يقول الأديب جبران خليل جبر: «إن قمة الصبر أن تسكت وفي قلبك جرح يتكلم.. وقمة القوة أن تبتسم وفي عينك ألف دمعة!
ما أعظم تلك الكلمات القليلة التي تحمل في طياتها الكثير من المعاني الجميلة، فمن عظيم الصبر كتم المصيبة حتى يظن الجميع أنك معافى، وحفظ هدوئك في لحظة الحزن.. وإظهار سعادة قد لا تشعر بها.. والابتسام رغم شعورك بالرغبة في البكاء أحيانا.
هكذا كان تعاطيها مع الابتلاء الذي خصها به الخالق سبحانه وتعالي منذ أن ظهرت عليها أعراض مرض روماتيزم العظام، وذلك عقب تعرضها لحادث سقوط من الدراجة عند عمر ثلاث سنوات ونصف، الأمر الذي نتج عنه إصابتها بإعاقة جسدية لازمتها منذ نعومة أظافرها، لكنها آثرت ألا تصبر عليها، وتتعايش معها حتى هان عليها أثر شوك العجز من تحت أقدامها.
مريم عادل الخاجة، المساعد الإداري بالمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، فتاة من طراز خاص، لا تقبل بالهزيمة، كسرت القيود، وحطمت الحواجز، فانتصرت على إعاقتها، وواصلت المسيرة بكل قوة وثبات رغم التحديات وما أكثرها، بل اختارت التفرد والتميز فكانت صاحبة أول رسالة ماجستير من نوعها بعنوان «التحول الرقمي وأثره على رضا العملاء في القطاع المصرفي في البحرين»، لتترك بذلك بصمة خاصة بها في عالم ذوي الهمم.
حول هذه التجربة كان الحوار التالي:
متى تم اكتشاف الإعاقة؟
لقد ظهرت أعراض مرضية شديدة لدي عند عمر ثلاث سنوات ونصف في أعقاب تعرضي لحادث سقوط حاد من الدراجة في أحد السباقات، حيث تم التشخيص لاحقا بأنني مصابة بروماتيزم العظام، الذي كان في ذلك الوقت من الأمراض غير الشائعة، ومن هنا بدأت رحلتي مع هذا المرض الذي لا يرحم بسبب تطور مضاعفاته مع الوقت، وبالطبع كانت صدمة شديدة لعائلتي، وقد التحقت بالروضة في هذه السن المبكرة ثم واصلت مشواري العلمي بمدارس الحكومة رغم كل العثرات والتحديات.
أهم التحديات؟
من أهم التحديات وأصعبها هو زيادة أعراض المرض مع الوقت وما تسببه من آلام وتيبسات في العظام في كل أعضاء جسمي، ومن ثم عدم القدرة على الاستقلالية أو الحركة، حيث بدأت أواجه صعوبة في المشي والتوازن، وفي البداية كنت أرفض استخدام الكرسي المتحرك خجلا منه ومن نظرات الناس وإشفاقهم عليّ، ولكني لاحقا اضطررت لاستعماله خاصة خارج إطار المدرسة أو الجامعة، وقد حرصت على مواصلة مشواري العلمي رغم تطور مرضي بشكل كبير ومخيف.
متى بدأت رحلة العلاج؟
مع الوقت زادت المشاكل الصحية التي أعاني منها حتى وصل بي الأمر إلى الحاجة إلى تبديل خمسة مفاصل، وقد بدأت الرحلة العلاجية عند عمر 18 عاما، وذلك بعد اكتمال نمو الجسم بحسب نصيحة الأطباء، وتم إجراء 14 عملية جراحية، أول اثنتان منها كانتا في لندن كلينك، وكنت أول حالة تجري جراحة تبديل مفاصل للحوضين في عملية واحدة بها، ولله الحمد نجحت العملية.
ماذا عن تأثير ذلك على دراستك؟
لم تتأثر دراستي مطلقا بما مررت به من ظروف صحية وتلقي العلاج وإجراء عمليات جراحية، وذلك نظرا إلى حرصي الشديد على مواصلة تعليمي رغم أي صعوبات، وقد التحقت بالجامعة الأهلية للحصول على شهادة البكالوريوس، ولكني اضطررت إلى التوقف فصلا دراسيا كاملا في العام الثاني من أجل إجراء العملية السابقة الذكر، وكنت أقوم بالبحث دوما عن كافة المعلومات التي تخص هذا المرض، وعن العمليات التي تجرى للتخفيف من حدته، من أجل تأهيل نفسي لخوض أي تجربة، ولعل أصعب العمليات التي أجريت لي كانت تبديل الركبتين للتخفيف من مضاعفات المرض الشديدة التي أثرت عليهما، وعلى شكل الساقين، ومن ثم على التوازن بدرجة كبيرة.
تجربة تركت علامة بداخلك؟
يمكن القول بأن الله سبحانه وتعالى قد سخر لي أناسا قدموا لي كل الدعم والمساندة منهم زملاء الدراسة والأساتذة بالجامعة، الذين تعاونوا معي بشدة، ولن أنسى لهم الكثير من المواقف الإيجابية التي خففت عني الكثير من الصعوبات التي واجهتها في مرحلة الجامعة، وفي المقابل كان لي تجربة مؤلمة مع أحد الأطباء الذي تحدث معي بأسلوب غلب عليه القسوة والإنسانية بعض الشيء، وذلك حين نصحني صراحة بأن أتوقف عن العمل وعن السياقة تفاديا لأي حادث قد يعرضني لشلل دائم، وبالطبع مثلت كلماته هذه في البداية جرعة مكثفة من اليأس والإحباط وكأنه يدعوني إلى أن أسجن نفسي بين أربعة حوائط، الأمر الذي دفعني إلى الجلوس في غرفتي مدة أسبوع تقريبا في حالة من الحزن الشديد، ولكني قررت أن أنسى تلك النصيحة السوداء وأن أصبح قدوة لغيري، وأواصل حياتي ومسيرتي وألا أستسلم لأي آراء محبطة.
هل تعرضتِ للتنمر؟
نعم وللأسف الشديد، ومن المؤكد أن التنمر علي يؤلمني كثيرا، وهناك جمل بعينها لن أنسى قسوتها طالما حييت كوصفي بالعجوز، أو البطريق، أو العارجة، وكثيرا ما بكيت حين سماعها، وخاصة إذا جاءت هذه التعليقات من أناس قريبين لي، هنا يكون الجرح أعمق، وفي 2018 بدأت مرحلة جديدة من مسيرتي وذلك حين التحقت بالعمل لدى المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، بعد اجتياز الاختبارات اللازمة وهو ما منحني الكثير من الثقة بالنفس والتغاضي عن أي محاولات للسخرية أو للنيل من عزيمتي.
أهم الصعوبات على صعيد العمل؟
لا شك أن كثرة الحركة تمثل أهم الصعوبات على صعيد العمل كوني أعمل في قسم التدريب، الامر الذي يتطلب مني بذل جهد كبير وحركة سريعة، وخاصة عند تنظيم الفعاليات والمؤتمرات، إلى جانب العمل الإضافي في بعض الأوقات وحرصي على عدم التقصير في أداء وإنجاز مهامي تماما مثل غيري من الأصحاء حتى لو جاء ذلك على حساب صحتي، لأنني ببساطة أجد نفسي أكثر إرادة وعزما وطموحا من أي إنسان طبيعي لإيماني بأن عطاء الله سبحانه وتعالى دائما يكون أكبر مما آخذه، وأتمنى الارتقاء الوظيفي بما يحقق لي التميز.
ماذا عن رسالة الماجستير الأولى من نوعها؟
لقد حصلت على أول رسالة ماجستير من نوعها وكانت تحت عنوان «أثر التحول الرقمي على رضا العملاء في القطاع البنكي في مملكة البحرين»، حيث أرى موضوعها من أهم القضايا الحصرية والجديدة على الساحة والتي تتماشي تماما مع رؤية البحرين الاقتصادية 2023 وأهداف التنمية المستدامة، وهو ما يصب في رقي وتطور ونهضة مملكتنا تحت ظل قيادتنا الرشيدة.
ومشروعك الخاص؟
مشروعي الخاص يتعلق بملابس المرأة من فساتين وجلابيات وقد جاءت فكرته انطلاقا من تعلقي وعشقي للموضة والأناقة وتنسيق الألوان وبهدف تحقيق دخل مادي لي إضافي، علما أنني أطلقته بمفردي من دون أي دعم من أحد، وقدمت حتى الآن ثلاث مجموعات لاقت استحسانا كبيرا، ولكن حتى الآن مازال العائد منه محدودا وأجد نفسي بحاجة إلى دعم مالي وتسويقي من أجل الاستمرارية.
طموحك الحالي؟
مازال لدي الكثير من الطموحات التي أسعى إلى تحقيقها ولعل أهمها حاليا هو لقاء شيخ الإنسانية والتواضع سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة، وكذلك سرد قصة حياتي ونشرها في الوطن العربي بمساعدة من أي شخص يملك مهارة الكتابة لأوجه من خلالها رسالة مفادها «لا إعاقة مع الإرادة»، هذا إلى جانب التمكن من مواصلة مشروعي الخاص وحصولي على الدعم اللازم، وخاصة أنه يمثل مصدر رزق لي ولمواطنين بحرينيين، علما أنني اخطط لتوفير خدمات خاصة لصديقات مشروعي من فئة ذوي الهمم، أما على الصعيد العلمي فكلي أمل في الحصول على بعثة دراسية لرسالة الدكتوراه من مملكتي لإكمال مسيرتي العلمية في لندن.
رسالة لذوي الهمم؟
رسالتي إلى ذوي الاحتياجات الخاصة هي عدم الاستسلام أو اليأس مهما واجهوا من تحديات، ولا يعبأوا بنظرة الناس إليهم، بل يسعوا للأفضل دائما ولا يركزوا على المفقودات لديهم بل على الجانب التعويضي، فالله سبحانه وتعالى يعطي أكثر مما يأخذ، وكم أتمنى المشاركة والفوز في مبادرة حكايتي للمؤسسة الملكية للأعمال الإنسانية التي شاركت بها سابقا ولم يحالفني حظ الفوز، وذلك كي أقدم تجربتي لتصبح قدوة للآخرين يهتدون بها.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك