عاملان يُمكن اعتبارهما مقياسًا لتقييم أي عملٍ فني يستهدف الجمهور في العصر الحديث: التفاعُل الجماهيري بالحضور وابداء الاستحسان، واستيفاء الشروط النقديَّة والإبداعيَّة التي تهَبُ العمَل فُرصة للحياة زمنًا أطول في ذاكرة الأرشيف الفني للمنطقة التي وُلِدَ فيها على أقل تقدير، وباعتبار أعمال فريق «مافيا سكراب» المسرحي ذات صوتٍ مسموع في البحرين بعد أعوامٍ من العمَل الجاد؛ استحقَّ آخر تلك الأعمال مُتمثلاً بمسرحيَّة «إنذار كاذِب» أن يكون نموذجًا لتقييم نجاحه بعد انتهاء آخر عرضٍ من عُروضِه.
فيما يتعلَّق بالتفاعُل الجماهيري الإيجابي؛ لا يسع أي مُقيِّمٍ مُنصِف إلا أن يعترف أن المسرحيَّة التي كانت تذاكرها تنفد خلال أقل من 24 ساعة من الإعلان عنها قد حققت نجاحًا جماهيريًا ساحقًا، لا سيما مع وجود ثلاثة عوامل قويَّة للوصول إلى هذا النجاح: التسويق الممتاز لا سيما عبر وسائط التواصُل الاجتماعي، وبطولة «نجم شُبَّاك» يحظى بشعبيَّة واسعة في البحرين خصوصًا والخليج بوجه عام وهو الفنان « حسن محمد»، إضافة إلى أجواء «المودَّة العائليَّة» التي تربط بين أفراد فريق العمل وَفقَ ما أشاروا عليه في أكثر من لقاءٍ إعلامي.
بالنظر إلى العوامل الثلاثة لنجاح المسرحيَّة جماهيريًا؛ يُمكن القول أن أهمّها هو النجم «الجوكر» حسن محمد، فقد وُلِد بالموهبة وترعرَعَت معه منذ أيَّام استمتاعه بقراءة أعداد «مجلَّة ماجد» خلال الطفولة، إنهُ يعشق التمثيل، ويفهمه، ويغوص في أعماقه، ويبذل أقصى ما بوسعه للتفوّق فيه، وهو يحترم ثقة جمهوره إلى درجة حرصه على تفاصيل كل مشهد يكون فيه دون أن يكتفي بدوره فقط، كانت بصماتهُ الكوميديَّة واضِحة على النص عندمَّا أدَّى دور شخصيَّة الطبيبة العربيَّة في المشهد الثاني، أمَّا في المشهد الرابع فقد ذكَّرني بالروح الحلوة للفنان الكويتي القدير «محمد المنصور» في مسرحيَّة «عزوبي السالميَّة»، إن قُدرته على تحويل دور مُحامٍ بسيط في هذا المشهَد إلى دورٍ كوميدي نجحَ في إضحاك الجمهور بأسلوبه السهل المُمتنِع تؤكد أننا أمام فنان مُثقف في مجاله بامتياز؛ ولا يعتبره مُجرد مصدر من مصادر الدخل المادي وحَسب. بعد مُشاهدة مئات الأعمال العربيَّة وغير العربيَّة من الطّراز الرفيع على مدى زمنٍ طويل يصعب على المُشاهِد المُثقف فنيًا الضحِك أمام مشهدٍ كوميدي؛ لكنني أُسجّل اعترافًا أنني وجدتُ نفسي أضحك عند بعض اللقطات المُفاجئة لهذا الفنَّان الذي يمتاز بقدرة فائقة على توجيه ما يُمكننا أن نُطلق عليه «صَعقَة الدغدَغة»! فأسلوبه يُدغدغ روح المُشاهِد في لحظةٍ مُباغِتة غير مُتوقعة بما يُشبه الصَّعقة التي تنتزع معه ضحكة عميقة من القلب بحيث يشعُر أن تلكَ الضحكة توازي رسوم تذكرة الدخول بكاملها.
كان دور الفنانة «سلوى الجراش» في المشهد الأخير من المسرحيَّة مُثيرًا للإعجاب بصورة تستحق الإشارة إليه، ففي هذا الدور الذي قدَّمت فيه شخصيَة سيدة شابَّة، حُبلى بطفل في الشهور الأخيرة، تظهر بعباءةٍ فضفاضة دون إفراطٍ في التأنُّق أو الدلال الأنثوي؛ أكَّدَت للمُشاهِد أنها تملك من المهارة والموهبة ما يُمكن الاستعانة به لتأدية أدوار بعيدة عن دور «الشابة الحسناء» أو «السيدة الفاتِنة»، ثمة طاقةٌ فنيَّة كامنة في أعماقها يمكن استثمارها في أدوارٍ أكثر عُمقًا وتعقيدًا وأُخرى أكثر بساطة بعيدًا عن تأثير الجانب الأنثوي.
المُمثل «جعفر التمار» الذي يُمكن تحويله إلى ثروة فنيَّة حقيقية في عالم الكوميديا لم يجد حتى الآن الجهة التي تصنع منه «محمد هنيدي» الخليج! فالميزةُ النادرة التي وُلِدَ بها قادرة على فتح عشرات الأبواب الكوميديَّة التي لا يُمكن أن تُفتح لغيره، وهناكَ عشرات النصوص الكوميدية التي تستحق كتابتها خصيصًا ليكون هو بطلها، ونأمل أن يحظى ذات يوم بالتوفيق الإلهي الذي يُحلّق به إلى المكانة التي تليق بموهبته.
نصِل إلى العامل الثاني من عوامل تقييم نجاح أو عدم نجاح أي عملٍ فني؛ وهو استيفاء الشروط الإبداعيَّة والمعايير الفنيَّة.. من باب المصداقيَّة والشفافية يصعُب قول ان المسرحيَّة حققت هُنا نجاحًا موازيًا لنجاحها الجماهيري، ولو أن كُل المشاهد كانت بمستوى «المشهد الثالث» لتداعَت ثقة الجمهور وتقلَّص عدد حاجزي التذاكر بعد أوَّل عَرضين.
يُحسب لفريق «مافيا سكراب» أنهُ مازال صامدًا على الساحة الفنيَّة حتى اليوم رُغم كُل التحديات، ونأمَل أن يستكمِل مسيرتهُ صعودًا نحو مزيدٍ من النجاح والتألُّق من دون يأسٍ أو كَلل.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك