حاورها - علي باقر:
شاهدتها وهي تسرح بخيالها بعيداً، لا تعير اهتماماً لمن هم حولها من الفنانين الذين يتسابقون لشحد كل ما في طاقاتهم الإبداعية لتترجموا تشكيلاً ورسوماً فنية في لوحاتهم الخاصة، أما هي فظلت منشغلة عنهم بعيداً.. تغمس فرشاتها في الألوان لتتمكن من إفراد لونٍ خاص يعمق إحساسها المتخيل، وقفتُ بقربها صامتاً مشدوها أتأمل في ذوقها البديع ممسكاً بكاميراتي لعلي أتوصل إلى ما يدور في ذهنها وأحاكيه لأستفرغ منها ما تود أن تخلِّده في لوحتها العميقة في دلالاتها الفنية.. تسمرتُ أمامها أقرأ في لوحتها ودرجات الألوان وأدركت أنها فنانة حضرت لأول مرة وتعايشت مع الفنانين العرب والأجانب في السمبوزيوم الثاني الذي نظمته جمعية البحرين للفن المعاصر بالتعاون مع مرسم زيوس وكان تحت رعاية كريمة من المجلس الأعلى للفنون مؤخراً من العام الحالي بوطني الحبيب مملكة البحرين.
في محاولة مني.. ارتأيت أن أدخل في تفاصيل نبوغها الفني وأحاورها وكنت متردداً لعلها لا تقبل أن استقطع من وقتها الذي سخرته لإنجاز لوحتها الفنية في وقت قياسي حددته لتسليمها، ولكن وجدت نفسي تتشجع لمحادثتها حول مشاركتها وانطباعها عن السمبوزيوم الدولي الثاني الذي جمع عددا من الفنانين، ومن دون أن أبادر في طرح سؤالي.. استدارت ووضعت يدها على اللوحة وهي تشاهد الكاميرا التي بيدي قائلة: أنت إعلامي ودون أن أجيبها أردفت قائلة: يا أخي بدون الإعلام لا يمكن أن يصل هذا الملتقى الذي يزخر بعدد كبير من الفنانين التشكليين في الخليج والوطن العربي وبعض دول العالم إلى تحقيق أهدافه إقامة وتنظيم تلك الملتقيات التي ترتقي بالفنون كإرث حضاري.. وتابعت قولها: أعرفك بنفسي أولاً.. أنا الفنانة التشكيلية أنهار هوساوي من المملكة العربية السعودية.. أنا أتعايش نشوة الإبداع الفني والذهني والتحصيلي المعرفي من خلال تواجدي في هذا السمبوزيوم الدولي لأول مرة في مملكة البحرين، لقد كان مميزاً كما تشاهد.. تجد أمامك مائتي فنان وفنانة تقريباً.. كلٌّ له دور وبصمة مختلفة عن غيره وبذلك تتنوع المشاركات التشكيلية في الرسم و النَّحت على الطين وعلى الخشب وأيضا في الخط وتفاعل معرفي تحصيلي ورشي تدريبي حصلت عليه من الفنانين المتخصصين استفدت منه بإضافة إلى أننا في هذا الملتقى نتبادل الخبرات الفنية فيما بيننا، وبذلك سعدت كثيراً بلقاء زملائي و أصدقائي في الفن من أبناء وبنات وطني الحبيب.. هذا السمبوزيوم الخليجي البحريني فتح أفقنا الفني، فهو مثمر النواتج، أما دراستي الأكاديمية فقيمتها بالنسبة لي وطنية بالدرجة الأولى.
سألتها: ماذا قدمتِ باسم هذا الفن لوطنك؟ ابتسمت وقالت: كما ترى، عملي هذا استوحيته من العرضة النَّجدية لما أجد فيها من قيمة وعمق تاريخي ووطني أصيل.. فأنا عادة ما تتملكني رغبة في التعبير الذي يتنشأ في دواخلي ويستفرغ ما رأيته في كل مكان أتواجد فيه.
قلت لها: استعرضي بإيجاز محاكاتك لسيرتك الفنية مركزة على إبداعاتك في حياتك العملية. ابتسمت وقالت: بدأت حياتي العملية في مرحلة البكالوريوس حيث كنت أدرس، وفي الوقت نفسه أدرب الطالبات أساسيات الرسم في مركز الدَّعم الطلابي بجامعة أم القرى، بعد تخرجي من الجامعة تابعت تدريب الطالبات في الجامعة، ثم سافرت إلى كندا لدراسة اللغات، وبعد عودتي من الدراسة مارست التَّدريب في المراكز الحكومية والخاصة، وكذلك التَّدريس في التَّعليم العام، ثم استكملت دراسة الماجستير في جامعة أم القرى بفضل الله ولا زلت أدرب المعلمين وغيرهم على تحسين المخرج الفني في مختلف المجالات.
بادرتها بالسؤال: هل هناك معاناة أو مشكلات حاولتْ أن تقف أمامك للحد من طموحك الأكاديمي والفني؟ أوضحت وبتأثر: نعم.. الحقيقة كانت أكثر من صعوبة حاولت أن تنال مني أهمها: معاناتي مع والدي في مرضه أثناء دراستي للماجستير، لقد حاولتْ هذه الأزمة أن تنال مني، وترددت في استكمال دراستي حيث يتطلب مني أن أكون بجانبه في كل دقيقة، ورغم صعوبتها في تلك الفترة إلا أن الدافع الأكبر كان من والدي المريض الذي أصرَّ على أن استكمل دراستي ليكون هو أكثر سعادة فدرست والله أكرمني بنيل درجة الماجستير بامتياز مع إذن النشر والطباعة لرسالتي العملية.
مباشرة قلت لها: رسالتك للحصول على الماجستير في دراستك العليا ما عنوانها؟ وما الذي كان يغريك في البحث حول عنوانها؟
إجابة: عنوان بحثي هو «سوسيولوجيا الثقافة وانعكاساتها على تصميم الإعلانات البصرية في المجتمع السعودي» ويدور حول نظرة الجانب التصميمي للإعلانات ودوره في التأثير على المجتمع وأهميته، الحقيقة كانت لدي الرغبة في البحث ولكن واجهتني مشكلة قلة الأبحاث في هذا الموضوع. ولكن قمت بمناقشة التفاصيل مع سعادة البرفيسور عبير الصاعدي وبدأت بجمع الدراسات التي تؤكد أهمية الدراسة وندرتها، وكنت استمتع بكل لحظة التي اكتشف فيها ما يرتبط بالدراسة وما يختلف عنها حيث يعيدني كل ذلك لأهداف دراستي.
باغتتها بقولي لها: وأنا أقرأ بعض أفكارك العملية يا فنانة أنهار، فأنت بنت سعودية طموحة في تحصيلك العلمي الأكاديمي، ولكني أدركت أن ثمة إعجاب وتأييد وتعلُّق بالأستاذة الدكتورة البرفسور عبير الصاعدي الأستاذة في جامعة أم القرى التي أشرفت على رسالتك العملية في مرحلة الماجستير، فما أهم المميزات التي تتميز بها أستاذتك عن غيرها من الأساتذة ذوي الخبرات من المناقشين؟
حدقت في عيني، ووجدت بريقاً في عينيها يتلألأ وهي تستجمع الإجابة. فقالت لي: يا أستاذ لا يسعني الوقت ولا الحروف بنصف ما سأقول عن سعادة البرفسور عبير الصاعدي التي قدمت من وقتها وجهدها الكثير من أجل الاطلاع والمناقشة وتقنين البحث واستعراض مشكلة البحث.
وأردفت قائلة: تتميز البرفسور الصاعدي بالخبرة والمكانة العلمية والعملية، فقد نشرت الكثير من الأبحاث في مجال التصميم، أما أنا فيكفني فخراً واعتزازاً قبولها الإشراف على بحثي العلمي وظهوره في صورته هذه.
في آخر لقائي معها طلبت منها: أن تستعرض أهم منجزاتها الفنية التشكيلية التي قدمتها لوطنها المملكة العربية السعودية، وكذلك المنافسات التي خاضتها خارج وطنها، وأن تذكر أهم الجوائز التي نالتها.. وهل كان تحصل على عائد مادي من خلال مشاركتها في المعارض الفنية؟
أجابت: من أهم الإنجازات هي مشاركتي في المعارض الفنية التي تعزز القيم الوطنية والثقافية وأهمها: مشاركتي في معرض بمناسبة مرور 100 يوم على تولي الملك سلمان بن عبدالعزيز خادم الحرمين الشريفين حفظه الله مع العديد من كبار الفنانين في مدينة جدة.
وأيضا مشاركاتي الخارجية في جامعة كابرتون بكندا التي أعتز بها كثيراً، فقد اختيرت مشاركتي ونالت أبرز جمالية في الخط العربي. أما عن الجوائز فقد حصلت على العديد من الجوائز المحلية أبرزها: المركز الأول في مهرجان الزهور في مكة المكرمة والمركز الثاني في جامعة أم القري والمشاركة في رحلةMBC ACADEMY الإبداعية بمجموعة من أعمالي الفنية، أما بالنسبة للعائد المادي من خلال المعارض فأنا لا أسعى لذلك، وأعتقد أن قيمة الفن عالية جداً و مرتبطة بروح من يصنعها، ومع ذلك قمت ببعض المشاريع الفنية التي عادت إلىَّ بعائد مادي كبير، وما أفكر فيه الآن إنشاء مشروع تمت الموافقة عليه مقدما وهو مشروع إبداعي لايزال في مرحلة الإعداد.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك