د. حيدر الأسدي: الجيل الجديد يبحث عن كتابة (الشو) أكثـر مما يسعون إلى كتابة موقفية مسؤولة
د. جميلة الوطني: قلة النقد البناء من النقاد يؤدي إلى استمرار الأصوات الجديدة في إصدار كتب ضعيفة
تحقيق أجراه – رضا الستراوي
عندما نرى الساحة الثقافية في الوقت الحالي، ونرى الجيل الجديد يحاول أن يخرج مكنوناته الأدبية، نفرح بأن الثقافة في الوطن العربي ما زالت رافدة ومخرجة لبراعم وأصوات جديدة قد يكون لها شأن كبير في قادم الوقت، ولكن في جهة أخرى نصاب بالذهول وخيبة الأمل، جراء لهث الأصوات الشبابية على البروز دون واعز معرفي وثقافي وأدبي، هذه الأصوات الضعيفة التي تخلو من الثقافة الأدبية، فتصدر لنا أشباه كتب، بين جنبيها أسلوب هش، لا يصب في صالح الأدب العربي الجميل الذي يسحرك لقراءته.
فهذه الأصوات شكلت رؤيتها ضمن النظرة الفنية للأدب في الوقت الراهن، فجعلته سوداوي في نظر الكثيرين ممن يمتهنون أو يحبون الأدب، رغم وجود الكثير من الكتاب الكبار الذين مازالوا ينتجون كوكبة من الإصدارات الأدبية الملهمة، مما جعلني أطرح تحقيقاً صحفيا في هذا الجانب، مسلطاً الضوء على هذه الأصوات، واقفاً على الأخطاء الفادحة الجلية والمحصلة الأدبية الضعيفة، وآخذاً برأي بعض الكتاب والجمهور العام في مختلف سياقات الحياة، من مجموعة كبيرة أخذتُ رأيها في وقت سابق.
وفي هذا الجانب يرى الدكتور حيدر الأسدي –ناقد وأكاديمي عراقي، اهتماماً عند بعض جوانب الأصوات الجديدة الضعيفة، حيث أقر الأسدي أن هناك العديد من الأصوات الشابة التي (تكتب ولا تقرأ)، وعندما تخوض معه حوارا بسيطا حتى تدرك أن هذا الشاب مندفع ويرغب بتكوين اسم أدبي له بالسرعة الممكنة، وهذه إحدى سلبيات الجيل الجديد للأسف الشديد، فلكي تكتب يحتاج لك مداد من القراءة، وأشار الدكتور، أنك ستدرك الأمر جلياً بالمجانية والسرعة في كتابات العديد من الأدباء الشباب في مختلف بلدان الوطن العربي أو عدم الركوز والمصدرية في أغلب كتاباتهم التي تقوم على ردات الفعل دون الإشارة الحقيقية إلى مكامن جوهر المشكلة وأبعادها المرجعية والحقيقية، هم يبحثون عن كتابة (الشو) أكثر مما يسعون إلى كتابة موقفية مسؤولة.
مضيفاً أن هوس الإصدارات أصبحت ظاهرة كبيرة في الوطن العربي في ظل (مجانية النشر) دون رقابة أو سيطرة تذكر، كل من لديه بعض الأموال بالإمكان أن يصدر كتابه (تحت أي جنس كان) وتجد العديد من هذه النتاجات لا تصلح حتى للنشر في مواقع التواصل الاجتماعي، تجارب بسيطة وسطحية بعض الشيء (إلا ما ندر من النتاجات النوعية)، أرى ضرورة تدقيق تلك النتاجات من دور النشر وعدم الاكتفاء باستحصال الأموال مقابل طباعة (أي شيء) لأن الذائقة ستؤول إلى خراب وفوضى في ظل كم النتاجات الأدبية التي تطبع يوميا في بلدان مصر والأردن والعراق وغيرها من البلدان، يجب أن يكون هناك سيطرة وتدقيق صارم على خروج تلك النتاجات للضوء، فالشباب اليوم يبحث عن (النجومية) و(الترند) والشهرة والوصول السريع بغض النظر عن المحتوى الذي يقدمه، والتي ساهمت أيضا وسائل التواصل الاجتماعي بتردي هذه النتاجات من خلال مجانيتها وتفاعليتها المرعبة.
مؤكداً حيدر الأسدي أن يمنح الكاتب إجازة ممارسة المهنة كما يفعل مع الفنان من قبل اتحادات الأدباء والكتاب في الوطن العربي، وهذه الإجازة لا تمنح بالمجاملة ولا الإخوانيات بل بالجودة الرصينة من خلال مقياس مستوى ثقافة ولغة ووعي الكاتب وخبرته في التعامل والتعاطي مع المفهوم الحياتي ومشكلات الحياة اليومية التي تؤثر بالفرد ولا يترك الحبل على الغارب لكل من هب ودب أن يدلو بدلوه بآراء أقل ما يقال عنها بأنها بعيدة عن جادة الصواب وقريبة من السطحية والهامشية.
ونوهت د. جميلة الوطني – كاتبة ومؤلفة، بأنّ ساحة الأدب البحريني، كحديقة غناء، تزهر فيها براعم جديدة بين الحين والآخر، وبعض هذه البراعم، شأنها شأن أيّ براعم جديدة، قد لا تنال قسطًا كافيًا من العناية والرعاية، والتوجيه فتفتقر إلى المعرفة والثقافة الأدبية الراسخة.
أذكرُ موقفًا حظيتُ فيه بشرف الحضور في ندوة أدبية، حيث قدّم أحد الشباب قصته الأولى، بدا واضحًا من خلال نقاش الحضور أنّ الشاب رغم حماسه وأسلوبه المميز، لا يمتلك قاعدة معرفية وثقافية كافية لدعم قصته، فلم تتسم معارفه بالعمق، ولم تُبن أحداث القصة على أسس متينة، مما أثار بعض الانتقادات من الحضور.
ولا شكّ أنّ الكتابة اللحظوية في «السوشال ميديا»، بطبيعتها المختصرة والسريعة، تُؤثّر سلبًا في قدرة الأصوات الجديدة على كتابة نصوص إبداعية عميقة، إذ إن التعود على كتابة منشورات أو تغريدات قصيرة على المنصات الاجتماعية يُضعف مهاراتهم في التعبير المُركّب والبناء السردي المتقن.
وأكدت ما قاله الأسدي، أن هذه الأصوات، إيمانها بأنها موهوبة وملاقاتها دعما خاطئا بالإضافة إلى غياب النقد، هي التي تجعلها تستمر في الإنتاجات الضعيفة.
مشيراً فهد المضحكي – كاتب بحريني، إلى أنه لا يخلو أي مجتمع من هذه الأصوات، فهذه ظاهرة طبيعية، ولكن الأسباب تختلف، وهناك منافسة جادة وشريفة غرضها ثقافي واجتماعي وإنساني، وهناك من يلهث وراء الشهرة والمتاجرة، وهو مع الأسف السائد اليوم، وبشكل عام ربما يعود الضعف إلى محدودية التجربة وقصور في المخزون الثقافي والمعرفي، وبشكل عام لا توجد حلول جاهزة لإعادة هيبة الكتاب، ولكن الأهم هو دور المثقف والمؤسسات الثقافية الرسمية من خلال وضع الضوابط، والمقاييس الصحيحة، والدعم المناسب، والمطلوب.
وفي جانب آخر من الجمهور الشبابي، قالت فاطمة عبد اللطيف ومحمد النشمي – طالبا إعلام، إن الانشغالات وضيق الوقت، بالإضافة إلى وجود بدائل للكتب الورقية، مثل الاستماع إليها وليس قراءتها، هي التي جعلت الشباب في الوقت الراهن يتجهون إلى عدم قراءة الكتاب الورقي، حيث في بعض الأحيان نجد نسخ الكتب الإلكترونية من دون تكلفة مادية مما يجذب القراء لها.
وأصر أحمد دبوان – كاتب ومؤثر في وسائل التواصل الاجتماعي، أن انخراط الأدب العربي في كتابة القصص الغرامية التي تعكس ثقافات الغرب، صيرت من الكتب في الوقت الحالي أنموذجاً غربيا، فالقراء لا يشعرون بالاستفادة، فيتجنبون الكتب.
وتطرق يحيى علي وسيد حسن هاشم – طالب هندسة «ميكاترونكس» وطالب إعلام، مؤكدين ما قاله عبد اللطيف والنشمي أن التطور التكنولوجي سبب رئيسي في ابتعاد الشباب حالياً في قراءة الكتب الورقية، حيث بالإمكان أن تشتري كتاباً أو أن تأخذه بالمجان بضغطة زر على شبكة الإنترنت، ولا يوجد حاجة ملحة إلى الذهاب وشرائه من المكتبات، فكل شيء في زماننا الحالي أصبح سهلاً.
وأسهب سليم رامي – طالب إعلام، أن دورنا جميعاً نحن أفراد المجتمع، هو توعية الشباب بأهمية القراءة وتحديداً الكتاب الورقي، وإن كنا نرغب في النهوض والرقيّ بالحضارة العربية إلى الأمام، يجب علينا إيجاد طبقة مثقفة وقارئة ويبدأ ذلك عن طريق الشباب، نواة المجتمع وحاملي راية العروبة والوطن على أعتاقهم مستقبلاً.
وفي ختام الحديث، أشار محمد علي – طالب نظم المعلومات، أن اهتمام الجيل الحالي بالوسائط المتعددة، مثل الأفلام والمسلسلات والألعاب..، سبب رئيسي في قضاء الشباب وقتهم في ممارستها والابتعاد عن قراءة الكتاب الورقي.
هذه خزلة من مما نراه اليوم من صرف الشباب نظرهم عن الكتاب الورقي، وخزلة أخرى من الأصوات الضعيفة التي نود أنها كانت صوتاً مبهراً وليس لاذعاً فقط، تدعي أنها من نخبة الكتاب، ولكن في ثنايا وسطور إصداراتها نرى العجب والخفايا التي تخفيها تلك العقول الخاوية من الأدب والثقافة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك