الرأي الثالث
محميد المحميد
malmahmeed7@gmail.com
«السنع» هوية وطن.. ومناهج تربية
حينما أرادت اليابان استضافة بطولة كأس العالم، باعتبارها أكبر تجمع عالمي، فإن أول ما عملته هو تدريس الناس والشباب الياباني لغات وتقاليد الشعوب والمنتخبات المشاركة في البطولة، إيمانا منها بأن معرفة طبائع البشر وعاداتهم ضرورة ملحة لكسب الناس ونيل الاحترام.
ويحسب للجمهور الياباني الرياضي أنه أول جمهور في العالم بدأ بتنظيف المدرجات الرياضية بعد كل مباراة، ثم تأثرت كافة الجماهير بتلك المبادرة، وأخذت بتطبيقها في كل مرة، وتركت انطباعا حضاريا إيجابيا، في السلوك الإنساني الراقي.
صحيح أن تعلم اللغة والعلوم يبدأ من البيت والأسرة ثم المدرسة والجامعة.. ولكن تعلم آداب التعامل والأخلاقيات، و«السنع والإتيكيت»، يبدأ من الأسرة والمدرسة، والمجتمع كذلك.. ولطالما وجد الكثير من أولياء الأمور الحاجة الملحة إلى تعليم وتدريس «السنع» للناشئة، في ظل ممارسات وتعاملات غريبة ودخيلة، تتنافى مع الهوية الوطنية، والقيم الإنسانية، والمبادئ الحضارية.
لدى دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة مقرر ومنهج دراسي بعنوان (السنع الإماراتي)، يركز على مبادئ «السنع»، والتي من أبرزها: آداب التخاطب، الكرم والضيافة، الشهامة والفزعة ومساعدة الآخرين، التسامح واحترام الجميع، الترابط الأسري وصلة الأرحام، التعامل مع المرأة أو الرجل، آداب المجالس، التعامل مع الوالدين، الزيارات والمناسبات، الأكل والشرب والنظافة وغيرها.
وكم أتمنى لو بادرت وزارة التربية والتعليم، أو إحدى المدارس «الحكومية أو الخاصة»، بتدريس مقرر أو حتى برنامج باسم «السنع البحريني»، من خلال تطبيقات عملية ودروس نظرية، بهدف التربية والتعليم، وغرس قيم ومبادئ الهوية الوطنية والخصوصية المجتمعية، لينشأ جيل يعرف ويدرك أصول التعامل بدلا من التوحش والتغلغل الفكري والثقافي الذي يغزو العقول بممارسات وأفعال ليست ذات علاقة بالثوابت التربوية البحرينية الأصيلة.
مازلت أذكر إجابة الفنان عادل إمام، حينما سُئل عن غياب التزام شريحة كبيرة من الناس بالقانون واحترامه، فأجاب قائلا: إن ذلك يبدأ من ثقافة الطابور.. فجميعنا يسارع لتجاوز القانون والطابور في كثير من أمورنا الحياتية والعملية، وكذلك في الشوارع عند سياقة السيارات والمركبات.
مفهوم «السنع» وفقا لما هو معروف خليجيا، وما تم نشره في المواقع الإعلامية عموما، والإماراتية خصوصا، يعني: مجموعة القواعد التي تنظم سلوك الأفراد خلال تعاملاتهم اليومية مثل: احترام الأكبر سناً، والشجاعة والنخوة، والشهامة والإخلاص وكرم الأخلاق، والأمانة والتطوع، والضيافة وآداب المجلس، بالإضافة إلى آداب الطعام والترابط والتكاتف، وآداب التحية والسلام، واحترام المهنة والعمل اليدوي، وحب الغير والإيثار.
وبلغة العصر الحديث؛ يمكن تعريف «السنع» بأنها «فن الإتيكيت»، أو فن التعامل مع الآخرين، استناداً إلى قيم وأعراف وطنية مجتمعية، متوارثة من الآباء والأجداد. ويتنوع «السنع» باختلاف المناسبات والمواقف، التي يمر بها الإنسان في حياته اليومية.
نحن مقبلون على الإجازة الصيفية، وفيها تكثر البرامج والأنشطة التي تقيمها المراكز والمؤسسات، الرسمية والأهلية، وتركز على الأنشطة الرياضية والسباحة، وربما التمثيل والهوايات، من أجل استثمار الوقت وتنمية المواهب والطاقات، وسيكون من الأهمية بمكان أن تبادر تلك المراكز الصيفية، وكذلك الوزارات كوزارة شؤون الشباب، ووزارة التنمية الاجتماعية، بجانب هيئة الثقافة وغيرها، بطرح دورة تدريبية أو برنامج تعليمي بعنوان «السنع البحريني».
أفضل ما يمكن أن يتوارثه الأبناء والأحفاد هو «السنع».. فالمال زائل لا محالة.. ولكن الأخلاق والتعامل والتربية هي الباقية والراسخة، وهي خير ميراث، وأفضل ثروة مستدامة.. يكفي أن يقال عن ابنك: (هذا ولد فلان وفلانة.. ويعرف السنع).
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك