يقول المهاتما غاندي: «القوة تأتي من الإرادة التي لا تقهر»!
نعم، فشعور المرء بالأهمية ينبع من قناعته بأنه قادر على إحداث اختلاف في العالم من حوله، فكل العبر والقصص تؤول بأن الإنسان يستطيع بلوغ أي هدف إذا تحلى بالعزيمة والإصرار على تحقيق طموحاته مهما واجه من تحديات، وهذا ما تجسده تجربة تلك المرأة، التي اختارت التميز نهجا لها، فراحت تصارع من أجله بكل قوة وثبات، حتى شهدت أحلامها ترى النور على أرض الواقع.
د. دانه محمد مكي، أول بحرينية تحصل على الدكتوراه في العلاج الطبيعي أمراض المفاصل والعظام وقاع الحوض من بريطانيا، وترافق المنتخب الأوليمبي البحريني في أولمبياد بكين عام 2008، تم اختيارها سفيرة للشباب البحريني من بين 200 مرشح، حددت أهدافها في الحياة وسعت نحو تحقيقها بالجهد المتواصل الذي كان مفتاحا لإطلاق قدراتها الكامنة، لتثبت مقولة المفكر السعودي عبدالله القصيمي التي تؤكد أن أعظم شيء يتفوق به الإنسان على ما في الوجود هو موهبة التحدي.
وترى أن القليل من الإصرار يقابله الكثير من الإنجاز، فاستثمرت سنوات طويلة من الدراسة والتدريب والعمل في بريطانيا لصناعة خبرة تؤهلها للتفرد ولخدمة وطنها من خلال الجمع بين العمل الإكلينيكي والأكاديمي.
حول هذه التجربة الثرية كان الحوار التالي:
لماذا العلاج الطبيعي؟
ارتباطي بقطاع العلاج الطبيعي يتعلق بنشأتي، فقد كنت الابنة الكبرى لوالدي الذي يعمل اختصاصيا في هذا المجال، وبالطبع وجدت نفسي أتعلق بتخصصه وورثت عنه هذا الشغف، حيث كان يصطحبني إلى مركزه الخاص منذ صغري في العطلة الصيفية ويوكل إليّ القيام ببعض الأمور الإدارية، ومن هنا تولد بداخلي حلم دراسة هذا التخصص عند الكبر، هذا فضلا عن دور والدتي التي كانت دوما تغرس بداخلنا حب العلم والتميز وأهمية أن تحقيق المرأة لذاتها ولاستقلاليتها، وبالفعل سعيت لتحقيق طموحي بكل قوة.
كيف تحقق الحلم؟
لقد اجتهدت وتفوقت عبر مشواري الدراسي حتى حصلت على بعثة سمو ولي العهد للدراسات العليا، التي مكنتني من تحقيق طموحي العلمي والعملي، حيث تم ابتعاثي إلى بريطانيا لدراسة تخصص العلاج الطبيعي في جامعة برمنجهام كأول بحرينية تحقق هذا الإنجاز، ولا شك أن تجربة الدراسة هناك كانت مكثفة وصعبة لكنها ممتعة في نفس الوقت ، وقد شعرت تجاهها بالحماس والتخوف بعض الشيء خاصة فيما يتعلق بتحديات الغربة وما أكثرها، الأمر الذي أسهم في نضج وصقل شخصيتي مبكرا، وتحقيقي للاستقلالية، وتعلمي مهارة إدارة الوقت وكافة أموري بشكل عام، ولعل أهم ما درسته وتعلمته في الغربة هو الحرص على التمسك بعاداتنا وتقاليدنا وهويتنا مع الانفتاح على الثقافات الأخرى وأهمية التعايش معها والتأقلم عليها وهي معادلة صعبة ليس من السهل تحقيقها.
ماذا عن دراساتك العليا؟
أثناء الدراسة بالجامعة تدربت في المستشفيات البريطانية، الأمر الذي نال أعجابي وافادني كثيرا في مشواري لاحقا، وبعد أن تأقلمت على الحياة هناك شيئا فشيئا، قررت المواصلة لإعداد رسالة الماجستير ثم بعدها الدكتوراه، وقد وجدت أن أهم ما يميز الدراسة هناك هو التشجيع على إجراء البحوث والاطلاع المستمر، ومن ثم تم تعزيز الشغف الأكاديمي بداخلي، ولعل الجمع بين العمل الاكلينيكي والأكاديمي هو ما يميز تجربتي.
وكيف جاء قرار العودة؟
بعد سنوات طويلة من الدراسة والتدريب والعمل في بريطانيا امتدت إلى حوالي 14 عاما، قررنا أنا وزوجي العودة إلى الوطن، والاستقرار به لخدمته، وللتواجد بجانب الأهل الذين مثلوا لنا الظهر والسند عبر مشوارنا، وتزامن ذلك مع انجابي ومع اندلاع أزمة كورونا، وهنا كانت الفرصة سانحة للإبقاء على عملي الأكاديمي الذي اعشقه نظرا لاهتمامي بالنشاط العلمي والبحثي، ومارست مهنة التدريس أون لاين في جامعة برونال البريطانية، وفي نفس الوقت التحقت بالعمل لدى مركز والدي للعلاج الطبيعي، وحرصت على متابعة كل التطورات والمستجدات العلمية في مجالي، ومن ثم تطوير مهاراتي العلمية والعملية في ذات الوقت.
أصعب التحديات؟
لا شك أن تحقيق الموازنة بين مسؤولياتي كزوجة وأم وأكاديمية وإكلينيكية أمر صعب للغاية، ولكن وكما ذكرت سالفا كانت مساندة الأهل ودعم زوجي لي من العوامل التي مكنتني من تحقيق هذه الموازنة، وبالطبع حدث في بعض الأوقات أن جاء شيء على حساب شيء آخر، وهو أمر حتمي تعاني منه أي سيدة عاملة، المهم هو الحرص على تعويض أي نوع من القصور بقدر الإمكان.
هل صحيح أن مجال العلاج الطبيعي يلائم الرجل أكثر؟
البعض يرى أن العمل في مجال العلاج الطبيعي قد يكون صعبا إلى حد ما بالنسبة للمرأة، وذلك نظرا لتطلبه بعض المهارات الجسدية على سبيل المثال، وقد يكون هذا هو الاعتقاد الشائع لدى الكثيرين، ولكن عمليا وواقعيا أنا لا أتفق مع هذا الرأي، ولا أراه يتعارض مع طبيعة المرأة، كما أن هناك الكثير من المريضات يفضلن التعامل مع الاختصاصية من نفس جنسهن، ويجدن نوعا من الاريحية والانفتاح أكثر عند حديثهن عن مشاكلهن أو تلقيهن العلاج.
حدثينا عن تجربتك كسفيرة للشباب؟
جاء اختياري كسفيرة للشباب البحريني من خلال برنامج تم إعداده من قبل وزارة شؤون الشباب، وذلك تحت رعاية سعادة الوزيرة السيدة روان بنت نجيب توفيقي، حيث طلب من المشاركين إعداد فيديو قصير لا تتعدى مدته دقيقة واحدة، يتم فيه التحدث عن الإنجازات الأكاديمية والعملية، وكان ذلك أمرا صعبا يتطلب مهارات محددة، هذا فضلا عن المرور خلال بعض الاختبارات الأخرى التي تعتمد على عدة معايير محددة من بينها المشاركات العالمية للمترشح في أي مجال، ومدى إجادته اللغة الإنجليزية وغيرها من المقاييس، وبالطبع كان فوزي بهذا اللقب تحديا صعبا وجميلا في نفس الوقت، وخاصة أن عدد المترشحين كان 200 شخص، وكم أنا فخورة بهذا الإنجاز المهم.
وماذا عن مرافقتك للمنتخب البحريني الأوليمبي عام 2008؟
كنت أول بحرينية اختصاصية علاج طبيعي ترافق المنتخب البحريني الأوليمبي في أولمبياد بكين عام 2008، ومثل ذلك بالنسبة لي فرصة لتحقيق شغفي واكتساب خبرة دولية في هذا المجال، وبالفعل كانت تجربة مهمة وممتعة تحمست لها كثيرا، وقد ضم الفريق فتاتين إحداهما عداءة والأخرى سباحة، وحققت نجاحا لافتا ووجدت كل الدعم والتشجيع من الجميع، ولم أواجه أي تحدٍ أو مشكلة لكوني امرأة، بل رحب بي بشدة زملاء المهنة وأعضاء الفريق الذين قدموا لي كل الدعم.
مبدأ تسيرين عليه؟
مبدئي في الحياة الذي اعتدت أن أضعه دائما نصب عيناي عبر مشواري هو مسؤوليتي الكاملة عن أي نجاح أو فشل، وعدم لوم أي طرف آخر عند الإخفاق، وهذا ما يجب أن يعلمه جيدا الجميع ويعمل به، وبصفة عامة أنا لدي قناعة بأن أي شخص يجب أن يضع لنفسه أهدافا محددة لتحقيقها، على أن تكون واقعية وليس دربا من الخيال، وأن يتمتع بالإيجابية ويتمتع بالمرونة عند مواجهة أي تحديات، حتى يمكنه الانتصار عليها، وهذا ما حدث معي على الصعيد الشخصي طوال مسيرتي.
من وراء نجاحك؟
وراء نجاحي والد عظيم تعلمت منه الكثير في الحياة سواء على الصعيد العلمي أو العملي، وأم مكافحة شغوفة بالعلم والتعلم، وزوج مضحٍ ومتفانٍ في خدمة أسرته داعم لي طوال الوقت، وأهل مشجعون، وبالطبع إرادة قوية، وإصرار شديد على بلوغ أهدافي مهما واجهت من عثرات.
رسالة إلى المرأة؟
أتمنى أن أسهم بدور توعوي تجاه المرأة فيما يتعلق بأهمية صحتها النفسية والجسدية، وأن تمنحها الأولوية بالنسبة لها، لأنها بدون ذلك لن تستطيع تقديم العطاء لأسرتها وأهلها ولمن حولها، فلا بد أن تحب نفسها أولا كي تصبح قادرة على حب الآخرين، وكي يتحقق ذلك عليها أن تتمتع بالشجاعة للإفصاح عن أي مشاكل تعاني منها، مهما كان نوعها أو حجمها، وأن تسعى لحلها وعلاجها باللجوء إلى المختصين.
حلمك الحالي؟
على الصعيد المهني أتمنى أن امتلك في يوم من الأيام مركزا طبيا شاملا يقدم كل الخدمات الصحية والنفسية للمرأة، وذلك على غرار ما هو موجود في دول العالم المتقدمة، بمعنى تقديم كل الخدمات الصحية التي هي بحاجة إليها مثل العلاج الطبيعي والنفسي وغيرهما، بحيث يوفر لها الرعاية الشاملة في مكان واحد.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك