(لم تكن رسائلها محض صدفة..
بل هوى ذاكرة حفظت سر حكاية البحر
منذ كان الليل عاشقاً لقمر ونجوم
ومنذ كان الصحاب لأبيها يتغنون بأنشودة البحر
يتسامرون على ترعة ماء وتلال وغابات..
تنحدرُ من صلب رجال هم وشمُ كتبٍ لتاريخ..
لم يغادر زمنه ولم يستوحش الأمكنة)
اللعب على تفجير الذاكرة السردية، يحتاج منا إلى أن نحلم وأن نعيد الحلم ساحات تنشغلُ بأحداث من يسكنها، ومن يتعاطى معها بصدق من دون أن تكون وليدة نزوة تبدأ ثم تموت.
بين هذا البعد وصدق خطى المسير، نرسم دواخلنا بفيض تلك الذاكرة النشطة التي عرفناها، فتمسكنا بصواريها وأشرعتها لنصل بسفننا نحو غاية نحن ندركها، ونتهجس نبضها في كل ثانية.
هكذا هو الحلم كما قرأته في مسيرة أكثر الروائيين انتماء للإنسان والأرض، دون أن أنظر بسلبية إلى جدار شدة البصيرة في الكثير من الآمال التي خرجت للملأ لتبقى بوهجها مشعلاً لأول المسير.
ذلك الاشتغال الذي عرفته في إبداعات الكثيرين من كتاب الرواية على مدى سنوات طويلة منذ كنت صبيا حتى منتصف العمر، وهذا الهاجس ظل ملازماً لي، لأني أحببت قراءة الرواية على يد مبدعيها من رواد كتاب الرواية، غربية كانت أو عربية، فكانت هي الرسائل الأولى التي لازمت خطواتي في حبي أو عشقي لقراءة الشعر وكتابته، فانشغلتُ بشخوصها وحكاياتها ولا زلت، فكانت هي النبراس لي بعد الشعر، تحتضنني وتهدد تعبي في كل مرحلة عمرية.
وتمر السنوات وتكبر الصحوة في جسد الكتابة في ولادة أصوات جديدة متنافسة على سرد حكايتها ضمن صحوة تجوسق اسمها باسم (عصر الرواية)، ومنذ أن قرأت الرواية الجديدة التي ولدت لكتاب عرب وخليجيين، كانت الصحوة شديدة على كتاب وكاتبات الرواية في وطني البحرين، الذي أبرز لنا الكثير من كتاب وكاتبات الرواية الجديدة، بعضها تألق وبعضها ظل يراوح مكانه من دون أن يثير وهج القارئ.
ومن بين تلك الأصوات، يبرز صوت الكاتبة والروائية البحرينية ليلى المطوع، التي عرفت بدفاعها عن المرأة من خلال ما تكتبه عبر مقالاتها ونصوصها، وانحيازها لمشاغل المرأة والدفاع عنها.
ففي روايتها «قلبي ليس للبيع» التي قالت عنها: «في روايتي هذه أقدم لكم قصة واقعية الشخصيات، فلا تستغرب إن وجدت نفسك فيها. لقد حدثت في إحدى الدول العربية وتعمّدت فيها تغيير بعض ملامح التفاصيل المحيطة وجزئيات الوقائع والأحداث، رواية (قلبي ليس للبيع) وصمة من الحياة تنبجس عما تخفيه الأنفس من أسرار ومشاعر وعقد وتناقضات حياتية يومية بين المعهود واللامعهود؛ أقدم لكم في هذه الحبكة ثلاث شخصيات رئيسية، كلّ شخصية منها تحمل وجهة نظر وبيئة مختلفة، ولكل منها مفاهيم خاصة وبصمة دامغة بسبب البيئة والبنية الاجتماعية وتناقضاتها».
هذا بالنسبة إلى روايتها المعنونة «قلبي ليس للبيع» الصادرة في طبعتها عام 2012 عن دار الفارابي، والتي لاقت استحساناً لدى القراء، وكانت أكثر مبيعاً.
وفي روايتها الجديدة «المنسيون بين ماءين» الصادرة حديثا عن دار رشم 2024، والتي تستحضر عبر أحداثها رسائل عميقة حول أبعاد الهوية والانتماء، عبر إثارة العديد من الأسئلة حول دور الفرد في مواجهة أقسى النسيان.
وكما أكدت الروائية ليلى المطوع: «أنها تشعر بأن الحياة هي بحرٌ ممتدٌ لا نهاية له».
ليلى المطوع، هي واقع لرسائل لا تمحو أحبارها، ولا تجف أقدامها، كونها استشعرت ذلك الصراع البشري المشحون بفيض من الحكايات المختمرة في واقع الإنسان وفي مسيرته المرتبطة بإرثها وبهويتها التي هي في واقع الحدث جلمود لا ينكسر ولا يلين، بل تتعاطى عبره الأفكار وتنسج الحكايات ضمن دراسة المجتمعات وصراعاتها عبر التاريخ، بما حملته من تراث وتاريخ لم يغل أن يسجل وجع الإنسان وعلاقته بالأرض كمكان له زمن وله مجتمع يسكنه، ويتعاطى معه بمفهوم واقع الهوية.
إذًا في جديدها المطوع «المنسيون بين ماءين»، أنها تدافع عن حقوق البشر بوصفهم بشراً، ينغمسون في واقع الحياة ويكتظون بانشغالات لا تخرجهم من التاريخ من دون هوية الانتماء للأرض.
بالإضافة إلى امتلاك المطوع لغة سلسة تحيل الصعب سهلاً في القراءة، وثراء لغوي مكثفاً يتعاطى بواقعية مع الأحداث التي هي في صلب حكاية ليلى المطوع، لا يجف ماؤه، ولا من الممكن مغادرة أو استنساخ هويته العالقة بجذور الأرض والبشر.
الرواية من الروايات المهمة في مسيرة الروائية المطوع، وتباع في مكتبة كلمات، الحرص على اقتنائها يعيد لنا قيمة مفهوم السرد وجمالياته الأخرى.
a.astrawi@gmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك