قبل بضع سنوات من العقد المنصرم صرحت اليابان كأول دولة بأن من يجهل استخدام الحاسب الالي في نطاق اقليمها الممتد والواسع يكنى (بالأمي) ذلك انها اولت اهتماما مكثفا بنشر المعرفة المعلوماتية على اوسع نطاق مع التأكد من اتقان كل فرد لهذه الامكانية وفق الالية المتبعة في المدارس والمعاهد والجامعات فضلاً عن التربية المعتمدة من قبل الاهالي، حيث إن التعليم لا يقتصر على مفهومه في إطار المدرسة بل يتعداه للتعليم الاجتماعي والمنزلي وفي الشركات والمؤسسات التي انتهجت استراتيجيات تعليمية قوية للأجيال تسهم في تطوير القدرة على الإبداع والابتكار عبر مناهج صممت بأعلى معايير الجودة والفعالية، ففي جميع الولايات اليابانية السبعة والاربعين يوجد معهد للتعليم التكنولوجي يشمل مختبرات للطلبة تحتوي على كافة التسهيلات التكنولوجية من أجهزة كمبيوتر وأجهزة مختبرات تجعل من التعليم التكنولوجي محركاً أساسياً للنهوض والبناء في عجلة التنمية المجتمعية. وفي المجمل فإن حد العبارة لا يقف عند مصطلح الحاسب الالي بل يمتد الى ما هو ابعد من ذلك، حيث ان الفكرة المراد ايصالها تتلخص في اهمية اتقان الانسان للكفايات التعليمية الاساسية وهي القراءة والكتابة اللتان تمثلان الركيزة الاهم في المعرفة بوجه عام، إلا أن هذا المعيار يخضع للتفاوت في التطبيق. وعلى أثر ذلك حذت العديد من الدول هذا النهج بما فيها من مؤسسات تعليمية وتربوية في محاولة لتطبيق هذه الاستراتيجية التي تبدو للوهلة انها سهلة ولكنها في واقع الامر تتطلب الكثير من الموارد المادية والبشرية.
ففي الدول المتقدمة يسهل تحقيق هذا الامر حيث يلعب الاقتصاد دورا مهما في تطبيق الخطط وتحقيق الاهداف الا انه لا يرقى الى ذلك في الدول النامية التي لاتزال في طور الاعداد المعرفي وفق آليات بسيطة وقديمة.
ربما يتساءل الكثير منا في ظل هذه الالفية عن واقع وجود دول بهذه الموارد المحدودة وهو جدل يثير الاستغراب الى ان الكثير من الاقاليم مازالت خاضعة للحياة «البدائية» في وسائل العلم فوفقاً لإذاعة مونت كارلو الدولية يعتبر قطاع التعليم في جنوب السودان من القطاعات المهملة منذ العام 2011 وقد فاقم من ذلك اندلاع الحرب الذي ادى الى هجرة مئات الالاف من الاطفال الى مناطق اخرى ودول مجاورة، كما انه بحسب ما تقدمت به منظمة اليونسيف فقدان اربعة ملايين طفل للتعليم سواء داخل جنوب السودان أو من اللاجئين للدول المجاورة.
كما تعاني النيجر الكثير من التحديات على مستوى التعليم، والتي جاءت نتيجة الصراعات الداخلية والحرب ضد التنظيمات المسلحة، ما أثر على الأمن والاستقرار وشكل تحدياً على كافة القطاعات الحيوية للدولة بما فيها القطاع التعليمي الذي شهد النقص في التمويل والميزانية التعليمية علاوةً على النقص الحاد في أعداد المدرسين، خصوصاً في المناطق النائية وكذلك ضعف البنية التحتية بما فيها صيانة المباني ونقص الكتب والمواد الدراسية.
ومع ظهور الذكاء الاصطناعي وتفوقه في جميع المجالات يبدو الامر مربكاً بعض الشيء على المستوى المعرفي، ففي جانب لا يمكننا انكار اهمية الذكاء الاصطناعي وقدرته الهائلة في تحقيق الثورة والنهوض بالمستوى التعليمي الا انه سيفقد التعليم روحه الاساسية المتجسدة في ابسط صورة للطالب والمعلم علاوة على ما يستهلكه من موارد اقتصادية لا تملكها الا الدول الحديثة والمتقدمة.
ففي هذا الصدد نستعرض تجربة العديد من الدول التي قامت برفع جودة التعليم في مؤسساتها التعليمية باستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي، حيث قامت الولايات المتحدة الامريكية بإنشاء 20 جامعة متخصصة في أبحاث ودراسة الذكاء الاصطناعي منها مجموعة اكسفورد في جامعة اكسفورد والتي تعمل على جمع الاحصائيات واستخدامها في الكثير من البحوث والعلوم وتحتل الصين المرتبة الثانية عالمياً في استخدام الذكاء الاصطناعي حيث انشأت عدة جامعات في هذا المجال منها جامعة تسينغهوا، كما أطلقت مبادرات تعليمية وطنية في مجال الذكاء الاصطناعي باعتباره ركيزة اساسية للدراسة وقد قامت العديد من الدول بإنشاء المعاهد والمختبرات التي تسهم في تطوير الذكاء الاصطناعي على مستوى التعليم بما فيها معهد آلان تورينج في لندن الذي خصص لعلوم البيانات وابحاث الذكاء الاصطناعي والاعمال.
وظهرت الهند في هذا السباق من خلال مختبر أبحاث آلكان 10 الذي يقوم على عملية تطوير الذكاء الاصطناعي بما لديه من خبرة واسعة في هذا المجال.
وعلى المستوى العربي اتجهت مملكة البحرين نحو تعزيز الابتكار وتبني التقنيات الجديدة بما فيها الذكاء الاصطناعي تماشياً مع رؤية البحرين الاقتصادية للعام 2030 عبر تقديم المساعدة للمؤسسات التعليمية عن طريق توفير برامج للتدريب والتطوير، فقد اطلق صندوق العمل تمكين بالتعاون مع جامعة بوليتكنك البحرين وشركة مايكروسوفت منصة لتعزيز قدرات الشباب الابتكارية والابداعية وتعد هذه الخطوة في مملكتنا الغالية هي الاولى من نوعها في منطقة الخليج والشرق الاوسط حيث تهدف إلى تدريب وتأهيل الطلب والمعلمين على اختلاف المدارس والجامعات في انحاء المملكة.
بينما احتلت المملكة العربية السعودية الشقيقة المرتبة الاولى عربياً، حيث وضعت الكثير من الخطط التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي عبر إنشائها
«سدايا» وهو معهد حكومي يقدم العديد من الخدمات الالكترونية التي تربط بين الحكومة والمواطنين.
واحتلت دولة قطر المرتبة الثالثة عربياً في استخدام الذكاء الاصطناعي في مجالات التعليم والعديد من المجالات المختلفة علاوةً على دولة مصر التي اتجهت للاعتماد على تطبيقات الذكاء الاصطناعي في تطوير الامكانيات من خلال تنفيذ برامج لتدريب الطلاب والخريجين والموظفين على تقنيات الذكاء الاصطناعي، وقد سعت المغرب لتطوير التعليم والطب والخروج بأفضل النتائج عبر إنشاء منصة (Mathscan) لتعليم الرياضيات في المدارس والذي يعد التطبيق الأول في الوطن العربي.
يواجه العالم اليوم تحدياً صعباً للغاية وهو تحقيق تجليات الثقافة المتمثلة في ابسط المفاهيم وهي اسباغ طابع العلم والمعرفة على المستوى العالمي وذلك نظراً لتفاوت الامكانيات الاقتصادية والموارد البشرية التي تحظى بها بعض الدول نظير الاخرى، الا ان ذلك لا يمنع ان يسهم الانسان باعتباره العنصر الفعال في نمو ورقي المجتمعات الى التعاون من اجل ايصال المعرفة عبر استحداث البرامج التعليمية ونشرها على النطاق الاوسع ووضع الخطط والاستراتيجيات في ضوء الموارد الاقتصادية المتوافرة مما يتيح تفعيلها والخروج بنتائج على المستوى العالمي.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك