جوديث بتلر ((Judith Bulter هي أستاذة البلاغة والدراسات المقارنة بجامعة كاليفورنيا/ بيركلي؛ وهي معنية بتلك التقاطعات التي تتمُّ بين الدراسات البلاغيّة والأدبيّة المقارنة، والتاريخانيّة الجديدة، والتحليل النفسي، والتأويل، والدراسات الفلسفيّة (عند نيتشه، وهيغل، وفوكو، وأدورنو، وليفيناس). إنَّ أطروحة كتابها (الذات تصف نفسها) ((Giving an Account of Oneself هي حاجتنا إلى تأمُّل تجاربنا الذاتية لا بوصفها حدثَا شخصيًا بل بوصفها واقعة مشتبكة اشتباك تأثُّر وتأثير، وتشكُّل وتشكيل مع التجربة الأخلاقيّة والتاريخيّة المحتدمة التي نُعدُ جميعًا شهودًا عليها. ولا شكَّ أنَّ أسئلة السيرة الذاتية وإشكالياتها والتباساتها هي من أكثر الأسئلة التي تحتاج إلى مقاربات عميقة جدًا على الرغم من كثرة المقاربات النقدية المعمَّقة (أذكر هنا على سبيل الاستشهاد منجزي الناقدين الفرنسيين جورج ماي وفيليب لوغون).
أرادت بتلر تفكيك الذات عندما تسرد نفسها، ولذلك قسّمت منجزها إلى ثلاثة أقسام؛ ففي الفصل الأول تناولت وصف الذات وأثارت بعض الأسئلة ما بعد الهيجيلية للإجابة عن السؤال «من أنت؟». وفي القسم الثاني تناولت حدود العنف الأخلاقي لـ«أنا» و«الأنت»، وفي القسم الثالث تناولت المسؤولية بين لابلانش وليفينياس وأدورنو وميشيل فوكو. لم تفصل بتلر الذات عن بيئتها المعيارية والتاريخيّة في بيانها تكوُّن الذات، وعلاقة هذا التكوُّن بالأخلاق من منظور فلسفة الأخلاق ومفهوم المسؤولية، ولقد كانت الركائز التأسيسيّة التي صدر عنها الفيلسوف هيغل في كتابه (فينومينولوجيا الروح) النص المؤسِّس الذي انطلقت منه بتلر في تفكيك الأسئلة ما بعد الهيغيلية في صيرورة عملية اعتراف الذات. كما شكَّل الفيلسوف والمفكر الفرنسي ميشيل فوكو عنصر الإلهام لبتلر؛ فقد تجاوز فوكو فهم نيتشه لتشكّل الذات بوصفها نتاج عقاب فحسب، ليركز على الإبداعية الخاصة التي تنخرط فيها الذات في الأخلاق، وعلى الشفرات الخلقية بوصفها شفرات سلوك لا شفرات عقاب. إنَّ الذات، وفقًا لفوكو، منكشفة أمام هذه المعايير انكشافًا يتسبب في عتمتها التي تهدّد مشروعها في تقديم وصف لنفسها. وختامًا أقول إنَّ هذا الكتاب من الكتب التي تقدم مقاربات مغايرة في محاولة وصف الذات الإنسانية عندما تسرد نفسها، وذلك بصدوره عن مداخل فلسفيّة ونفسيّة. وعندما نقول إنَّ الذات تسرد نفسها يندغم في هذا المفهوم سرد الأفراد وسرد الجماعات الإنسانيّة (التواريخ الفردية الصغيرة والسَّرديات الصغرى Macro Narratives والتواريخ الجماعيّة والسَّرديات الكبرىGrand Narratives. أنجز الترجمة العربيّة للكتاب الأكاديميّ العراقيّ فلاح رحيم، دار التنوير للطباعة والنشر، إصدارات جامعة الكوفة.
{ أستاذة السرديات والنقد الأدبيّ
الحديث المشارك كلية الآداب، جامعة البحرين.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك