مازال أبعاد جاليري متميزاً بعطاءاته، محتوياً العديد من المعارض التي شكلت رؤيتها الفنية التشكيلية والمعاصرة للنتاج الحالي، فمنذ نشأة هذا الصرح، وهو يسلط الأضواء على تلك اللوحات التي خربش أبيضها، فأصبحت بذلك رمزاً ثقافياً ومجتمعياً لأصحابها، ولكل من وقع في قلبه شغف الفن التشكيلي، حاملة بذلك أصالة الفن البحريني لمختلف المدارس التشكيلية المعاصرة.
ففي يوم الثلاثاء الموافق الرابع عشر من مايو الجاري 2024، واستمراراً لجهود القائمين على صالة (أبعاد جاليري)، احتضنت الصالة التشكيلية المعرض المشترك (اتجاهات فنية)، حيث ازدانت تلك الجدران بمجموعة من الأعمال الفنية التي تنوعت مدارسها، تحت رعاية الأستاذ رضا عبدالله فرج، عضو مجلس الشورى، وبحضور نخبة وجمع غفير من التشكيليين والمهتمين بالشأن الفني الثقافي، وذلك بمقر المعرض الواقع في قرية عالي.
ومن الملموس أن هذه المعارض التي تدشن في وطننا تعد أنموذجا بارزاً وملهما ومشجعا لتلك الفرش النابضة بالحياة، ففي الغالب هذه المعارض تحيي الفن والثقافة بأعمال مستوحاة من قلب الوطن، منعشةً بذلك ذاكرة الشارع البحريني في الاطلاع على تراثهم، وإن كنا بصدد الإطراء على أحد الفنانين التشكيليين، فالمديح يصل إلى صاحب المعرض، الفنان التشكيلي القدير الذي مازال بين الحين والأخرى يمتعنا بإبداعات ريشته، عبد الشهيد خمدن، الذي يثري هذه الساحة الفنية بالأعمال الآسرة، غير متوقف عن حشد أفكاره الإبداعية، وفاتحاً المجال لكل المواهب الجديدة.
وتبادلت الأفكار والأحاديث بين هذه الكوكبة من الفانين التشكيليين الذين تشرف المعرض بوجودهم وهم كالتالي:
عبد الشهيد خمدن، جابر سهراب، عبد الجليل الحايكي، إسماعيل نيروز، موسى رمضان، صالح الماحوزي، إبراهيم أكبر، سعيد علوي، أحمد عبدالرضا، محمد بحر، محمد رضا، سيد جلال، محمد بحرين، فاطمة سلمان، زهرة بوحميد، غدير مجيد، إيمان الحاجي، محمد مؤمن، عبد الله سبت، فرح السندي، دانة بو حسين. وفي ختام هذه الأسماء قد شرفت الفنانة الروسية الكسندرا معرض (اتجاهات فنية)، مضيفةً للمعرض بصمة ونكهة خاصة، برؤيتها للوحات المعروضة على الجدران، مادحة أبرزها ومثنية عليها.
ومن خلال توزيع المعرض لهذه اللوحات، بمختلف مدارسها وألوانها ومقاساتها، نرى الجانب الإبداعي الذي تجلى في مضامينها، حيث رسمت هذه اللوحات ببعد تشكيلي معاصر، بمختلف الألوان، مستخدماً فيهه الألوان المائية والكلاريك، بارزةً بذلك في مضمونها مختلف المواضيع والأبعاد الفكرية، ناقلةً مخيلة الرائي لبعد آخر، وفاتحةٌ لآفاق جديدة من الممكن أن يستلهم منها أفكار أخرى تضيف للفن البحريني لمسته الخاصة.
وفي هذا المحفل التشكيلي، تعددت اللوحات بطرق رسمها، من ناحية الطبيعة، والجغرافيا، وفن الخط العربي، وفن الخط الفارسي..، مجدين ومثرين بذلك التنوع، تشعبات الفنون التشكيلية المختلفة، وناحين بذلك التكرار الممل للأعمال في كثير من المعارض التي تقام، ومعرفين الفنانة الروسية الكسندرا بالفنان البحريني وتميزه، وأنه قادر أن يصل إلى أبعد مما هو عليه، وأن هناك طاقات كامنة تحتاج إلى الاهتمام وتسليط الضوء عليها.
واطلع الفرج على الاختلاف في هذه اللوحات، فكان له بعده الفني الخاص، مادحاً تميزها، حيث تم شرح كل لوحة لحدة، متجهةً تلك اللوحات أكثرها إلى الواقعية، وأقلية من المدرسة التكعيبية والسريالية، واختتم رضا عبدالله هذا المعرض، عارضاً خدماته، وباسطاً كفه الكريمة لدعم الفن والثقافة في البحرين، ومقدراً لهذه الجهود المبذولة من قبل القائمين على المعرض.
وفي هذا الاتجاه، تكونت الرؤية الفنية للمعرض، فعرضت بعض اللوحات جغرافيا البحرين بمناطقها، فيما اتجهت الأخرى إلى الخيال، خارجةً عن هذا السياق، ولكن هذا الاختلاف قد ولد تكراراً نسبيا في بعض اللوحات، فنرى بعض التشابه في تفاصيل اللوحات رغم اختلافها في المعنى وطريقة الرسم، فالفنان الحقيقي والمتطلع يرى هذا التشابه، فكما قلنا سابقاً أن معرض (اتجاهات فنية) اختلف عن المعارض السابقة من ناحية التكرار الفني، ولكن في الوقت نفسه لا يخرجه من هذه الدائرة، لوجود بعض من الترداد في جوانب لوحاته.
وأسدل الستار على المعرض، ومن الصور المعروضة، تصلنا رسائل أن الفن مازال يمضي قدماً، بوجود ريش قد طعمت بالإبداع والأصالة، وأن الفن التشكيلي لا يقل أهمية عن الفنون الأخرى، فهو قادرٌ أن يبحر في وسط مظلم، وأن يضيئه كما يضيء السراج الغرفة المظلمة، فأن الريشة الملهمة قادرة أن تصل برسائل، قد لا تستطيع أن تعبر عنها إلى بإسهاب السطور والكلمات.
ومهما بلغت ابعادنا في قراءة الأعمال الفنية التي احتضنتها صالة ابعاد، لا شك انها اتت بجهود مثمرة من قبل ربان سفينة جاليري ابعاد المخضرم الخطاط والتشكيلي الكبير الفنان عبدالشهيد خمدن الذي لم يألُ جهداً في رفد كل ما هو متصل بالحركة التشكيلية في مملكة البحرين، متفانياً في حضن المواهب والأعمال الرائد في الفن التشكيلي والخط العربي، فالرسائل التي طرحها خمدن هي رسائل لم تجف أحبارها، كونها قادمة من قلب كبير وفنان مخلص لعمله منذ سنوات تجاوزت على الأربعين عاماً.
ومهما بلغت في تعاطيها، تظل زاهية كنجوم السماء في ليلة صيف صافية السماء، مشتعلة بأحلام ولادة اسمه الحب، والعشق في بناء كل صرح يعلو شاهقاً بما يحمله من تعدد فني.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك