وارسو - (أ ف ب): يردّد فلاديمير بوتين وشي جينبينغ وناريندا مودي عبارة «عالم متعدد الأقطاب» التي تبدو كأنها نهج مشترك. لكن بعيدا عن رغبتهم في الحد من الهيمنة الغربية، لا تبدو رؤاهم متقاربة. تقود الدول الثلاث، إلى جانب إيران وكوريا الشمالية، الدعوات إلى نظام عالمي جديد يكون فيه دور الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين مقلصا.
مطلع يوليو، قال الرئيس الصيني شي جينبينغ في قمة منظمة شنغهاي للتعاون: «علينا أن ندافع بشكل مشترك عن عالم متعدد الأقطاب، متساوٍ ومنظم». وفي الوقت نفسه، شدّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أن «جميع المشاركين (...) ملتزمون بتشكيل نظام عالمي عادل متعدد الأقطاب». أما رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي فأكّد نهاية العام 2023 أن «النظام العالمي الجديد سيكون متعدد الأقطاب».
في خطاباته، يوصّف بوتين غزو روسيا لأوكرانيا بأنه نضال ضد الهيمنة الأمريكية في أوروبا، أكثر من كونه حربا على هذه الدولة المجاورة. ويبدو أن هذه الفكرة تروق بكين التي لديها طموحاتها الخاصة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ حيث كانت الولايات المتحدة مهيمنة منذ فترة طويلة. وسيكون ذلك شكلا من أشكال الانتقام بالنسبة إلى هؤلاء القادة، إذ إنهم يحكمون دولا تضررت من سقوط الاتحاد السوفيتي والاستعمار وحتى الرأسمالية المعولمة التي تخدم، قبل كل شيء، المصالح الغربية.
قال المحلل السياسي الفرنسي جان-مارك بالانسي إنهم يتشاركون «رؤية موحّدة للضغط من أجل نهاية العصر الغربي». لكن ذلك لا يعني طموحا موحدا على المدى الطويل. وأوضح بالانسي أن ذلك «يفتح الطريق أمام العديد من السيناريوهات لأن القادة غالبا ما تكون لديهم مصالح متضاربة».
من جهته، أوضح ستيفن فيرتهايم من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي أن «العديد من البلدان (...) تقول إنها تريد عالما متعدد الأقطاب»، لكن موسكو وبكين ونيودلهي لا تعرف «تحديدا نوع النظام، وخصوصا المؤسساتي، الذي تسعى الى تحقيقه في غضون 20 عاما». وقالت يون سون المديرة المشاركة لبرنامج الصين وشرق آسيا في مركز ستيمسون في واشنطن إن رفض هذه الدول الغرب «لا يعني أنها تتقاسم الرؤية نفسها لما يجب أن يكون عليه البديل».
وبالتالي، غالبا ما تكون المبادئ الرسمية التي ينشرها الكرملين ونيودلهي والصين مليئة بالوعود القوية حول إحداث تغيير جذري في الجيوسياسة. وجاء في أحد البيانات الصادرة عن الصين عام 2023 حول مقترحاتها لـ«مستقبل مشترك»: «ينبغي أن نبني شراكات تتعامل فيها الدول على قدم المساواة».
من جهتها، تريد موسكو تعزيز «الأغلبية العالمية» في مواجهة «المليار الذهبي» وهو الغرب. و«المليار الذهبي» هو نظرية مؤامرة شائعة في روسيا مفادها أن نخبة عالمية سرّية تحتفظ بموارد العالم. واعتبر الخبير السياسي الروسي سيرغي كاراغانوف أن «الأولويات المؤسساتية هي كالآتي: تطوير منظمات خاصة لدول (الأغلبية العالمية) لا تمثّل فيها الدول الغربية، وإنشاء منصات تكنولوجية» بين هذه الدول و«توسع في التعاون في مجال التعليم والعلوم».
لكنّ هذه الصيغ التبسيطية غالبا ما تتجاهل التصدعات الجيوسياسية. ففي جنوب شرق آسيا، تثير الطموحات الصينية القلق، وفي الدول السوفيتية السابقة، تثير المطالبات الروسية المخاوف، فيما تشكّل التوترات الصينية-الهندية مثالا آخر لمصدر الخلافات.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك