليوغا فيما ظهرت بوابة عشتار خلف الفتاة.
ومن المعروف فإن الكاتب هو الذي يختار العنوان أما صورة الغلاف فهي من اختيار المصمم، وفي هذه الرواية كان المصمم بارعا في التوفيق بين العنوان وصورة الغلاف، ولكن ما يحسب على المصمم هو اختياره بوابة عشتار التي ترمز إلى الاستعراض العسكري والقوة، وفي هذه الرواية كانت الفتاة في حالة هزيمة كونها قد هربت من المعبد، ولو أن المصمم قد اختار صورة للمعبد بدلا من بوابة عشتار لكان أفضل.
الإهداء هو العتبة النصية الثالثة ونجد فيه عبارة (أعلى من إهداء) وقد أهداه الكاتب إلى روح ولده الفقيد.
المقدمة هي العتبة النصية الرابعة ونجد فيها عنوانا فرعيا (على ناصية التقديم) حيث يذكر الكاتب أن فكرة الرواية مستوحاة من الواقع، يقول الروائي الأمريكي آرنست همنغواي (إذا أردت الكتابة عن الحياة فعليك أن تعيشها أولا).
أخذ النقاد يميزون بين الأدب النسوي والأدب الأنثوي، فالأدب النسوي هو ذلك النوع من الأدب والذي تقوم المرأة بكتابته، أما الأدب الأنثوي فيعرف على أنه نوع من الأدب والذي يتناول المرأة بشكل عام من دون التعرف على من كتبه سواء كان رجلا أو امرأة.
وهذه الرواية تندرج ضمن الأدب الأنثوي، حيث إن الكاتب رجل، وهو يسرد الأحداث بلسان الفتاة وذلك يعود إلى أن أغلب الكتاب قد جعلوا من المرأة المحور الأساس لأفكارهم وكتاباتهم.
يشير الكاتب في هذه الرواية إلى ظاهرة خطيرة تمثلت في بروز مافيات الفساد وعمل هذه المافيات على تعطيل كل شيء من أجل فائدة بعض الدول التي يتبعون نظامهم السياسي حيث يقول (كان أبي دائما يقول، إن الأزمات والمشاكل التي تعصف بالبلد ما هي إلا ستارا للفاسدين ليستنزفوا أموالا أكثر وانحطاطا لاقتصاده وصناعته المحلية لإفادة دول أخرى تملك عليهم فروض الطاعة والوفاء) ص6.
وقد تطرق الكاتب لهذه الأمور الخطيرة بطريقة مباشرة والطرح هنا قريب إلى المقالة السياسية وبعيد عن الرواية، وكان على الكاتب أن يكتب برمزية أكثر كي يكون المتلقي مشاركا في الكشف عن طبيعة الأحداث.
كذلك إن كلمة الوفاء غير ملائمة في سياق الحديث والأصح استخدام كلمة الولاء.
الرواية اجتماعية حيث يتطرق الكاتب إلى الزواج في سن مبكر وتدخل الآباء وتشجيعهم لإتمام هذا الزواج، رغم عدم قدرة الطرفين وأعني الشاب القاصر والفتاة القاصرة على تحمل مسؤوليات الزواج مما يؤدي في نهاية المطاف إلى الانفصال وهو أنسب الحلول لمثل هذه الحالات.
ومن الجدير بالذكر فإن نسبة الطلاق في المحاكم العراقية قد سجلت أرقاما قياسية لم يشهدها العراق في تاريخه الحديث، يقول الكاتب (يزوجونهم في عمر المراهقة إذ لا يستحوذ على أفكارهم سوى الجنس والمتعة، حتى يمر على زواجهم سنتين أو ثلاثة فيقررون الانفصال لعدم توافقهم أو كثرة المشكلات والاختلافات بينهم فيلجأون إلى الطلاق تاركين وراءهم طفلا أو أكثر أمام مستقبل مجهول) ص 11.
يتطرق الكاتب إلى العادات والتقاليد في المجتمع العراقي حيث يقول: (وتسكب خلفه إبريق ماء والكثير من الدموع والحسرات فيخيم على منزلنا الصغير اسوداد المزاج ورمادية المواصلة بالفرح لتختفي الأغاني والموسيقى) ص28.
وهنا كان على الكاتب ألا يذكر كلمة إبريق وأن يكتفي بعبارة تسكب خلفه الماء وكلمة كثير لا تعرف ولا تكتب الكثير.
وسكب الماء خلف المسافر من العادات والتقاليد المترسخة في المجتمع العراقي، وهي عادة متوارثة وهي سومرية الأصل وكانت تمارس منذ أكثر من 5000 عام والغاية منها التوسل بإله المياه أنكي كي يحفظ المسافر وأن يعود سالما غانما ‘لى أهله.
وتلعب العادات والتقاليد دورا مهما في سلوكيات العامة من الناس.
الانعطافة الكبيرة في السرد حصلت حينما تغير الزمان والمكان في الرواية حيث ينقلنا الكاتب من مدينة بغداد في عصرنا الحديث إلى مدينة بابل في زمن فجر الحضارات، حيث يقول الكاتب (وأنت التي وهبك الإله لمعبد نبو شا هاري المقدس ولم يكن لك أبوان، فقد صنعت على يد الإله مردوخ لتكوني خادمة في معبد ولده الإله نبو، ألم تتذكري، ـ ماذا تقصد؟، أين نحن الآن، ـ نحن في بابل أعظم بلد في الأرض) ص53.
يشتد الصراع النفسي الداخلي بين قمر الحاضر ولبانة الماضي وسط دهشة الفتاة لما آلت إليها الأمور، متسائلة عن حقيقة ما يجري، يقول الكاتب (من أنا؟، قمر طالبة الثانوية الراقدة في المستشفى إثر محاولة اختطاف فاشلة، أم لبانة فتاة المعبد المقدس التي خانت قوانين الآلهة وعشقت عبدا) ص76.
التداخل في الزمان والمكان ووجود فتاة بشخصيتين، شخصية الحاضر وشخصية الماضي تجعل للرواية نكهة جميلة وذات أسلوب مغاير وغير تقليدي.
يقول الناقد العراقي إسماعيل إبراهيم عبد (إن أي رواية لا تهتم بالفكر والناس ليس لها مبرر وجودي أو فني، وإن أي رواية تصاغ بقدرة فنية وفكرية متفردة هي مغامرة جدية لن يغطيها غبار الإهمال).
يتحدث الكاتب بطريقة فلسفية عن الفرق بين الحلم والكابوس، حيث يقول: (ـ هل أنت حلم أم كابوس قلب حياتي كمعبد نبو شا هاري، ـ أتعلمين ما الفرق بين الحلم والكابوس والواقع الذي أغفلتني ذكره بأسئلتك، لا فرق بينهم سوى الحب والخوف، فما نعشقه نراه حلما، لأنه غالبا ما يكون صعب المنال، وما نخشاه ولا نرجو لقاءه يتحول إلى كابوس) ص89.
كثيرة هي الرسائل التي مررها الكاتب من خلال روايته ولعل أبرزها هي مسألة الولاء للعشيرة والعرف العشائري ومسألة زواج ابن العم من ابنة عمه بالغصب والإكراه وما يعرف بالنهوة، يقول الكاتب: (ـ على أي قانون استندت بحكمك، ـ قانون العرف العشائري، ونحن مجتمع يدين بالولاء للعشيرة قبل كل شيء، أتدين لعرف ظالم محرم على حساب إنسانيتك وحريتك ودينك) ص104.
يتطرق الكاتب إلى نظرية مهمة شغلت بال كثير ممن يهتمون بالمواضيع الغيبية وكانت جزءا من ثقافة الشعوب ومعتقداتهم ودياناتهم، وأعني موضوع تناسخ الأرواح والتقمص وحتى الحياة بعد الموت وأين تذهب الروح بعد مغادرتها للجسد الفاني.
وقد كان الكاتب موفقا في خاتمة الرواية حينما وافق بين قمر ولبانة من جهة وبين أشيم وسيف من جهة أخرى.
في الختام الرواية ممتعة وغير تقليدية وقد سلطت الأضواء على عادات وتقاليد من صميم المجتمع.
الدور الرئيسي في هذه الأحداث كان لسيف الذي استطاع أن يساير ابنة عمه ويصدق بكلامها الغريب إلى أن نال مبتغاه في الزواج منها وبرضاها وليس بالغصب كما قرر كبير العائلة.
إن من شروط نجاح أي رواية هو توفر الإقناع والإمتاع وقد كانت هذه الرواية مقنعة وممتعة في نفس الوقت.
بقي أن أشير إلى أن هذه الرواية هي من إصدارات دار الورشة الثقافية في بغداد وتتكون من 148 صفحة ومن القطع المتوسط
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك