علاقات المعنى الفلسفية هي موضوع مهم في علم اللغة والفلسفة. تدور هذه العلاقات حول كيفية تكوين وفهم المعاني في اللغة وخصوصاً عندما يكون هناك لغة مختلفة اعتمدت الانزياحات والتشبيه والإشارة إلى الأشياء من خلال التقارب والتباعد، وكيفية ارتباط هذه المعاني بالعقل والوجود.
إنّ علاقات النصّ من خلال المعنى والمعنى الفلسفي لا تتوقّف في نقطة معينة، فالسفرة التي تقودنا إلى جبال من التفكيك والتفاعلات الأبستيمولوجية هي التي تقودنا إلى نظرية المعنى والتي تعتمد على الفلسفة التفكيكية المنسجمة مع رؤية المعنى وعلاقاته العديدة؛ سنكون مع بعض العلاقات الداخلية للمعاني الفلسفية والتي هي مركز إشارة لكلّ متطلع إلى هذا الجانب:
علاقة الدلالة: (Denotation)
تشير الدلالة إلى المعنى الأساسي أو الأوّلي للكلمة، وهي التي تتعلّق بالواقع الظاهر، أي أنّ الحدث الأساسي للمعنى يكمن في معنى الدلالة وحركتها النصّية، مثلاً كلمة "تفاحة" فالكلمة تدلّ على الفاكهة لأنّها إحدى أنواعها، وذلك من خلال شكلها ولونها الظاهر.
طالما أن الدلالة عبارة عن الدال + المدلول، فإنّ الدال يختلف من لغة إلى أخرى، وذلك لأنّه يدلّ على الصورة السمعية (وهذا يعني وجود أصوات)، أما المدلول فإنّه الصورة التصوّرية فيساوي (المفهوم)، لذلك نلاحظ أن المدلول متساو لدى الجميع تقريباً. وإذا أخذنا المفهوم التصوّري للدلالة، فإنّها تقودنا إلى نظام التشبيه والاستعارة، حيث أنّ التشبيه يعتبر جزءاً من الاستعارة.
من خلال الأفعال الحركية الدالّة، نستدلّ على ما يلزم من الدلالة اللغوية، فمنها دلالة المطابقة، والتي يكون فيها اللفظ مطابقا للمعنى؛ وفي هذه الحالة تعتبر الدلالة معجمية، وهي الدلالة الأساسية للمعنى.
التشبيه: هناك علاقة دالة بين التشبيه والدلالة، ومن الممكن أن نقول دلالة التشبيه، وفي حالة التشبيه الضمني لا نبتعد عن الدلالة الضمنية أيضاً الدالة على الزمنية أو المكانية، أو على نوع الحدث الأدبي؛ ويشير التشبيه إلى الأبعاد الإضافية للمعنى، ولكن في الوقت نفسه، فإنّه يفيدنا في تأسيس الصور الذهنية والتي تكون الغطاء الأوّل للنصّ عند الكتابة.
علاقة الاستعارة: (Metaphor)
تستخدم لتوجيه الانتباه إلى الشبه بين شيئين مختلفين تماماً، والتعبير عن معنى من خلال اللغة المختلفة. مثلاً، عبارة "قلب من حجر" تستخدم لوصف شخص لا يظهر مشاعره بسهولة. لا تنحصر الاستعارة في علاقة المشابهة، وإلا سوف تقودنا إلى الأشياء الجزئية، لذلك نقول إنّ التشبيه جزء من الاستعارة، وفي الوقت نفسه، لا يمكننا أن نحدّد مفهوم الاستعارة إلا من خلال السياق النصّي، أو يكون لسياق الجملة الأثر الفعال في ظهور الاستعارة. (الاستعارة هي أمر من أمور اللغة: بمعنى أنّ الاستعارة هي ظاهرة لغوية يتمّ فيها استخدام لفظ " أو معناه " عوضاً عن لفظ آخر " أو معناه " على أساس التشابه بين طرفيها. - الاستعارة التصورية – ص 63 – د. عمر بن دحمان).
علاقة الرمز :(Symbolism)
الرمزية هي البؤرة التكوينية للنصّ، وخصوصاً النصوص الشعرية، وقد دخلت الرمزية حتى في تفسير شعارات الكثير من المؤسّسات والجهات ذات الشأن، ولكن الذي ننحى صوبه هو العلاقة الجدلية بين الرمزية والمعنى الفلسفي في المنظور النصّي، وقد تمّ استخدام الرمز لتمثيل مفاهيم أو أفكار أعمق من المعنى الظاهري للرمز. على سبيل المثال، العلم الأحمر يرمز إلى الدماء والشجاعة في الثورات والنضالات.
علاقة الدال (Sign) والمدلول (Signified) :
يقترن الدال بالمدلول في النظرية السيميوطيقة. الدال هو الرمز اللغوي نفسه (مثل الكلمة)، بينما المدلول هو المعنى أو الفكرة التي يرمز إليها الدال. مثلاً، الدال هو كلمة "شجرة" والمدلول هو الكائن الحي ذو الساق والفروع والأوراق. والمهم في الأمر أنّ المعرفة التي تتبيّن في النصّ هي معرفة داخلية بتأثير من المعارف الخارجية.
الوضعية في المعنى :Contextual Sentence in Meaning
ومنه الوضع الرمزي، الدال نفسه، فله وضعه الخاص، وكذلك له تأويله في الجملة أو في النصّ المكتوب، وأيّ وضع كان، فإنّه على علاقة مع اللغة، فالواضع يكون، واضع اللغة، وهي المقوّم الأساسي للنصّ، إن كان مكتوباً – مفهوماً، وإن كان مقروءاً – ذهنياً ومازال في وضع الفهم لكي يدخل مفاهيم النصّ.
العلاقة المرجعية: (Reference)
تشير إلى العلاقة بين اللغة والعالم الخارجي. عندما نستخدم كلمة مثل "الشمس"، فإنّ المرجعية هي الجسم السماوي الذي يشعّ الضوء والحرارة. وعندما تكون الشمس دالة على نفسها، فمن الممكن أن نوظّفها كرمز من رموز النصّ، ومعناها متعلّق بسياق الجملة التي دخلت عليها.
علاقة الاشتقاق (Derivation):
وتكون علاقتها بين كلمات مشتقة وكلمات أساسية. مثلاً، "سريع" و "بسرعة" يتشاركان في الجذر "سرعة" ولكن كلّ منهما يحمل معنى مختلف.
إنّ علاقة الاشتقاق في المعنى هي مفهوم لغوي يشير إلى العلاقة بين كلمات مشتقة من نفس الجذر أو الأصل، حيث تحمل هذه الكلمات معاني مشتركة بناءً على الجذر الأساسي. تُعد هذه العلاقة من الظواهر اللغوية المهمّة التي تظهر في اللغات العديدة حول العالم. وهنا يلفت ابن جنّي انتباهنا بأنّ المعنى هو العنصر المتحكّم في البنية اللّفظية، ويجعل هذه الفكرة ذات طبيعة منطقيّة عندما يقول: (فإذا كانت الألفاظ أدلّة المعاني ثمّ زيد فيها شيء أوجبت القسمة له زيادة المعنى به – ابن جنّي من كتاب الخصائص).
ويمكن أن نقول إنّ علاقة الاشتقاق في المعنى تعدّ إحدى الجوانب الأساسية في تشكيل اللغة وتطوّرها، وتسهم في إثراء المفردات وزيادة فهمنا للغة.
{ علاء حمد: عراقي مقيم في الدنمارك
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك