العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

الثقافي

معرض الفنان التشكيلي يوسف عبدلكي.. لوحات تنطق بطبيعتها الصامِتة

كتبت: زينب علي البحراني

السبت ١٥ يونيو ٢٠٢٤ - 02:00

موسوعة‭ ‬فنيَّة‭ ‬بشريَّة،‭ ‬ثروة‭ ‬من‭ ‬المشاعِر‭ ‬المُثقفة‭ ‬بإتقان،‭ ‬كنزٌ‭ ‬من‭ ‬الأفكار‭ ‬الإنسانيَّة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬ينصبُّ‭ ‬في‭ ‬بوتقة‭ ‬الإبداع‭ ‬المنظور‭ ‬إلا‭ ‬أقلّها،‭ ‬هذا‭ ‬أقلُّ‭ ‬ما‭ ‬يُمكن‭ ‬أن‭ ‬يوصف‭ ‬به‭ ‬الفنان‭ ‬التشكيلي‭ ‬السوري‭ ‬القدير‭ ‬يوسف‭ ‬عبدلكي،‭ ‬الذي‭ ‬يستضيف‭ ‬‮«‬فضاء‭ ‬فولك‭ ‬للفنون‮»‬‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬معرضه‭ ‬التشكيلي‭ ‬من‭ ‬21‭ ‬مايو‭ ‬إلى‭ ‬2‭ ‬يوليو‭ ‬2024م،‭ ‬واهِبًا‭ ‬جمهور‭ ‬عُشاق‭ ‬الفنون‭ ‬والثقافة‭ ‬فُرصةً‭ ‬ثمينة‭ ‬لخوض‭ ‬تجربة‭ ‬استثنائيَّة‭ ‬ومُشاهدة‭ ‬جانب‭ ‬من‭ ‬أعمال‭ ‬فنان‭ ‬سبقَت‭ ‬لاحتضان‭ ‬لوحاته‭ ‬متاحف‭ ‬عالميَّة‭ ‬مرموقة‭ ‬منها‭ ‬المتحف‭ ‬البريطاني،‭ ‬ومعهد‭ ‬العالَم‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬باريس،‭ ‬ومتحف‭ ‬عمّان‭ ‬للفن‭ ‬الحديث،‭ ‬والمتحف‭ ‬الوطني‭ ‬في‭ ‬الكويت‭.‬

الفنان‭ ‬الذي‭ ‬التقى‭ ‬به‭ ‬الجمهور‭ ‬في‭ ‬مكتبة‭ ‬مُتحف‭ ‬البحرين‭ ‬الوطني‭ ‬الأربعاء‭ ‬22‭ ‬مايو‭ ‬الماضي‭ ‬2024م‭ ‬ليُفصح‭ ‬عن‭ ‬جوانب‭ ‬من‭ ‬آرائه‭ ‬ورؤاه‭ ‬عبر‭ ‬حوارٍ‭ ‬مفتوح‭ ‬حول‭ ‬الفن‭ ‬المُعاصِر‭ ‬والعربي؛‭ ‬سلَّط‭ ‬الضوء‭ ‬خلال‭ ‬حديثه‭ ‬على‭ ‬باقةٍ‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬الفنيَّة‭ ‬بأسلوبٍ‭ ‬ينم‭ ‬عن‭ ‬ثقافة‭ ‬من‭ ‬الطراز‭ ‬الرفيع‭ ‬ومهارةٍ‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬دفة‭ ‬الحوار‭ ‬بطلاقة،‭ ‬فسرَدَ‭ ‬جانبًا‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬لوحة‭ ‬الحامِل‭ ‬المُتداولة‭ ‬اليوم‭ ‬باعتبارها‭ ‬لوحة‭ ‬صغيرة‭ ‬الحجم‭ ‬تُحقق‭ ‬شروط‭ ‬النظام‭ ‬الرأسمالي‭ ‬بإمكانية‭ ‬نقلها‭ ‬من‭ ‬مكانٍ‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬سهولة‭ ‬بيعها‭ ‬واقتنائها،‭ ‬وهي‭ ‬إنجازٌ‭ ‬أوروبي‭ ‬بدأ‭ ‬مع‭ ‬بدايات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬ثم‭ ‬انتقل‭ ‬إلى‭ ‬بقية‭ ‬بقاع‭ ‬الأرض‭ ‬ومنها‭ ‬المشرق‭ ‬والمغرب‭ ‬العربي،‭ ‬وفي‭ ‬مُحاولة‭ ‬للإجابة‭ ‬عن‭ ‬السؤال‭ ‬المطروح‭ ‬دائمًا‭ ‬بشأن‭ ‬دور‭ ‬الفن‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬المُجتمع؛‭ ‬فقد‭ ‬أشار‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الأعمال‭ ‬الفنيَّة‭ ‬قد‭ ‬تُعبّر‭ ‬عن‭ ‬أحلام‭ ‬المُجتمع‭ ‬وتعكس‭ ‬مُشكِلاته‭ ‬بطريقةٍ‭ ‬أو‭ ‬بأخرى؛‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬جانبٍ‭ ‬آخر‭ ‬يبقى‭ ‬كُل‭ ‬عمل‭ ‬فني‭ ‬وسيلة‭ ‬للإفصاح‭ ‬عن‭ ‬هموم‭ ‬شخصيَّة‭ ‬للفنان‭ ‬باعتبار‭ ‬كُل‭ ‬فنان‭ ‬هو‭ ‬جُزء‭ ‬من‭ ‬المُجتمع،‭ ‬لكن‭ ‬يظل‭ ‬الدور‭ ‬الأساسي‭ ‬للفنان‭ ‬هو‭ ‬تقديم‭ ‬رؤيته‭ ‬الجماليَّة‭ ‬للأشياء‭ ‬بأن‭ ‬يُقدّم‭ ‬أعمالاً‭ ‬تعكس‭ ‬رؤيته‭ ‬لذاته‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬وتستمتع‭ ‬عين‭ ‬المُتلقي‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭.. ‬كما‭ ‬طرحَ‭ ‬وُجهة‭ ‬نظره‭ ‬التي‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬كُل‭ ‬رسَّام،‭ ‬شاعِر،‭ ‬عالِم‭ ‬اجتماع‭ ‬أو‭ ‬تاجر‭ ‬درَّاجاتٍ‭ ‬هوائيَّة‭ ‬لابُد‭ ‬وأن‭ ‬يرى‭ ‬الواقع‭ ‬المُحيط‭ ‬به‭ ‬ويحترم‭ ‬حقيقته؛‭ ‬والواقع‭ ‬اليوم‭ ‬أننا‭ ‬نعيشُ‭ ‬في‭ ‬مُجتمع‭ ‬تُهيمن‭ ‬الرأسماليَّة‭ ‬على‭ ‬حركته،‭ ‬ولا‭ ‬يُمكن‭ ‬لإنسان‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬هذه‭ ‬المنظومة‭ ‬القوية‭ ‬المُتحكمة‭ ‬بمصائر‭ ‬البشر‭ ‬لمُجرد‭ ‬رغبته‭ ‬الفرديَّة،‭ ‬لأنهُ‭ ‬إن‭ ‬فعل‭ ‬ذلك‭ ‬يحكم‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬بالعُزلة،‭ ‬والعُزلة‭ ‬الكاملة‭ ‬خيار‭ ‬غير‭ ‬مُتاح‭ ‬لأن‭ ‬الفنان‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يُفكر‭ ‬بالآخرين‭ ‬لحبسَ‭ ‬لوحاته‭ ‬في‭ ‬رأسه‭ ‬لنفسه،‭ ‬لذا‭ ‬لابُد‭ ‬من‭ ‬تقديم‭ ‬تنازُل‭ ‬من‭ ‬جِهة‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬مكاسب‭ ‬من‭ ‬جهاتٍ‭ ‬أُخرى‭.‬

عن‭ ‬إقامة‭ ‬المعارض‭ ‬الفنيَّة‭ ‬ومُرتاديها‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬بوجهٍ‭ ‬عام‭ ‬أشارَ‭ ‬إلى‭ ‬حكايةٍ‭ ‬طريفة‭ ‬حدثت‭ ‬في‭ ‬دمشق‭ ‬عام‭ ‬1948م؛‭ ‬إذ‭ ‬اتفق‭ ‬ثلاثة‭ ‬فنانين‭ ‬تشكيليين‭ ‬سوريين‭ ‬في‭ ‬ذاك‭ ‬الوقت‭ ‬على‭ ‬إقامة‭ ‬معرضٍ‭ ‬تشكيلي‭ ‬في‭ ‬الطابق‭ ‬الأخير‭ ‬من‭ ‬وزارة‭ ‬التربية؛‭ ‬يوم‭ ‬الافتتاح‭ ‬امتلأ‭ ‬المكان‭ ‬برُعاة‭ ‬المعرض‭ ‬ومُثلي‭ ‬الجات‭ ‬الإعلاميَّة‭ ‬والمدعوين،‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬لم‭ ‬يأتِ‭ ‬أحد،‭ ‬اليوم‭ ‬الثالث‭ ‬لم‭ ‬يأتِ‭ ‬أحد،‭ ‬وبينما‭ ‬كان‭ ‬الفنانون‭ ‬غارقون‭ ‬في‭ ‬إحباطهم‭ ‬خلال‭ ‬اليوم‭ ‬الرَّابع‭ ‬دخل‭ ‬شخصٌ‭ ‬إلى‭ ‬قاعة‭ ‬المعرض‭ ‬فدبَّ‭ ‬الأمل‭ ‬في‭ ‬أرواحهم‭ ‬وانطلق‭ ‬ثلاثتهم‭ ‬نحوهُ‭ ‬مُرحبين‭ ‬ومُبتهجين،‭ ‬وإذا‭ ‬به‭ ‬يسألهم‭ ‬بارتباك‭: ‬عفوًا‭.. ‬أينَ‭ ‬يقع‭ ‬الجامِع؟‭! ‬فحتى‭ ‬هذا‭ ‬الزائر‭ ‬الوحيد‭ ‬دخلَ‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الخطأ‭ ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬مكان‭ ‬الجامع‭ ‬ليُصلّي‭.. ‬هذا‭ ‬جُزء‭ ‬من‭ ‬واقع‭ ‬المعارض‭ ‬الفنيَّة‭ ‬في‭ ‬مُجتمعاتنا‭ ‬العربيَّة‭ ‬وعلى‭ ‬الفنان‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬واعيًا‭ ‬هذا‭ ‬الواقع‭ ‬لتكون‭ ‬توقعاته‭ ‬مُتزِنة‭ ‬ولا‭ ‬يغرق‭ ‬في‭ ‬هاوية‭ ‬الإحباط‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬اليأس‭.‬

تجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الفنان‭ ‬يوسف‭ ‬عبدلكي‭ ‬الذي‭ ‬يحترف‭ ‬المغامرة‭ ‬الفنيَّة‭ ‬منذ‭ ‬خمسة‭ ‬عقود‭ ‬وُلِدَ‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬القامشلي‭ ‬السورية‭ ‬عام‭ ‬1951م،‭ ‬في‭ ‬الخامسة‭ ‬عشرة‭ ‬من‭ ‬عمره‭ ‬انضم‭ ‬للدراسة‭ ‬في‭ ‬مركز‭ ‬الفنون‭ ‬التطبيقية،‭ ‬هناك‭ ‬استمتع‭ ‬بدراسة‭ ‬الإعلان‭ ‬الجداري‭ ‬والخط‭ ‬العربي،‭ ‬ومنذ‭ ‬ذاك‭ ‬العمر‭ ‬المبكر‭ ‬وهو‭ ‬يهتم‭ ‬بالأعمال‭ ‬الغرافيكية‭ ‬أو‭ ‬الأعمال‭ ‬المطبوعة،‭ ‬نالَ‭ ‬إجازةً‭ ‬من‭ ‬كُلية‭ ‬الفنون‭ ‬الجميلة‭ ‬بدمشق‭ ‬عام‭ ‬1976م،‭ ‬وحصل‭ ‬على‭ ‬دبلوم‭ ‬حفر‭ ‬من‭ ‬المدرسة‭ ‬الوطنيَّة‭ ‬العُليا‭ ‬للفنون‭ ‬الجميلة‭ ‬في‭ ‬باريس‭ ‬عام‭ ‬1986م،‭ ‬ثم‭ ‬الدكتوراة‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬باريس‭ ‬الثامنة‭ ‬عام‭ ‬1989م،‭ ‬يُعرف‭ ‬اليوم‭ ‬بكونه‭ ‬من‭ ‬أشهر‭ ‬فنَّاني‭ ‬الحفر‭ ‬والجرافيك‭ ‬وتصميم‭ ‬الشعارات‭ ‬والمُلصقات‭ ‬والأغلِفة،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬رسَّامي‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬المؤثرين‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬ولا‭ ‬عجبَ‭ ‬إذ‭ ‬تتسم‭ ‬شخصيته‭ ‬بطابعٍ‭ ‬ساخرٍ‭ ‬يمتاز‭ ‬بسُرعة‭ ‬البديهة‭ ‬وروح‭ ‬الدعابة‭ ‬اللاذعة‭.. ‬في‭ ‬معرضه‭ ‬الأخير‭ ‬الذي‭ ‬يستضيفه‭ ‬فضاء‭ ‬فولك‭ ‬للفنون‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬نرى‭ ‬باقة‭ ‬من‭ ‬لوحاته‭ ‬التي‭ ‬تُعبّر‭ ‬عمَّا‭ ‬يُطلق‭ ‬عليه‭ ‬الطبيعة‭ ‬الصامتة‭ ‬أو‭ ‬الطبيعة‭ ‬الجامدة‭ ‬كجُزء‭ ‬من‭ ‬مشروع‭ ‬فني‭ ‬بدأه‭ ‬منذ‭ ‬قرابة‭ ‬25‭ ‬عامًا،‭ ‬بينما‭ ‬تستوحي‭ ‬لوحاتٌ‭ ‬أخرى‭ ‬مضمونها‭ ‬من‭ ‬رُباعيات‭ ‬الشاعر‭ ‬المصري‭ ‬صلاح‭ ‬جاهين‭ ‬في‭ ‬مُحاولة‭ ‬للمزاوجة‭ ‬بين‭ ‬الإبداع‭ ‬وترجمة‭ ‬النص‭ ‬الأدبي‭ ‬بصريًا‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا