أفضل وسيلة لانتشار الأفلام هي الإنتاج المشترك لكسب جمهور البلدين
أدعو الرؤساء وأصحاب القرار إلى دعم الثقافة بكل فئاتها وتخصصاتها فهي المرآة الناصعة للبلدان
ديننا أنصف المرأة وجعلها سيدة مجتمع
"عالم الشهرة" تطلّ عليكم هذا الأسبوع من (بلاد الرافدين) ، من مهد الحضارات المعروفة الآن بالعراق الحديث، والتي تُعد من أقدم المناطق الحضارية في التاريخ الإنساني، فمنها انطلقت الحضارات العريقة والمهمة التي أثرت في تشكيل مسار الحضارة الإنسانية بشكل عام.
ضيفنا لهذا الأسبوع المخرج السينمائي العراقي حسنين الهاني، الذي عاصر خلال مسيرته الكثير من الصراعات على مدار سنين ولّت إلا أنه ظلّ يحفر وأمثاله المبدعون، التاريخ بإبداعاتهم القائمة، لإثراء الحضارة الثقافية والأدبية والسينمائية وجعلها باقية رمزًا للتنوع والإبداع في العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط، منذ بداياته كمصور فوتوغرافي حتى تقديمه لأول فيلم وثائقي يعبر عن قضايا المجتمع، مشوار حافل بالنجاحات بين الإذاعة والتلفزيون والإخراج والإنتاج بين الأفلام القصيرة وأفلام التحريك والإخراج السينمائي وتقديم الورش والمحاضرات ثم المشاركة بلجان التحكيم الدولية..
إليكم هذا اللقاء..
- أ.حسنين الهاني، بداية.. نرحب بك في صفحة "عالم الشهرة" من خلال "أخبار الخليج"، الصحيفة الأولى في البحرين..
مرحباً أستاذة فاطمة ..
- أ. حسنين الهاني، حدثني عن "بداية البداية" في التوجه الحقيقي لك..
شكراً لهذه الفرصة والمحطة المهمة برفقة البحرين الشقيقة ورفقتكِ وجمهوركم العزيز..
بداية.. لو عدنا بالزمن 25 عام قد خلت، أبان المرحلة الثانوية كنت مصوراً فوتوغرافياً في أستوديو خاص وهذه كانت مهنة جدي.. وعندما بلغت البكالوريا (السادس ثانوي) لم يكن مجموعي يدخلني كلية الهندسة التي كانت رغبتي، وهنا فكرت أن أصقل مهنتي في دخول مدرسة الفن من بابها الواسع فالتحقت بــ (كلية الفنون الجميلة جامعة بغداد – قسم الفنون السينمائية والتلفزيونية – فرع السينما) إبان النظام السابق طبعاً، وكان عالمٌ جديد بالنسبة لي كوني من أسرة تربوية أب وأم مدرسين، فلم يكن بحسبانهم أنني سوف أغادرهم للمعيشة في بغداد كوني من مدينة كربلاء، وسارت الأمور على ما يرام ودخلت عالم جديد بالنسبة لي حيث اختلطت مع الفنانين والمشاهير آنذاك، حتى سقوط النظام عام 2003 وانحسرت الحياة وأصبحت خطرة وفوضوية ولكني لم أتخلى عن دراستي واهتماماتي الفنية، بلغت المرحلة الثالثة وتنقلت للعمل في بعض القنوات كمخرج وبعدها سمعت عن ورشة يقيمها الأستاذ العراقي البريطاني قاسم عبد في بغداد قادماً من لندن وبرفقته زميلته وصديقته المخرجة والمونتير العراقية البريطانية أيضاً السيدة ميسون باججي، وكنت أتنقل ما بين كربلاء وبغداد لقرابة 6 أشهر وهنا ساءت الحالة الأمنية في بغداد بسبب مخلّفات الحرب على العراق وأنتقل الجزء الثاني من الورشة في سوريا وقد أنجزت أول فيلم قصير لي وكان وثائقياً.
-الفيلم الذي كان نقطة الانطلاقة الأولى في مسيرتك...
(غريب في بلده / انتاج 2007) وثائقي زمنه 13 دقيقة، كان يتحدث عن التهجير القسري في العراق والطائفية التي مزقت وحدة العراق وعرض الفيلم في مهرجان الخليج السينمائي في الامارات العربية المتحدة وعرض في بلجيكا (مهرجان بروكسل) وحصل على المركز الثاني وعرض في ايران ولبنان واستراليا وامريكا، احسست أنني موجود وبإمكاني أن أحقق إنجاز وأن أعبر عن خلجاتي.
-هل هناك أفكار متبلورة بداخلك لم تستطع حتى الآن من نسج خيوطها، وماهي الصعوبات التي حالت دون ذلك؟
نعم ثمة أحلام كثيرة وكبيرة وطموحات لا يحدها سقف، السينما اليوم مهمة كأهمية الصحة والتعليم والدفاع والداخلية لا أريد أن أبالغ وأقول مثل الهواء والماء ربما لأن شغفي وحبي لها يشعرني بأهميتها فهي سفير البلدان والشعوب، هي الهوية الوطنية لنا ولشعوبنا ومجتمعاتنا سيما بعد التطور التكنولوجي والتزييف الي بدأ يغير ملامح كل شيء، أعتقد أن السينما هي أفضل وسيلة لحفظ تراثنا وعاداتنا وتقاليدنا وديننا ومجتمعاتنا.
-شاركت كعضو لجنة تحكيم في عدة مهرجانات سينمائية دولية داخل وخارج العراق.. ماهي أهم محطاتك خلال تلك المشاركات؟
عام 2017 تم اختياري مستشاراً لوزارة الثقافة الباكستانية حيث أقيم مهرجان آسيا للسلام العالمي وكنت العربي الوحيد من الشرق الاوسط، وبمشاركة أفلام وضيوف من مختلف دول قارة آسيا، وأقمت ندوة عن صناعة السينما في الشرق الأوسط وكيف نصنع الأفلام من حيث اختيار الأفكار وآلية الإنتاج، وبعدها عضو لجنة التحكيم في دورته الثانية التي أقيمت في مدينة لاهور.
-ترأست لجنة التحكيم بمهرجان مدنين السينمائي الدولي للفيلم الروائي والوثائقي بدورته التاسعة في تونس.. حدثنا عن هذه التجربة؟ وكيف تم اختيارك؟
بعد التعرف على الاستاذ محمد الثابت في أحد المهرجانات تم التواصل وتكونت صداقة طيبة نقية يجمعها حب الأوطان والسينما لا سيما أنني أحب تونس الخضراء بشكل استثنائي، وجه لي الثابت دعوة رسمية برئاسة لجنة التحكيم لدورته التاسعة عام 2023 (مهرجان مدنين السينمائي الدولي) في جزيرة الجمال جربة، وكان برفقتي أعضاء من لبنان وتونس وإيطاليا وليبيا وكانت دورة مميزة وجميلة رغم بساطتها بسبب ضعف الدعم المادي للمهرجان.
-كيف ترى الإقبال على ورش ومحاضرات صناعة الأفلام؟
كان وما زال الفيلم السينمائي هو (مُنْتَجْ) شأنه شأن أي صناعة تحويل من وإلى وقائم على الإنتاج المالي بشكل أساسي، لكن بعد التطور التكنولوجي وأصبح جهاز الموبايل رفيق الصغار والكبار وتبعاً لحداثته ومواصفاته فقد أصبح جهاز الموبايل شركة إنتاج متكاملة من حيث التقنية والمعدات، وبما أنه حاضر جيوب عامة البشر والحياة العامة مليئة بالمشاهد والمواقف والأفكار التي تصلح أن تكون فيلماً أو إشارة لحالات نشخصها في حياتنا اليومية هنا وهناك أعددت حقيبةً تدريبية مكثفة لصناعة الفيلم القصير من أجل تحفيز الشباب لصناعة أفلاماً بسيطة قصيرة لبضعة دقائق كأن تكون توثيق حالة إنسانية أو موقف معين أو إيصال رسالةٍ ما.
ماهي أبرز الصعوبات أو الثغرات الفنية التي تقع على عاتقك كمخرج؟
في الواقع المخرج الدؤوب المتمكن من ادواته لا أعتقد ثمة صعوبات جوهرية عليه او ثغرات جذرية فقد شخصنا المشكلة الأساسية تكمن في كلفة الانتاج اذا ما توفرت فقد ازيلت العقبة الأكبر ولأننا بلدان نامية بالسينما لسنا محترفين بصناعتها و أقصد بالمحترفين إذا ما قورنا بالغرب، فالاحتراف يأتي من كثرة التجارب والممارسة، لكن إذا كان المخرج العربي او العراقي بشكل خاص كل بضعة سنوات ينتج فيلماً بميزانية بسيطة بالتأكيد سوف تكون النتائج غير مبهرة ومن جانب آخر فالسينما يجب أن تُدْرسْ وتُدًرَسْ من أجل تحديث البيانات والمعلومات ومواكبة التطور.
- من الذي تجده عادة معك؟ لدعمك ومساندتك؟
غالباً في العمل أعتمد على نفسي كثيراً وبشكل كبير ولي سبب في ذلك حتى أختبر نفسي في أصعب الحالات فإذا نجحت أشعر بلذة نجاحي وذاتي وإذا فشلت لا أعلق فشلي على شماعة فلان أو فلان، هذا بشكل عملي ولكن كدعم نفسي معنوي أسرتي زوجتي العزيزة ودعاء أمي ووجود أولادي بسمة الحياة.
- متى نرى الأفلام العراقية بدور العرض الخليجية؟ هل هناك خطط لذلك؟
العراق كان بلدا سينمائيا بامتياز منذ نشأة السينما العربية في ثلاثينيات القرن الماضي فكان هنالك انتاج مشترك مع سوريا ومصر وكانت الأفلام العراقية والبنى التحتية السينمائية متوفرة في العراق والكفاءات العراقية التي درست السينما في أمريكا وفرنسا وإيطاليا والجيل التالي الذي درس في مصر وإيران وبلغاريا حققت نجاحات عربية حتى نهاية السبعينيات ولكن النجاح والفرحة لم تدوم طويلا بسبب دخول العراق في معارك لها أول ولا نهاية لها، فالحرب تدمر كل شيء في طريقها مادياً ومعنوياً وحتى نفسياً واقتصادياً توقفت السينما في العراق منذ الثمانينات حتى سقوط النظام السابق،
أرى أن أفضل وسيلة لانتشار الأفلام ككل ليس العراقية فقط هي الإنتاج المشترك بمعنى عندما يشترك مخرج عراقي أو بحريني على سبيل المثال في إنتاج مشترك بقصة تصلح أن تكون عامة هنا سوف نكسب جمهور البلدين وليس في بلد واحد فقط فنحن نتاشبه بالدين والبيئة والعادات والتقاليد والأرض مع وجود فوارق بسيطة تذوب أمام مخرجاً بارعاً ونصاً مكتوبا بحرفة ودراية جيدة.
قلت في لقاء سابق: خلق الإنسان ليترك أثراً بعد رحيله، من خلال رسالة يقدّمها فماهي رسائلك القادمة؟
نعم الأثر هو المنجز الذي يحققه الفرد تجاه بلده وبيئته وشعبه، هو الرسالة التي تخلده بعد وفاته، وعلى صعيدي الشخصي أحزن عندما ندعى بدول العالم الثالث!! لماذا ونحن بلدان الرسل والأنبياء؟ لماذا ونحن بلدان الكرم والطيبة والمحبة والعادات والتقاليد وسن القوانين والأنظمة؟؟ لماذا ولماذا ولماذا؟؟ اكتشفت أن الغرب ترجموا كتبنا ومصادرنا وعلماؤنا ( ابن الهيثم والرازي وابن حيان والجاحظ) هم ترجموا كتبنا ونحن أصحاب الأرض والعلم والمعرفة أصبحنا مستهلكين بامتياز ولسنا منتجين ، ألسنا من علَّم البشر الزراعة وحقوق الانسان؟ اليس ديننا من أنصف المرأة وجعلها سيدة مجتمعات؟، نحن بحاجة إلى إعادة حساباتنا وترتيب أوراقنا.
- كلمة أخيرة،،
أعتقد أن العقل العربي هو الأنضج والأسمى والأكفأ إذا ما توافرت له البنى التحتية لكي ينتج، ويعود لسموه وازدهاره، وكلٌ وفق تخصصه ودوره في مختلف مجالات الحياة والعلوم، وكوني سينمائي بالطبع أدعو الرؤساء وأصحاب القرار لدعم الثقافة بكل فئاتها وتخصصاتها فهي المرآة الناصعة التي تعكس صورة هذا الشعب دون ذاك، وهذا البلد دون ذاك سيما أن بلداننا العربية تحمل الكثير الكثير من الإرث والمعرفة والعلوم.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك