قال المخرج السينمائي حسنين الهاني لـ«أخبار الخليج: الدراما هي العمل على اختيار نصوص رصينة، أسوة بما يُكتب في العالم من نصوص، عبر دعمها بأفكار ومواضيع ذات قصص ممتعة مشوقة مسبوكة، تتناول قضايا الإنسان المصيرية والمهمة ومعاناته وتطلعاته، ومواضيع الوطن والجمال والرموز الثقافية والاجتماعية والروحية والفكرية، وبحرفة عالية في أسلوب الكتابة، وتحمل رسالة ومضامين تلامس تطلعات المجتمع وقيمه وتقاليده ومشاعره وذائقته.
بعد ظهور سينما المؤلف في أوربا بعد الحرب العالمية الثانية في أربعينيات القرن الماضي وسحب البساط من هيمنة الأستوديو الأمريكي على الإنتاج السينمائي وبالتالي التلفزيوني، أصبح هذا المفهوم (نظرية المؤلف) ينتشر في العديد من الدول منها الدنمارك وإيطاليا وغيرها إذ تفضي هذه النظرية على المشاركة في إنتاج هذه الأعمال منذ اللبنة الأولى وهي النص (السيناريو) إذ أن كل شخص لديه مايقوله ولو كان في جانب معين، وعليه أدت هذه النظرية إلى المشاركة الفعالة الحقيقية في كتابة الأفلام والمسلسلات، أما اليوم في بلداننا العربية على الرغم من وجود كتاب محترفين (مخضرمين) هنا وهناك لكن لابد من تغيير الدماء والخوض في تجارب جديدة من خلال كتُاب شباب لكي يعكسوا ما يفكروا به في مرحلة حياتية جديدة بالنسبة لهم سيما الزمن المعاصر الذي انفجرت فيه التقنيات الرقمية الحديثة وزمن السوشيال ميديا، وهذه العوامل لها تأثيرات كبيرة تلقي بضلالها على مجتمعاتنا، فمثلا كانت المسلسلات قبل عقدين أو ثلاثة من الآن تتكون من (30 حلقة) وإن كانت القصة كبيرة وناجحة سوف يكون لها جزء آخر أو أكثر مثل (المسلسل العربي ليالي الحلمية) و (رأفت الهجان) والمسلسل السوري (باب الحارة) والمسلسل العراقي (ذئاب الليل) وغيرها من الأعمال الجيدة التي نجحت حتى إقليمياً وكان كتابها هو شخصٍ واحد لكل الأجزاء. أما اليوم فنجد وجود مصطلح (الموسم) ويكون هذا الموسم ربما في (10 حلقات) فقط أكثر أو أقل بواحدة أو اثنتين. فلماذا هذا الاستحداث في قالب العرض الدرامي التلفزيوني ؟ ربما مسألة التسويق وكلفة الإنتاج، ربما انسحاب الكاتب وتسليمها إلى كاتب آخر و ربما لأن القصص أصبحت لا تحتمل التوسع لأكثر من 10 أو 15 حلقة بحدٍ أقصى. فعملية إيجاد ورشة الكتابة أراها مسألة جيدة إلى حدٍ كبير فهي تكون حافز لتلاقي وتلاقح الأفكار فيما بين هذا الفريق ومن جانب آخر تميز كل فرد من هذه المجموعة إن كانوا ثلاثة أشخاص أو أكثر في جانب معين من الكتابة، بمعنى شخص مختص بكتابة جزء القصة إجتماعياً والآخر مختص بكتابة مشاهد الأكشن والمطاردة ومشاهد الشجارات والقتل، وآخر يمتاز بالخوض في القصص النفسية التي تحمل إنعكاسات سيسيولوجية وابستمولوجية.
(ورش الكتابة) أو كما يُطلق عليها البعض (غرفة الكتابة)، هي تعزيز ودعم حقيقي لصاحب الفكرة الأساسية ورفد لفكرته الأم بدعم درامي وزج رؤى متجددة من ذائقة أخرى، فمن خلال هذا الاختلاط يتم دمج الأفكار المتعددة والمنوعة والتي تعمل على إخراج النص بمعلومات ومفارقات جيدة وجديدة وكأنها دخلت معمل جديد لإعادة هيكلته من أجل التقويم والتنضيد والتحفيز، وكما ذكرت آنفاً عملية خوض أكثر من شخص في تجربة واحدة هي خطوة مهمة جداً في إضافة صبغات جديدة ومسارات أكثر لهذه الفكرة التي بنيت على يد كاتب واحد، سيما أن الأعمال الدرامية اليوم ليس من واجبها أن تجد حلولاً لمشكلات اجتماعية، ربما أصبح دورها هو تسليط الضوء على جانب أو جوانب متعددة في العمل الفني الواحد وأصبح مسؤولية المشاهد هو التفكير والتأويل وإيجاد الحلول.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك